عند كل انتكاسة لرئيس تيار المستقبل في لبنان سعد الحريري، أو قرار يسلك فيه الأخير طريق الاعتكاف، تتردد مجموعة من الأسماء في سياق الطامحين إلى خلافته. وتجدد الحديث عن هذه الأسماء بعد إعلان الحريري، يوم الاثنين، تعليق عمله في الحياة السياسية ودعوة "تيار المستقبل" إلى اتخاذ الخطوة نفسها، وعدم التوجه إلى الانتخابات النيابية، وعدم تقديم أي ترشيحات من التيار أو باسمه.
قائمة الطامحين/المرشحين لوراثة الحريري ومحاولة ملء الفراغ الذي سيتركه غيابه عن المشهد الانتخابي والسياسي طويلة، لكن أبرز هؤلاء يتوزعون داخل "البيت"، سواء من عائلته، كشقيقه بهاء الذي يتحين هذه الفرصة منذ سنوات، أو ممن كان ضمن "المستقبل" قبل أن تفضي الخلافات مع نهج سعد إلى ابتعادهم والاشتباك السياسي مع الحريري الابن، على غرار كل من وزير العدل السابق أشرف ريفي.
وإن كان أي من هذه الشخصيات لم يصدر أي مواقف بشأن خططه للمرحلة المقبلة، فلكل من هؤلاء نقاط يمكنه توظيفها لمصلحته في المنافسة على خلافة الحريري. لكن تشير آراء عدة إلى أنّ أيّاً من الأسماء المطروحة اليوم لن يكون قادراً على ملء الفراغ في الطابع التمثيلي الواسع الذي يمثله سعد الحريري داخل الطائفة السنية، والذي يتوزع على المناطقة اللبنانية كافة.
بهاء الحريري
يتقدّم بهاء الحريري قائمة الشخصيات الأكثر حماسةً لخلافة سعد، خصوصاً أنه كان يعيش صراعاً على الزعامة مع شقيقه سعد عقب اغتيال والدهما رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في عام 2005.
ومنذ عودة بروزه في الساحة اللبنانية أواخر عام 2019 من بوابة الانتفاضة الشعبية، اختار بهاء السير عكس "التيار"، خطاباً وتوجهاً، فكان على النقيض من شقيقه سعد حامل شعلة مواجهة "حزب الله"، حاذفاً كل سقوف العبارات الملطفة الدبلوماسية من أجندته التي تضمنت مغازلة للشارع اللبناني الذي انتفض في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وثار بوجه الطبقة السياسية وأسقط حكومة سعد الحريري.
وقرّر بهاء، رجل المال والأعمال، تدعيم حراكه السياسي بمنبر إعلامي يحمل اسم "صوت بيروت إنترناشونال"، وسرعان ما ثبّت موقعه على الساحة، مستعيناً بصحافيين ومقدِّمين معروفين، ومن الصف الأول، وصوّب سهامه نحو "حزب الله" بالدرجة الأولى، وغازل الحلفاء والأصدقاء الداخليين والخارجيين، تحضيراً لمشوار الانتقال إلى الحكم، رغم أنه لا يزال ينكر سعيه إليه.
كذلك أعلن بهاء دعمه حركة المنتديات في لبنان والقائمين عليها، وعلى رأسهم المحامي نبيل الحلبي، التي على حدّ تعبيره تعتنق مطالب الثورة المحقة وتشارك بشكل فعال في ثورة الشعب اللبناني على منظومة الفساد والسلاح غير الشرعي.
ولم يتردد بهاء سابقاً في مهاجمة شقيقه سعد واتهامه بالتراخي في مواجهة الأزمات، والتصدي لـ"حزب الله"، وشنّ في مايو/أيار 2020 هجوماً على الطبقة السياسية التي حكمت لبنان بعد تاريخ اغتيال والده عام 2005 والتي يُعَدّ سعد ركناً بارزاً فيها.
وقال بهاء إنه "بعد عام 2005 ذهب غالبية السياسيين والأحزاب إلى تكديس القوة والأموال على حساب الوطن ومصالح المواطنين وعقدت التحالفات الرباعية والخماسية على قاعدة أصمت عن سلاحك واستباحة حزبك للسيادة الوطنية وأنت تسكت عن صفقاتنا وسرقتنا للمال العام، فكان الضحية لبنان وأهله والثقة الدولية".
فؤاد السنيورة
من الأسماء التي يُسلَّط الضوء عليها أيضاً كوريث للحريري سياسياً وحزبياً، رئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة، الذي لم يحسم بعد موقفه من المشاركة في الانتخابات النيابية. والسنيورة الذي كان يرأس اجتماعات "كتلة المستقبل النيابية" كان قد اختار عدم خوض معركة 2018، الأمر الذي يضع مشاركته في استحقاق 2022 إن جرت، وهو أمرٌ مستبعدٌ، في دائرة تطبيق أجندة سياسية داخلية خارجية لمواجهة "حزب الله". وكان السنيورة مطالباً دائماً بتشكيل جبهة معارضة للحزب. وانتشرت أنباء عن أن السنيورة حاول إقناع الحريري أخيراً باختيار شخصيات سياسية لملء الفراغ عند اعتكافه، كذلك فإنه لا يحبذ فكرة ترك الساحة للخصوم والانسحاب.
وبادر السنيورة للتعليق فور اتخاذ الحريري قراره أمس، قائلاً: "أخي سعد، معك رغماً عن قرارك ومعك رغماً عنهم".
ويعرف عن السنيورة أنه كان من ضمن الدائرة الضيقة لرفيق الحريري، ثم لازم نجله سعد، وتولى مساندته في محطات عدة، بيد أن العلاقة بين الرجلين تزعزعت خصوصاً بعد تسوية 2016 التي عقدها الحريري مع رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، وعرابها نادر الحريري (ابن عمة الحريري بهية) والتي أوصلت ميشال عون إلى سدة الرئاسة؛ وكذلك بعد مواقفه التي تزامنت مع إعلان الحريري استقالته من الرياض عام 2017، وقد تعددت الروايات وقتها بين احتجازه ومصادرة قراره، وسارع السنيورة إلى تأكيد عدم احتجاز الحريري، وتردد عن دور لعبه وقتها إلى جانب عدد من المحسوبين على "المستقبل" ورئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع وآخرين، سلباً وأقرب إلى الوشاية، وهي أسباب ربطت بعدم ترشحه عام 2018 للانتخابات النيابية.
بهية الحريري
ومن دائرة سعد الحريري تتربع عمّته بهية أيضاً على عرش الأسماء المرشحة لخلافته، بيد أن قرار الحريري ضمّ "تيار المستقبل" إلى عزوفه قد يدفع النائبة عن التيار في صيدا (جنوبيّ لبنان) إلى العزوف بدورها عن الترشح، مع الإشارة إلى أن حظوظها الانتخابية هذه الدورة لا تزال تتأرجح ويشوبها الغموض ربطاً بالحسابات الانتخابية.
المسار نفسه ينطبق على ابنها أحمد الحريري الذي يشغل مركز الأمين العام لـ"تيار المستقبل"، الذي تروج أوساطه أن لا بديل من سعد. مع العلم أن نجلها الثاني نادر، المعروف بعراب التسوية الرئاسية، والمتهم بعقد صفقات كثيرة مع باسيل، أبرزها صفقة بواخر الكهرباء، خرج من المشهد السياسي عام 2018، بعدما كان الأقرب إلى سعد، وقدّم استقالته كمدير مكتب الحريري وعيّن محمد منيمنة بديلاً منه.
أشرف ريفي
في المقابل، ومن الحلفاء القدامى للحريري، يسلَّط الضوء على وزير العدل السابق أشرف ريفي، الذي اختار منذ عام 2016 التغريد خارج سرب التيار، بل مواجهة الحريري الذي دخل بتسويات كثيرة منها مع "حزب الله".
ويُعَدّ ريفي من الشخصيات التي تحمل الخطاب الأشرس تجاه "حزب الله". وسبق أن أعلن قيام جبهة لمواجهة الحزب، بيد أنه، على عكس نتائج الانتخابات البلدية في طرابلس التي خاضها بوجه سعد الحريري وخرج منها فائزاً، فشل في كسب أصوات الناس في صناديق الاقتراع بانتخابات عام 2018 النيابية، لتتلقى حظوظه بوراثة الزعامة الحريرية ضربة قاسية، وهو الذي دائماً ما كان يسوق لنفسه بأنه من ورثة الأب رفيق السياسيين تبعاً للعلاقة التي كانت تربطهما، ويؤكد مراراً أن قيادة تيار المستقبل الحالية انتهت.
وانكسرت العلاقة بين ريفي والحريري يوم استقالته من وزارة العدل عام 2016 ربطاً بملف الوزير والنائب السابق ميشال سماحة، وقرار محكمة التمييز العسكرية إخلاء سبيله في قضية نقل متفجرات من نظام بشار الأسد إلى لبنان بغية تفجيرها في الشمال، وإطلاق مواقف حول عدم إحالة قضية سماحة على المجلس العدلي، أدت إلى إعلان الحريري أن موقف ريفي لا يمثله، قبل أن تتراكم الخلافات عند دعم الحريري رئيس تيار المردة سليمان فرنجية كمرشح لرئاسة الجمهورية، ومن ثم عقده التسوية الرئاسية التي أوصلت عون.
نهاد المشنوق
كذلك، من الحلفاء والأصدقاء القدامى للأب رفيق والابن سعد، والذين تحولوا إلى أشرس الخصوم للأخير، يبرز اسم وزير الداخلية الأسبق النائب نهاد المشنوق الذي حاول في مراحل ماضية اقتناص الفرص ورفع وتيرة تصعيده بوجه "حزب الله" واستدعاء دعم سعودي، فيما يتهم، في المقابل، بمغازلة "حزب الله" في محطات عدة، وهو الذي كان لعب دوراً أيضاً يوم مثل تيار المستقبل في جلسات الحوار مع "حزب الله"، عدا عمّا يتردد بأن مصالحه باتت تلتقي مع الحزب ربطاً بقضية التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت التي يتمرد الطرفان عليها، ومعهما "حركة أمل" برئاسة نبيه بري و"تيار المردة" برئاسة سليمان فرنجية.
كذلك فإن المشنوق حاز غطاء دار الفتوى في قضية انفجار مرفأ بيروت المدعى عليه بها، فاتخذ منها منبراً لشد العصب داخل الطائفة السنية، بيد أن حظوظه تبقى محدودة.
نجيب ميقاتي
ومن الأسماء الطامحة أيضاً إلى الموقع الشاغر، رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، الذي استطاع أن يبني موقعاً مهماً له في طرابلس شماليّ لبنان، بيد أنه لم يتمكن من كسب شعبية كالتي نالها الحريري والذي لم يكن على تناغم سياسي معه إلا في الفترة الأخيرة من خلال نادي رؤساء الحكومة السابقين. مع الإشارة إلى أن ميقاتي لم يحسم بعد قراره بالمشاركة في الانتخابات النيابية أو العزوف.