ضغط روسي لحل أزمة النظام السوري الاقتصادية عبر المعابر

25 مارس 2021
قصف الروس مستودعاً وشاحنات مساعدات في محيط المعبر (فرانس برس)
+ الخط -

يفسّر الطلب الروسي الموجّه إلى تركيا بضرورة فتح معابر إنسانية في إدلب ومحيطها، شمالي غرب سورية، وترويج موسكو أمس الأربعاء لموافقة أنقرة على الرغم من عدم انتهاء المفاوضات حول الملف، خلفية التصعيد الذي لجأت إليه روسيا والنظام قبل أيام، باستهداف مستشفى غربي حلب، ومستودع يحوي مساعدات إنسانية أممية بالقرب من معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا. والمعبر هو نقطة العبور الوحيدة لإدخال المساعدات الإنسانية (الأممية) للبلاد، بعد أن عطلت روسيا في مجلس الأمن دخول المساعدات عبر باب السلامة شمالي حلب، منتصف العام الماضي.

في ملف فتح المعابر، قدمت وزارة الدفاع الروسية، أول من أمس الثلاثاء، مقترحاً إلى تركيا، لإعادة فتح ثلاثة ممرات ضمن منطقة "خفض التصعيد الرابعة" (إدلب وما حولها)، بالإضافة لمناطق النفوذ التركي شمالي شرق حلب، وذلك "عقب تدهور الأوضاع الإنسانية هناك". وذكر مدير مركز المصالحة الروسي بقاعدة حميميم الجوية غربي سورية، التابع لوزارة الدفاع الروسية، نائب اللواء البحري ألكسندر كاربوف، إنه "وجّه مقترحاً للجانب التركي على خلفية صعوبة الأوضاع الإنسانية في الأراضي الخاضعة لسيطرة القوات التركية داخل الجمهورية العربية السورية، لاستئناف عمل ممرّي سراقب شرقي إدلب، وميزناز غربي حلب، في منطقة خفض التصعيد الرابعة، وممر أبو الزندين المتاخم لمدينة الباب في منطقة (درع الفرات) شرقي حلب". ونقلت وكالة "إيتار تاس" الروسية عنه قوله إن الاقتراح يشمل إطلاق عمليتي إيصال الشاحنات الإنسانية وخروج النازحين عبر الممرات الثلاثة اعتباراً من اليوم الخميس. مع العلم أن موسكو حاولت فتح المعابر المذكورة في فبراير/ شباط الماضي من أجل السماح للمدنيين في إدلب بالعبور باتجاه مناطق سيطرة النظام، لكن المدنيين رفضوا هذا التوجه، ما دفع الروس إلى إغلاق المعابر مجدداً.


يهدف الروس إلى فتح المعابر لمدّ النظام بالعملة الأجنبية

ويسعى الروس لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها النظام من خلال استجرار المساعدات إلى مناطقه عبر مناطق المعارضة السورية، بالإضافة لفتح المعابر، بهدف استئناف الحركة التجارية بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام. ويحاول الروس الاستفادة من دخول العملة الصعبة نحو مناطق سيطرة النظام للمساهمة بحل جزء كبير من الأزمة المالية هناك، تحديداً بعد تعاظم حدة العقوبات الغربية، لا سيما الأميركية منها بموجب "قانون قيصر". ويخشى الروس عدم قدرة النظام على تجاوز هذه الأزمة، ما قد يتسبب بفلتان أمني في المناطق الخاضعة لسيطرته. بالتالي يُمكن إدراج القصف الذي تعرضت له مدينة أريحا ومحيطها، جنوبي غرب إدلب، بالتزامن مع قصف المعبر والمستشفى، في سياق الضغط الروسي. وكان مطمح الروس ومعهم النظام الوصول إلى طريق حلب ـ اللاذقية الدولي "أم 4" من خلال العمليات العسكرية السابقة، بيد أن تدخل تركيا إلى جانب المعارضة بشكل مباشر في العمليات حال دون ذلك. وحاول الروس والأتراك التوصل إلى صيغة ما، فاشترطت أنقرة حلّ مسألة السيطرة على طريق حلب – دمشق الدولي "أم 5"، والذي سيطر عليه النظام والروس في المعارك الأخيرة.

ومن المرجح أن يكون التصعيد الروسي في محيط معبر باب الهوى، واستهداف النظام بالصواريخ لمستشفى في ريف حلب، قبل أيام، وقصف حراقات لتكرير المحروقات في محيط مدينتي جرابلس والباب شرقي حلب، قبل فترة قصيرة، بمثابة ضغط روسي على تركيا من أجل الموافقة على إعادة فتح المعابر.

وكانت المباحثات الروسية ـ التركية ـ القطرية، التي شهدتها العاصمة القطرية الدوحة حول سورية على مستوى وزراء خارجية البلدان الثلاثة منتصف الشهر الحالي، تضمنت عرضاً روسياً مرتبط بآلية إدخال المساعدات إلى مناطق سيطرة النظام السوري عبر مناطق سيطرة المعارضة. ووفقاً للمعطيات التي توفرت عن أجواء اللقاء، فإن المقترح الروسي قوبل بشروط تشمل بوادر حسن نية يقدمها النظام مثل إطلاق معتقلين، فضلاً عن اشتراط إيجاد آلية تضمن إدخال المساعدات إلى مناطق النظام من دون أن تمر عبره، لضمان عدم استغلالها من قبله من جهة وتوزيعها على المدنيين من جهة أخرى. بالتالي فإن التطورات الميدانية الأخيرة أظهرت رغبة روسية في توجيه رسائل عدة، متعلقة بإزالة "الشروط" الموضوعة بشأن إدخال المساعدات إلى مناطق سيطرة النظام، وإلا فإن جميع المساعدات الإنسانية قد تصبح مهددة.


من غير المرجح أن تُبدي أنقرة ليونة مع التصعيد الروسي

وفي السياق، اعتبر مسؤول العلاقات والإعلام في معبر باب الهوى الحدودي، مازن علوش، أن الاستهداف الأخير طاول مستودعاً للمساعدات يتبع لمنظمة "شفق" الفاعلة في الشأن الإنساني والإغاثة في إدلب ومحيطها. وأشار في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن المستودع وشاحنات في محيطه تضررت نتيجة القصف. وأشار علوش إلى أن القصف كان قريباً جداً من حرم المعبر، وطاول طريقاً تعبره شاحنات المساعدات يومياً.

أما الرسالة الثانية، فتبدو مباشرة أكثر باتجاه أنقرة، لا سيما من خلال قصف مستشفى الأتارب بريف حلب الغربي، الذي يبعد بضعة كيلومترات عن منطقة العمليات العسكرية المشمولة باتفاق وقف إطلاق النار، الموقع في مارس/ آذار من العام الماضي. وكان النظام والروس ومعهم الإيرانيون يلمحون للسيطرة على الطريق المؤدي إلى معبر باب الهوى انطلاقاً من الأتارب بريف حلب الغربي. مع العلم أن المسافة الفاصلة بين قوات النظام وحلفائها من مليشيات مدعومة من روسيا وإيران والمعبر، نحو 20 كيلومتراً.

وأمام ذلك، من غير المرجّح أن تُبدي أنقرة ليونة مع التصعيد الروسي، فاستدعت الخارجية التركية مساء الاثنين الماضي، السفير الروسي لدى تركيا، أليكسي يرخوف، لمناقشة مسألة الهجمات الأخيرة في إدلب. وأبلغته عن قلق أنقرة إزاء الهجمات التي تعرضت لها منطقة إدلب، حسبما نقلت وكالة "الأناضول" عن مصادر دبلوماسية تركية. وسبق أن أشارت وزارة الدفاع التركية، يوم الأحد الماضي، إلى أنها أبلغت الجانب الروسي بوقف الهجمات على الفور في منطقة "خفض التصعد الرابعة"، عقب استهداف منطقة باب الهوى، ودفعت قواتها العسكرية المنتشرة في منطقة إدلب إلى رفع درجة استعداداتها ومتابعة التطورات.