ضغوط لتفادي العملية التركية البريّة في سورية

23 نوفمبر 2022
استهدفت طائرة مسيرة موقعاً لـ"قسد" (فرانس برس)
+ الخط -

كرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الثلاثاء، تهديده بشنّ القوات التركية عمليات برية ضد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في شمال سورية، ومواقع لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق، في إطار عملية "المخلب – السيف"، في الوقت الذي كانت فيه المواقف الأميركية والروسية تشي بمعارضة لخطوة كهذه.

في موازاة ذلك، واصلت القوات الجوية التركية، التي بدأت فجر الأحد الماضي عملية "المخلب – السيف"، استهداف "قسد". وقالت مصادر مقربة من "قوات سورية الديمقراطية، لـ"العربي الجديد"، أمس الثلاثاء، إن قصفاً من طائرة مسيّرة يرجح أنها تركية طاول موقعاً لهذه القوات ضمن قاعدة مشتركة مع قوات التحالف الدولي ضد "داعش" شمال مدينة الحسكة، على الطريق المؤدي إلى مدينة الدرباسية. وقال المتحدث باسم "قسد" فرهاد شامي، لوكالة "فرانس برس"، إن القصف أدى إلى مقتل عنصرين من هذه القوات وإصابة ثلاثة آخرين بجروح.

معارضة أميركية للتصعيد التركي

في موازاة ذلك، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، في بيان أمس الثلاثاء، أن واشنطن تؤكد ضرورة وقف التصعيد في سورية، وتعارض العمل العسكري في العراق على خلفية عملية "المخلب السيف" التركية. 

أردوغان: سنسحب الخط الأمني إلى حيث يجب أن يكون

برايس الذي عبّر عن تعازي بلاده بـ"مقتل السكان المدنيين في سورية وتركيا"، دعا إلى "وقف التصعيد في سورية لحماية المدنيين، ودعم الهدف المشترك، وهو القضاء على تنظيم داعش". وأكد "مواصلة واشنطن معارضتها أي عمليات عسكرية غير منسقة في العراق تنتهك سيادة هذه البلاد". 

وسبقت تحذيرات برايس تصريحات مشابهة لمنسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، بريت ماكغورك، الذي دعا، في بيان، إلى التوقف عن زعزعة الاستقرار في شمال سورية، مؤكداً التزام الولايات المتحدة وحرصها على إبقاء الحدود السورية التركية آمنة.

بدوره، حذّر الكرملين، أمس الثلاثاء، تركيا من "زعزعة الاستقرار" في شمال سورية. وقال المتحدث باسمه دميتري بيسكوف، في مؤتمر صحافي: "نفهم مخاوف تركيا المرتبطة بأمنها، لكن في الوقت عينه، ندعو جميع الأطراف إلى الامتناع عن أي مبادرة يمكن أن تؤدي إلى زعزعة خطيرة للوضع العام". وأضاف: "قد يأتي ذلك بنتائج عكسية ويزيد من تعقيد الوضع الأمني".

ونقلت وكالات أنباء روسية عن المبعوث الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتييف قوله، على هامش اليوم الأول من اجتماعات "أستانة 19" السورية برعاية الثلاثي الضامن (روسيا، تركيا وإيران) في أستانة، إن موسكو تدعو أنقرة إلى التحلي بضبط النفس والامتناع عن استخدام القوة العسكرية "المفرطة" في سورية، ومنع تصاعد التوتر. 

وأشار إلى أن تركيا لم تبلغ روسيا مسبقاً بضرباتها على سورية والعراق. وأضاف أنّ "روسيا تبذل منذ أشهر كلّ ما بوسعها لمنع أيّ عملية برّية واسعة النطاق" ضدّ سورية، مناشداً أنقرة "مواصلة العمل مع جميع أصحاب المصلحة لإيجاد حل سلميّ، بما في ذلك للقضية الكردية". ونقلت وكالة "تاس" عن لافرنتييف قوله إن انسحاب القوات الأميركية من شمال شرق سورية من شأنه أن يساهم في "استقرار" الوضع.

وكانت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا قد أعربت، أول من أمس الاثنين، عن "قلقها" إزاء الغارات الجوية التي شنّتها تركيا على مواقع كردية في سورية والعراق، مناشدة أنقرة "ضبط النفس". بدورها، ناشدت الحكومة الألمانية، في بيان، تركيا الردّ بطريقة "متكافئة" على الهجمات التي تستهدفها.

مطالبة تركية بوقف دعم "الوحدات"

في المقابل، طالبت أنقرة، أمس الثلاثاء، حلفاءها، وعلى رأسهم واشنطن، أن "يوقفوا كل دعم" لـ"وحدات حماية الشعب" الكردية، التي تعتبرها تركيا "إرهابية". وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في كلمة أمام لجنة برلمانية: "نؤكد لجميع محاورينا، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، أن وحدات حماية الشعب تعادل حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا وحلفاؤها الغربيون إرهابياً، ونطالبهم بقوة بأن يوقفوا كل دعم للإرهابيين".

وأكد أردوغان، خلال حفل افتتاح سد ومحطة التوليد الكهرومائية "يوسف إيلي" بولاية أرتفين شمال شرقي البلاد، أمس الثلاثاء، أن "القوات المسلحة التركية دمرت معاقل للإرهابيين شمالي سورية والعراق رداً على الهجوم الإرهابي الذي نفذوه في إسطنبول". مع العلم أن حزب العمال الكردستاني وقوات سورية الديمقراطية نفيا أي علاقة لهما بالهجوم. 

وأضاف أردوغان: "حانت نهاية الطريق لأولئك الذين يعتقدون أن بإمكانهم تشتيت انتباه تركيا من طريق التلاعب بالحروف وتغيير اسم التنظيم الإرهابي". وتابع أردوغان: "لا أحد يستطيع منعنا من سحب الخط الأمني إلى حيث يجب أن يكون، في الأماكن التي تتواصل فيها الهجمات على حدودنا ومواطنينا". 

وشدد على "إنزال القوات المسلحة التركية ضرباتها على الإرهابيين بالطائرات والمدفعية والمسيرات"، قائلاً: "سنقتلع جذورهم جميعاً بأقرب وقت إن شاء الله" في إشارة مبطنة إلى إمكانية شنّ هجوم بري.

وكان أردوغان قد أكد، الاثنين الماضي، أن عملية "المخلب – السيف" ضد مواقع المجموعات المسلحة شمالي سورية والعراق لن تقتصر على الضربات الجوية. وقال: "من غير الوارد أن تقتصر العمليات على الضربات الجوية، وسنتخذ القرار ونتشاور بشأن حجم القوات البرية التي يجب أن تنضم إلى العملية مع وحداتنا المعنية ووزارة دفاعنا وهيئة أركاننا، ثم نتخذ خطواتنا بناءً على ذلك". 

وفي ما يتعلق بردود الفعل على الضربات الجوية أو الإخطار بشأنها، نفى أردوغان إجراء أي محادثات مع الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين بخصوص العملية العسكرية، قائلاً: "لكن بايدن وبوتين يعلمان أنه يمكننا بأي لحظة تنفيذ مثل هذه الأمور في المنطقة".

في المقابل، أعلن القائد العام لـ"قسد" مظلوم عبدي، في مقابلة مع وكالة "فرانس برس"، أن "قوات سورية الديمقراطية" تسعى لوقف التصعيد التركي ضدها عبر التواصل مع واشنطن وموسكو، واصفاً موقف واشنطن والنظام السوري بـ"الضعيف". 

وقال عبدي: "تتركز مساعينا الأساسية حالياً على خفض التصعيد من قبل الطرف التركي، وسنفعل كل ما في وسعنا من أجل تحقيق ذلك من خلال التواصل مع جميع المعنيين في الملف السوري"، في إشارة إلى الأميركيين والروس. 

وأضاف: "أعلنا مراراً أن لا علاقة لنا بما حدث في إسطنبول بأي شكل من الأشكال"، متهماً تركيا باستخدام التفجير "حجة". ودعا عبدي واشنطن، التي تنشر قوات في المنطقة، إلى أن "يكون لها موقف أكثر حزماً يمنع على الأقل استهداف المدنيين". 


هشام غوناي: لا معلومات عن وجود خطة تركية لهجوم بري

وقال: "تفاجأنا بالموقف الضعيف جداً من حكومة دمشق" التي اكتفت بإعلان مقتل "عدد" من عسكرييها، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن عددهم بلغ 16 قتيلاً. وأضاف: "لدينا استعدادات للدفاع عن المنطقة، لكننا نطلب من جميع الأطراف، إن الأميركيين أو الروس، أن يفوا بالتزاماتهم" بمنع هجوم جديد. واعتبر أن هدف تركيا "احتلال الشريط الحدودي بأكمله بعمق 30 كيلومتراً بحجة إنشاء منطقة آمنة تكون ورقة للحفاظ على نفوذها في سورية".

لا معلومات عن خطة لعملية برية

من جهته، كشف الصحافي والمحلل السياسي التركي هشام غوناي، أنه رغم تصريحات أردوغان بالذهاب نحو شنّ عمل عسكري بري، إلا أن هناك معلومات من داخل المؤسسة العسكرية التركية تؤكد عدم وجود خطة لهجوم بري.

وأضاف غوناي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المعلومات تفيد بأن الجيش التركي سيشن ضربات جوية محدودة النطاق، بدون الدخول في تنفيذ عمل عسكري بري.

وأشار إلى أن أنقرة لا يمكنها حالياً الإقدام على عملية عسكرية واسعة النطاق، لكونها لا تستطيع تحمّل عقبات ذلك، "فالاقتصاد متهاوٍ والعملة بانهيار مستمر، وإذا كان هناك من يقول إن العملية قد تعزز موقف الحكومة الحالية وحزب "العدالة والتنمية" خلال الانتخابات المقبلة، فأنا أرى عكس ذلك، وخصوصاً إذا لم تحقق كل الأهداف الموضوعة لها". 

وأشار غوناي إلى أن معسكرات وقواعد القوات الكردية تنتشر إلى جانب القواعد الأميركية في شمال وشرق سورية، وهذه القواعد لا يمكن تجاوزها في إطار أي عملية عسكرية، وبالتالي لن يكون هناك تحقيق كامل للأهداف التركية، هذا فضلاً عن معارضة روسيا للعملية أيضاً.

لكن المحلل العسكري والقيادي في المعارضة السورية العميد فاتح حسون، رأى أن "العملية التركية بدأت بعد تفجير إسطنبول بساعات، حيث شنّ الطيران التركي، بما فيه المسيّر، هجمات على مواقع لحزب العمال الكردستاني في مناطق بعيدة عن الحدود التركية، ما أدى إلى مقتل العشرات من العناصر، ومثل هذه الهجمات لا يمكن تنفيذها بدقة من دون فرق استطلاع ميداني وجوي وإلكتروني، وبالتالي تحتاج إلى تنسيق مع عدة صنوف من القوات لتحقيق النتائج المرجوة".

وأشار حسون، في حديث، لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "بالنسبة إلى القوات البرية، تعلن تركيا بوضوح أنها ستشارك في عمليتها ضد التنظيمات الإرهابية التابعة لحزب العمال الكردستاني، من دون انتظار موافقات دولية لذلك من الجيوش الموجودة على الأراضي السورية أو العراقية". 

وأشار إلى أنه "بالرغم من قرب موعد الانتخابات الرئاسية في تركيا، وممانعة أميركا، وكذلك روسيا، لعملية تركية برية مرتقبة، إلا أن الشارع التركي يؤيد هذه العملية بعد التفجير الإرهابي في تقسيم. ويبدو أن العملية ستكون لمصلحة الحزب الحاكم والأحزاب المعارضة، فالشعب التركي موحد بموقفه على ضرورة محاربة الإرهاب، وهو ما نؤيده وننسق حوله مع الجيش التركي في سورية، بصفتنا معارضة مسلحة. وحال اتخاذ تركيا القرار ببدء العمل فسنكون إلى جانبها في ذلك".

من جهته، رأى الباحث رضوان زيادة، المقيم في واشنطن، أن "العلاقة بين واشنطن وأنقرة أصبحت صعبة ومعقدة رغم إدراك الطرفين حاجة أحدهما إلى الآخر". وأعرب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن "أميركا بحاجة إلى تركيا الآن في أوكرانيا، وقد تسمح لها بعملية عسكرية محدودة للغاية، لكن ليست شاملة ضد كل الأراضي التي تسيطر عليها قسد، وكل ذلك مرهون بمدى الحوار التركي - الأميركي في هذا الإطار".