ضغط روسي يبرّد الأجواء بين "قسد" والنظام السوري

15 اغسطس 2024
نقطة للنظام السوري في القامشلي، 27 إبريل 2021 (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

دفع الضغط الروسي "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) إلى تخفيف إجراءات الحصار على مربعي النظام السوري الأمنيين في مدينتي الحسكة والقامشلي في أقصى الشمال الشرقي من سورية، في مقابل تبريد الجبهات بين "قسد" ومليشيات محلية تابعة للنظام في ريف دير الزور الشرقي، التي شنّت هجوماً واسع النطاق على مناطق سيطرة "قسد"، شمال نهر الفرات منذ أكثر من أسبوع. وأفادت وسائل إعلام النظام، أمس الأربعاء، بأن "قسد" سمحت أمس الأول الثلاثاء، بدخول صهاريج المياه عبر المعابر المؤدية إلى المربعين بعد حصار مشدد استمر نحو أسبوع. ونقلت صحيفة الوطن التابعة للنظام، عن محافظ الحسكة التابع للنظام لؤي محمد صيّوح قوله "إن الحياة الطبيعية عادت إلى أحياء وسط مدينتي الحسكة والقامشلي بعد حصار استمر نحو سبعة أيام"، مشيراً إلى الاتفاق مع "قسد" من طريق "الصديق الروسي" على فتح المعابر ورفع حالة الحصار ودخول مياه الشرب ومخصصات الأفران الحكومية من الدقيق التمويني والوقود، وفتح المعابر أمام المارة والمركبات المدنية والمواد الغذائية. من جهتها، ذكرت مصادر محلية أن حواجز "قسد" ما زالت موجودة بالقرب من المربع الأمني في القامشلي، مشيرة إلى أن الحصار لم يشمل أحياءً سكنية، نافية ما تروّجه وسائل إعلام النظام عن هذا الأمر، مؤكدة أنه لا يوجد مدنيون داخل المربعين الأمنيين.


إبراهيم مسلم: الروس دائماً يضغطون لصالح النظام السوري

روسيا بين "قسد" والنظام السوري

وجاء تخفيف قبضة الحصار بعد لقاء بين القائد العام لـ"قسد" مظلوم عبدي، وقائد القوات الروسية في سورية، الفريق سيرغي كيسيلف، أول من أمس الثلاثاء في القامشلي، وفق مصادر إعلامية مقربة من "قسد". وأشارت هذه المصادر إلى أن عبدي وافق على إنهاء التشديد الأمني في الحسكة والقامشلي في "بادرة حسن نيّة لخفض التصعيد" في شمال شرق سورية. وبذل الجانب الروسي جهوداً كبيرة خلال أسبوع لإنهاء التوتر، مع ضغطه على "قسد" والنظام السوري من أجل وضع حد للاقتتال على الأرض، الذي من شأنه الإخلال بالتوازن المفروض على المنطقة منذ مطلع عام 2019. ولجأت "قسد" إلى فرض الحصار على المربعين في الحسكة والقامشلي في إجراء "احترازي"، بعد الهجوم الذي شنه مسلحون مدعومون من النظام والجانب الإيراني على "قسد" في ريف دير الزور الشرقي، وما تلا ذلك من اشتباكات بين الطرفين أدت إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيين. ويُعَدّ المربعان الأمنيان في مدينتي الحسكة والقامشلي خاصرتين رخوتين للنظام، لذا تلجأ "قسد" دائماً إلى الضغط عليه من خلالهما. ووفق مصادر في قوات "قسد"، فإن الجانب الروسي "قدم ضمانات بألا تتكرر الهجمات في ريف دير الزور الشرقي"، مشيرة إلى أن الحصار سيرجع إن خرق النظام الاتفاق.

إلى ذلك، ساد الهدوء جبهات الاشتباكات في ريف دير الزور بين "قسد" من جهة والمجموعات المحلية التابعة للنظام من جهة ثانية، وهو ما يعزز الاعتقاد أن رفع الحصار عن المربعين الأمنيين جاء مشروطاً بإنهاء التوتر الميداني والقصف المدفعي والصاروخي في شرق سورية. وتكرر خلال السنوات الماضية سيناريو الحصار على المربعين الأمنيين، التي سمحت "قسد" ببقائهما لأسباب متعددة، أبرزها تسهيل معاملات المواطنين في الدوائر الرسمية، وأيضاً لتفادي غضب تركي في حال سيطرتها على كامل منطقة شرقي الفرات، إذ سيُنظر إلى هذه الخطوة على أنها تكريس إقليم ذي طابع كردي، تعتبره أنقرة خطاً أحمر.

وتعليقاً على التطورات بين "قسد" والنظام السوري والأحداث في الشمال الشرقي من سورية، قال المحلل السياسي المقرب من "الإدارة الذاتية" (الكيان السياسي لقسد) إبراهيم مسلم، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الجانب الروسي يؤدي دور الوسيط في أي خلاف ينشأ" بين "قسد" والنظام السوري لكن "الروس دائماً يضغطون لصالح النظام السوري". ورجّح مسلم حصول "قسد" على "طمأنات من الجانب الروسي مقابل فك الحصار عن المربعين الأمنيين في الحسكة والقامشلي"، مضيفاً: لكن قسد لا تثق بالنظام الذي لم يلتزم طوال السنوات الاتفاقات التي أبرمت بوساطة روسية.


فريد سعدون: "قسد" طالبت الروس بتسليم شيخ قبيلة العكيدات

قضية شيخ قبيلة العكيدات

من جهته، قال المحلل السياسي فريد سعدون، الموجود في مدينة القامشلي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن قوات "قسد" طالبت الجانب الروسي بتسليم شيخ قبيلة العكيدات في دير الزور إبراهيم الهفل الذي يقود التمرد عليها، وابتعاد قوات النظام عن ضفة الفرات اليمنى. وأضاف أنه ليس بمقدور الروس تنفيذ هذه الطلبات، فليس من السهل تسليم شيخ قبيلة بمستوى العكيدات لـ"قسد". وأشار إلى أن ما اتُّفِق عليه بين الروس و"قسد" في اجتماع، أول من أمس الثلاثاء، هو عودة الأمور بين "قسد" والنظام السوري "إلى ما كانت عليه قبل نحو أسبوع"، معرباً عن قناعته بأن الجانب الروسي "لم يكن راضياً عن التصعيد الذي حدث في دير الزور من قبل النظام والإيرانيين، لأنه يهدد المشروع الروسي في المنطقة التي تشهد تنافساً من جميع الأطراف للسيطرة والنفوذ".

وتضع "قسد" يدها على نحو ثلث مساحة سورية، وتقع أغلب مساحتي محافظتي الرقة والحسكة تحت سيطرتها، إضافة إلى نصف محافظة دير الزور، وجانب كبير من ريف حلب الشمالي الشرقي، شرق نهر الفرات، مع مدينتي منبج وتل رفعت وبعض ريفهما، غرب النهر. وتستند "قسد" إلى موقف أميركي داعم لها، يحول دون اندلاع صراع واسع بينها وبين النظام وتركيا والفصائل المعارضة المرتبطة بها. كذلك ترتبط "قسد" باتفاق عسكري مع الجانب الروسي أبرمته أواخر عام 2019 سمحت من خلاله لموسكو بإنشاء قواعد لها في شرق الفرات، في مقابل ردع التهديد التركي لها. وبذلك دخلت روسيا منافساً للجانب الأميركي في الشمال الشرقي من سورية الغني بالثروات، حيث باتت لها قاعدة عسكرية في مطار القامشلي وفي عين العرب في ريف حلب الشمالي الشرقي.

المساهمون