يزيد المشرّعون الأميركيون الضغط على الإدارة في البيت الأبيض في الملف السوري، ليبرز أخيراً مشروع قرار تقدم به نواب جمهوريون وديمقراطيون لمنع إدارة الرئيس جو بايدن من تمديد الرخصة 23، التي أقرتها بعد الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سورية في 6 فبراير/شباط الماضي لمدة 6 أشهر، بهدف تسهيل عمليات الإغاثة الإنسانية إلى مناطق النظام.
لكن منظمات سورية ودولية وأميركية، باتت تشير إلى أن النظام جيّر تلك الرخصة للاستفادة منها في خدمة بنيته المالية والاقتصادية المشمولة بالعقوبات، والتي لم تستثنها الرخصة.
ففي 9 فبراير الماضي، أي بعد ثلاثة أيام على كارثة زلزال جنوب تركيا وشمال سورية، قام مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية بإصدار الرخصة العامة 23 الخاصة بسورية، التي تسمح بـ180 يوماً من كافة العمليات ذات الصلة بالإغاثة من الزلزال والتي كانت محظورة بموجب أنظمة العقوبات المفروضة على سورية، وستنتهي تلك الرخصة في 8 أغسطس/آب المقبل.
قتيبة إدلبي: النظام لا يمكن أن يستفيد على المدى الطويل من مسألة الرخص الممنوحة
وكان "التحالف الأميركي من أجل سورية"، وهو إطار لمنظمات سورية - أميركية تعد من أبرز جماعات الضغط السورية في واشنطن، طالب إدارة بايدن بعدم تمديد الرخصة.
وذكر التحالف في بيان قبل أيام أن أعضاء من لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي تبنوا هذا المطلب. وأشار التحالف إلى أنه على الرغم من أن الرخصة لها دوافع بتسهيل عمليات الإغاثة الإنسانية، إلا أنها "تسمح فعلياً بالمعاملات غير المقيدة مع نظام الأسد وحلفائه، المعروف بتحويل الأموال لدعم آلته الحربية، مع منع إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق الأكثر ضعفاً في سورية".
واقترح التحالف إنشاء قناة إنسانية من شأنها أن تمكّن الشركات التي تم فحصها والموافقة عليها من تقديم المساعدات بشكل فعال إلى المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، بما في ذلك شمال غربي سورية وشمال شرقها. وحث التحالف أعضاء الكونغرس على دعم قرار مجلس النواب الذي سيتم تقديمه في وقت لاحق من هذا الأسبوع، والذي يدعو إلى إنهاء الترخيص وإعطاء الأولوية لإنشاء قناة إنسانية كبديل شفاف وخاضع للمساءلة.
عن الرخصة 23 والأنشطة الإنسانية
وحذر كل من رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب مايكل ماكول، ورئيس اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى جو ويلسون من العواقب السلبية لتمديد الرخصة، وانضم إليهما نواب معروفون كجيمس بيرد وكوري ميلز وآخرين.
وفي بيان صدر عن لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، برئاسة ماكول، في 24 يوليو/تموز الحالي، أكدت اللجنة أنها وجهت رسالة إلى بايدن لمنع التمديد.
وأشار الأعضاء إلى أن "التراخيص العامة الحالية التي تسبق تاريخ الرخصة 23، تغطي مجموعة من الأنشطة الإنسانية وتوفر مرونة كافية للتنقل في بيئة التشغيل المعقدة في سورية"، مشيرين إلى أن الرخصة لم يكن لها داع من الأساس: "إذ يسعى شركاؤنا الإقليميون إلى إعادة الانخراط مع نظام الأسد القاتل ما يقوض فعالية عقوباتنا".
وأشار أعضاء اللجنة في خطابهم للرئيس إلى أنه "تم تأطير الرخصة العامة 23 كاستجابة محددة ومحدودة زمنياً للتخفيف من العواقب غير المتوقعة لكارثة طبيعية"، وأنه "لا ينبغي أن يكون الترخيص مطلقاً بمثابة ترخيص طويل الأجل، لا سيما في حالة وجود استثناءات إنسانية حالية".
واقترحوا بدلاً من ذلك "أن تعمل الإدارة من خلال مساعدي مديري مكتب مراقبة الأصول الأجنبية ومكتب الشؤون التنظيمية، لمراقبة الامتثال للعقوبات والتهرب منها من أجل نشر المعلومات المتعلقة بالتراخيص العامة بالفعل"، مضيفين: "من المهم أيضاً أن تتعامل إدارتك مع مجموعة من الجهات الفاعلة ذات الصلة، بما في ذلك المؤسسات المالية، لضمان فهم أي تحديات محتملة بشكل كافٍ حتى يمكن مراجعة التوجيه وفقاً لذلك"، بالإشارة إلى متابعة العقوبات والرخص والاستثناءات الممنوحة لها.
وقال النواب لبايدن: "نحثك بشدة على السماح بانتهاء صلاحية الترخيص العام 23 في 8 أغسطس من أجل الحفاظ على سلامة عقوباتنا المتعلقة بسورية".
وانتقد النائب جيمس بيرد في 26 يوليو الحالي سياسات إدارة بايدن المشابهة، وقال: "لفترة طويلة جداً، كان للسياسات الخارجية الناعمة لإدارة بايدن آثار دولية واسعة النطاق ومدمرة أضعفت مكانة الولايات المتحدة على المسرح الدولي"، مضيفاً: "من خلال تمديد الرخصة العامة 23، ترفض الإدارة فعلياً تحميل بشار الأسد المسؤولية عن جرائم الحرب التي لا توصف، وتبعث برسالة خطيرة إلى العالم مفادها أن الولايات المتحدة تتغاضى عن هذه الأزمة الإنسانية".
وتابع بيرد: "بصفتنا قائد العالم، تقع على عاتقنا مسؤولية إرسال رسالة مدوية للجميع، مفادها أن هذا السلوك الحقير لن يتم التسامح معه، ولهذا السبب أقدم مشروع قانون لمنع هذا التمديد".
من جهته، أوضح مدير البرنامج السوري في المجلس الأطلنطي (مؤسسة بحثية أميركية غير حزبية)، قتيبة إدلبي، أن "مشروع قرار عدم التمديد تعبير لعدم رضى الكونغرس عن أي قرار للتمديد، وبالتالي هو يرسل رسالة للإدارة بأن أي تمديد سيحصل لن يقبل به الشارع الأميركي عموماً".
وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد": "يبقى السؤال ما إذا كان ذلك سيؤثر على قرار البيت الأبيض بالتمديد من عدمه؟ ويمكن القول إن هناك تأثيراً لكن احتمال توقيف التمديد ليس كاملاً، فالإدارة الآن أمام خيار صعب، لكن أعتقد بأن الإدارة ستمدد الرخصة، لا سيما أن بريطانيا والاتحاد الأوروبي مددوا رخصهم الممنوحة بعد الزلزال".
وحول الاستفادة التي حققها النظام من الرخصة، أشار إدلبي إلى أنه "من الصعب حصر عمليات التحويل المالية من مصارف حول العالم باتجاه المؤسسات المالية للنظام، لكن بالطبع كانت هناك استطاعة للأشخاص والكيانات المعاقبة للحصول على تحويلات مالية عبر المصارف".
لكنه أضاف أن "النظام لا يمكن أن يستفيد على المدى الطويل من مسألة الرخص الممنوحة، لكون النظام والدائرة الضيقة الحاكمة من عائلة الأسد استهلكت كل احتياطاتها النقدية في تمويل عملياتها الأمنية، والنظام عملياً منهار اقتصادياً، ولذلك لا يوجد حوامل مالية أو اقتصادية يمكن له الارتكاز عليها، لتحقيق استفادة استراتيجية أو طويلة المدى".
استفادة النظام من الرخصة 23
من جهته، أشار المدير التنفيذي لـ"رابطة المحامين السوريين الأحرار"، سامر ضيعي إلى أنه إذا تم تمديد رخصة سورية العامة رقم 23، سيتم السماح بمواصلة الصفقات غير المقيدة مع نظام الأسد وحلفائه، وهذا يعني أن ذلك سيضع النظام من دون تدابير رقابة صارمة، يمكن توجيه الموارد المقصودة أصلاً لأغراض إنسانية لدعم مصالح النظام، بما في ذلك جهود الحرب.
سامر ضيعي: تمنح الرخصة فرصة لنظام الأسد للتهرب من قانون قيصر
وأشار في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أنه "يمكن أن يستفيد النظام منها على الشكل التالي: أولاً، تخفيف العبء الاقتصادي، من خلال تمكين الصفقات مع النظام، فيمكن أن تخفف الرخصة بشكل غير مباشر الضغوط الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الدولية، وهذا لأن تدفق الموارد إلى البلاد، حتى لو كانت مقصودة للمساعدات الإنسانية، يمكن أن يحفز الاقتصاد المحلي ويعزز بالتالي القاعدة المالية للنظام".
وتابع: "ثانياً، تعزيز السيطرة، فقد استخدم النظام المساعدات الإنسانية وبحسب تقارير دولية ومحلية لتعزيز سيطرته على بعض المناطق، خصوصاً المناطق التي تحت سيطرة المعارضة، من خلال تحديد من يتلقى المساعدات ومتى، يمكن للنظام استخدامها كأداة للتأثير وتعزيز قاعدة سلطته. ثالثاً، التسلح والفساد، فهناك تقارير تفيد بأن النظام وحلفاءه يحوّلون أموال المساعدات لدعم آلتهم الحربية، بما في ذلك ادعاءات بتهريب الأسلحة متنكرة بأنها مساعدات إنسانية، وهذه الممارسات، تعزز قدرات النظام العسكرية".
وبحسب ضيعي: "من الناحية القانونية، تمنح الرخصة فرصة لنظام الأسد للتهرب من قانون قيصر، الذي وضعته الولايات المتحدة لعزل النظام اقتصاديا بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان".
وحول تأثير ذلك على المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، قال إنه "إذا واصل النظام حجب المساعدات عن هذه المناطق بينما يستغل المساعدات لأغراضه الخاصة، ستزداد الأزمة الإنسانية في هذه المناطق سوءاً، مما يؤدي بدوره إلى زيادة التشرد والمعاناة بين السكان في هذه المناطق. علاوة على ذلك، سيستخدم النظام الرخصة لتعزيز موقعه السياسي والعسكري، مما يقوض قوات المعارضة".
وكان الاتحاد الأوروبي أقر في 14 يوليو الحالي، تمديد "الإعفاء الإنساني" لستة أشهر أخرى، حتى 24 فبراير 2024، بهدف مواصلة الاستجابة للأزمة الإنسانية في سورية وتسهيل إيصال المساعدات بسرعة.
وأول من أمس الخميس أعلن الاتحاد في بيان، انضمام دول أوروبية لقرار "الإعفاء الإنساني" من العقوبات المفروضة على النظام السوري، وذكر كلا من: مقدونيا الشمالية، مونتينيغرو، صربيا، ألبانيا، أوكرانيا، مولدوفا، البوسنة والهرسك، جورجيا، بلدان الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة (ليختنشتاين والنرويج) وأعضاء المنطقة الاقتصادية الأوروبية.
ووفق بيان الاتحاد الأوروبي يهدف الإعفاء "إلى زيادة تسهيل عمليات المنظمات الدولية وفئات محددة من الجهات الفاعلة المشاركة في الأنشطة الإنسانية في سورية". وكان مجلس الاتحاد الأوروبي أدخل استثناءً إنسانياً، في 23 فبراير الماضي، على نظام العقوبات بسبب كارثة الزلزال.