لم تنقطع هجمات تنظيم "داعش" على قوات النظام السوري العابرة على الطريق الدولي الذي يصل محافظة دير الزور في أقصى الشرق السوري بمدينة تدمر في قلب البادية السورية، على الرغم من الحملات العسكرية التي قامت بها هذه القوات أخيراً لتأمين الطريق، وانتشار مليشيات إيرانية على بعض محاوره، في دلالة على أهمية هذا الطريق للجانب الإيراني.
وفي أحدث الهجمات، أعلن النظام السوري، مساء الأحد، مقتل ثلاثة عناصر تابعين له وإصابة 10 آخرين، بهجوم لمسلحين من تنظيم "داعش" على طريق دير الزور - تدمر، في منطقة المالحة - الشولا. وقال الناشط جاسم عليان لـ"العربي الجديد" إن الحافلة تتبع الحرس الجمهوري، وكان النظام ينقل هؤلاء بحافلة مدنية للتمويه، مشيراً إلى أن الجرحى نُقلوا إلى مستشفى دير الزور العسكري. من جهته، أعلن تنظيم "داعش"، عبر وكالته الرسمية "أعماق"، مسؤوليته عن الهجوم، مشيراً إلى أنه أسفر عن مقتل وجرح 20 عنصراً.
يعتمد النظام والإيرانيون على الطريق في نقل الإمدادات من وإلى العاصمة دمشق
وكانت مليشيات تتبع للحرس الثوري الإيراني، قد وضعت يدها على هذا الطريق الدولي، عقب هجمات متكررة من قبل تنظيم "داعش" فشلت قوات النظام في التصدي لها، ما يدل على أهمية هذا الطريق للجانب الإيراني. وأكدت مصادر متقاطعة، الأسبوع الماضي، لـ"العربي الجديد"، أنّ مليشيات عدة تابعة لطهران، أبرزها "لواء فاطميون" الذي يضم مرتزقة أفغانيين، و"كتائب حزب الله" العراقية، نشرت حواجز ثابتة لها على الطريق الذي يصل محافظة دير الزور بمدينة تدمر عقب سحب قوات "الدفاع الوطني" والفرقة الرابعة التابعة لقوات النظام، عناصرها من سبعة حواجز على الطريق، نحو بلدة السخنة شمال شرقي مدينة تدمر في ريف حمص الشرقي في البادية السورية. ويبدأ هذا الطريق الذي يبلغ طوله نحو 500 كيلومتر من العاصمة السورية دمشق، ويعبر بلدتي الضمير والناصرية في ريف دمشق الشرقي، وصولاً إلى مدينة تدمر ومنها إلى الأرك، فبلدة السخنة، ومن ثمّ إلى مدينة دير الزور، ومنها إلى مدينتي الميادين والبوكمال الواقعتين تحت سيطرة مباشرة من المليشيات الإيرانية منذ أواخر عام 2017. ويعد هذا الطريق الأهم في البادية السورية، إذ يعتمد عليه النظام والإيرانيون في نقل الإمدادات من وإلى العاصمة دمشق من شرقي سورية، فضلاً عن القوافل التجارية التي تتحرك عبره وسيارات النقل العامة. وكان تنظيم "داعش" قطعه أكثر من مرة خلال العام الفائت، خصوصاً عند بلدة السخنة التي لطالما كانت ميدان معارك كر وفر بين خلايا التنظيم وقوات النظام.
ويعتبر هذا الطريق هاماً في سياق استراتيجية إيران التي تهدف إلى ربط أراضيها برياً بسورية ولبنان مروراً بالعراق. ويأتي تحرك المليشيات الإيرانية بعد أيام من تلقيها ضربة جوية غير مسبوقة من طيران يُعتقد أنه إسرائيلي، استهدف أكثر من 30 موقعاً لمليشيات "لواء زينبيون" الباكستاني، و"لواء فاطميون" الأفغاني، و"الفوج 47"، و"كتائب حزب الله" العراقية في دير الزور.
في السياق، أوضح أحمد خضر المحيا، الناطق باسم فصيل "مغاوير الثورة" التابع للمعارضة السورية والمتمركز في منطقة الـ55 (55 كيلومتراً بمحيط قاعدة التنف العسكرية التابعة للتحالف الدولي) في البادية السورية، أن "طريق دير الزور- تدمر يبعد نحو 200 كيلومتر عن مناطق سيطرة فصائل المعارضة السورية". وبيّن في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "المليشيات الإيرانية بدأت تعيد انتشارها بعد الضربة التي تلقتها أخيراً من الطيران الإسرائيلي". من جهتها، أوضحت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أنّ تنظيم "داعش" يسيطر على طريق دير الزور – تدمر في الليل، مؤكدةً صعوبة السيطرة عليه من المليشيات الإيرانية أو غيرها، وخصوصاً في الليل.
المليشيات الإيرانية بدأت تعيد انتشارها بعد الضربة التي تلقتها أخيراً من الطيران الإسرائيلي
ولم تستطع قوات النظام ومليشيات محلية تتبعها، كبح نشاط تنظيم "داعش" في البادية السورية مترامية الأطراف، والتي تتوزع إدارياً على محافظات سورية عدة، على الرغم من قيامها بحملات عسكرية عدة مع مليشيات محلية، منها "لواء القدس"، تحت غطاء ناري جوي روسي تركز في الآونة الأخيرة على محيط منطقة الرصافة الأثرية في ريف الرقة الجنوبي الغربي، والتي شهدت أكثر من هجوم من خلايا تنظيم "داعش".
وإضافة إلى طريق تدمر – دير الزور، يركز تنظيم "داعش" نشاطه في منطقة أثريا على تخوم البادية السورية الشمالية في ريف حماة الشرقي، التي يعبر منها طريق لا يقل أهمية، آتٍ من محافظة الرقة، ويتفرع عند بلدة سلمية إلى 3 طرق؛ الأول باتجاه مدينة حماة، والثاني إلى ريف حلب الجنوبي مروراً ببلدة خناصر، والثالث إلى مدينة حمص في وسط سورية، ومنها إلى العاصمة دمشق، مروراً بمنطقة القلمون. كما يعد هذا الطريق، الذي يبلغ طوله من دمشق إلى الرقة نحو 450 كيلومتراً، الوحيد الذي تسلكه وسائل النقل العامة والخاصة للسوريين الوافدين والمغادرين من مناطق النظام في حمص وحماة، إلى منطقة شرقي نهر الفرات. ويعتمد النظام على هذا الطريق في نقل الحبوب والمحروقات من منطقة شرقي نهر الفرات التي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، إلى مناطق نفوذه، لذا يحاول بشتى الطرق حمايته من هجمات تنظيم "داعش"، خصوصاً أنّ القسم الأكبر منه يقع تحت سيطرة قواته، حيث تبدأ سيطرة قوات "قسد" من مفرق الرصافة وصولاً إلى مدينة الطبقة في ريف الرقة الغربي بطول نحو 10 كيلومترات فقط.
من جهته، قال الباحث السياسي، سعد الشارع، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الوجود المليشيوي الإيراني في البادية السورية ليس جديداً"، موضحاً أنه "في العام 2017، انطلقت المليشيات الإيرانية مع قوات النظام، وتحت غطاء ناري من الطيران الروسي، من منطقة تدمر باتجاه محافظة دير الزور، فاستطاعت انتزاع المحافظة من تنظيم داعش، وسيطرت على المدن الرئيسية الثلاث فيها وهي دير الزور والميادين والبوكمال، على الضفة الغربية لنهر الفرات". وأضاف الشارع أنّ إيران "أولت المنطقة اهتماماً كبيراً منذ ذلك الحين، والطرق الواصلة إلى محافظة دير الزور من وسط سورية"، مشيراً إلى أنّ السيطرة الإيرانية على طريق دير الزور - تدمر "تعني عملياً افتتاح الطريق البري الذي يمتد من طهران إلى بغداد ودمشق، وصولاً إلى بيروت على ساحل البحر الأبيض المتوسط".
الوجود المليشيوي الإيراني في البادية السورية ليس جديداً
وأوضح الشارع أن قائد "فيلق القدس" السابق بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، "زار قبل مقتله مطلع العام الماضي البوكمال على الحدود السورية العراقية، مرتين، وألقى هناك ما سمّاه بخطاب النصر، ما يؤكد أهمية الشرق والبادية في استراتيجية إيران في سورية". وبيّن الشارع أنّ "المليشيات الإيرانية بعد تلقيها قبل أيام ضربة هي الأعنف من الطيران الإسرائيلي في ريف دير الزور الشرقي، بدأت تعيد انتشارها العسكري باتجاه ريف حمص الشرقي وخصوصاً منطقة تدمر، ومنطقة جبل البشري على المدخل الغربي لمدينة دير الزور، التي تتصل بالطريق الدولي الذي يربطها بمدينة تدمر وسط البادية".