تعتبر مقاطعة غورنو باداخشان الجبلية في طاجكستان، المعروفة بالمناظر الطبيعية الخلابة و"طريق بامير السريع" الشهير، جنة للسياح المغامرين، لكن المنطقة تملك جانبا مظلما. ففي الأسابيع الأخيرة، أطلقت الحكومة حملة صارمة على هذه المنطقة المتاخمة للصين وأفغانستان، والتي حاولت الانفصال عن دوشنبه عام 1992.
في هذه الحملة التي تسميها السلطات "عملية لمكافحة الإرهاب"، قتل 17 شخصا على الأقل وأوقف أكثر من مئتين، فيما يحد قطع الاتصالات من المعلومات الواردة من المنطقة.
لكن بالنسبة إلى البعض، الهدف الحقيقي من تلك الحملة هو التخلص من القادة المحليين الذين قاوموا سلطة الرئيس إمام علي رحمن. ونهاية الأسبوع الماضي، أعلنت القوات الحكومية أنها حيّدت اثنين من "قادة جماعة إجرامية" وأوقفت ثلاثة آخرين.
وتوفي رسميا مامادبوكير مامادبوكيروف، وهو شخصية معروفة في المنطقة، في أيار/مايو، عقب "اشتباكات داخلية بين جماعات إجرامية"، فيما تؤكد المعارضة الطاجيكية أنه قتل على أيدي القوات الحكومية.
وجاءت العمليات في هذه المنطقة عقب احتجاجات مناهضة للحكومة في أيار/مايو، وقد أثارت ردود فعل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا التي أعربت كلها عن "قلقها العميق".
وانتقدت منظمات غير حكومية معنية بحقوق الإنسان قطع خدمة الإنترنت، فيما أوضحت وسيلة الإعلام الخاصة "إيجا بلاس" أنها توقفت عن تغطية الحدث "تحت طائلة الإغلاق".
"عائلة فاسدة"
تمثل مقاطعة غورنو باداخشان، المحاطة بجبال بامير المهيبة والمعزولة بسبب ضعف منشآت النقل، حوالي نصف الأراضي الطاجيكية، لكن يعيش فيها 2% فقط من سكان البلاد البالغ عددهم 9,5 ملايين نسمة.
يتحدث سكانها لغات مختلفة عن اللغة الطاجيكية المنتشرة في المناطق الأخرى من هذه الجمهورية السوفييتية السابقة، ويمارسون الإسلام الشيعي الإسماعيلي، فيما تهيمن الطائفة السنية على البلاد.
ومع ذلك، فإن ميل المنطقة المعزولة إلى المعارضة السياسية، التي تعود إلى الحرب الأهلية في التسعينيات، هو ما يثير غضب دوشنبه، بحسب الناشطين السياسيين.
وقال زعيم المعارضة عليم تشيرزامونوف الذي هرب إلى أوروبا: "يريدون أن يفرضوا علينا الأمر نفسه الذي فرضوه في المناطق الأخرى في طاجكستان، أمر عائلة واحدة فاسدة"، في إشارة إلى رحمن وأفراد عائلته النافذين.
وتشيرزامونوف، نائب رئيس التحالف الوطني في طاجكستان، هو واحد من سياسيين عدة اتهمتهم السلطات بتنظيم التظاهرات التي سبقت "عملية مكافحة الإرهاب".
واندلعت هذه التظاهرات إثر توترات بين السكان المحليين ومسؤولين معينين من الحكومة المركزية متّهمين بتنفيذ حملات اضطهاد.
ومنذ ذلك الحين، أوقف عشرات المتحدرين من تلك المنطقة في أنحاء البلاد "لأسباب إثنية"، وفقا لتشيرزامونوف الذي نفى أن يكون له دور في التظاهرات، وأوضح أن شقيقه الذي لا علاقة له في السياسة أوقف.
وأضاف "هذه العملية بدأت قبل أكثر من عشر سنوات. لقد حققوا هدفهم. الكثير من الأشخاص يفقدون الإرادة لمواصلة النضال من أجل حريتهم".
"إنهم أشرار"
وبحسب حصيلة رسمية، قتل 16 شخصا على الأقل، من بينهم 16 جنديا منذ بدء "عملية مكافحة الإرهاب". ويعتبر انفجار العنف هذا الأسوأ منذ العام 2012 حين قتل العشرات في اشتباكات.
وفي حين أقامت الصين قاعدة في المنطقة (لم تعترف بكين بذلك رسميا)، أكدت طاجكستان العام الماضي أنها تلقت مساعدة من الصين لبناء قاعدة ثانية تتمركز فيها القوات الخاصة الطاجيكية.
ويُعرف الرجال الذين قتلوا في العملية بأنهم قادة غير رسميين في المنطقة. قاتل بعضهم القوات الموالية لإمام علي رحمن خلال الحرب الأهلية (1992-1997)، ثم حصلوا على مناصب حكومية كجزء من اتفاق سلام تم التوصل إليه بمساعدة روسيا.
لكن لم يكن أي منهم يشغل منصبا رسميا عندما بدأت العملية، وغالبا ما يصوّر مامادبوكير مامادبوكيروف مجرما في الصحافة الرسمية.
وقال ظفر عبد الله، وهو صحافي طاجيكي يعيش في الولايات المتحدة، في مقطع فيديو نُشر في أيار/مايو على يوتيوب، إن تصوير هؤلاء الرجال أنهم تجار مخدرات أو إرهابيون "لا يستند إلى أساس". وتابع "إنهم يطلقون كل تلك المصطلحات ليقولوا: إنهم أشرار".
بالنسبة إلى جون هيثرشو من جامعة إكزيتر البريطانية، فإن "نهج طاجكستان الاستبدادي" لم يساعد في حل التوترات الاجتماعية والاقتصادية التي تتراكم منذ مدة طويلة في هذه المنطقة المضطربة.
وأضاف أن النظام "يقضي بشكل منهجي على المنافسين الذين يتحدّون هيمنته على الاقتصاد والفضاء السياسي والخطاب العام".
(فرانس برس)