ضريبة "الأرنونا" الإسرائيلية في بيت جالا.. وسيلة لتنفيذ خطة استيطانية

28 مارس 2024
صورة من بيت جالا تظهر مدى قرب الوحدات الاستيطانية من منازل الفلسطينيين (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الاحتلال الإسرائيلي يسعى لتطبيق قوانينه بما في ذلك ضريبة "الأرنونا" على مناطق في الضفة الغربية، ضمن مخطط "القدس الكبرى" لتوسيع نفوذه وضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، مستهدفًا أراضي بلدة بيت جالا.
- بلدية القدس تطالب مدرسة "كريمزان" بدفع ضريبة "الأرنونا"، في خطوة تعد تعديًا على الصلاحيات الفلسطينية وتواجه رفضًا من بلدية بيت جالا والمجتمع المحلي، معتبرينها محاولة لفرض السيطرة الإسرائيلية.
- فرض ضريبة "الأرنونا" على المناطق الفلسطينية يُعتبر جزءًا من استراتيجية الضم والتهجير "الناعم"، مما يثير مخاوف من تكرار سيناريوهات التهجير والهدم، وتعمل السلطات الفلسطينية والمؤسسات المعنية على مواجهة هذه التحديات قانونيًا ودوليًا.

في سابقة، يسعى الاحتلال الإسرائيلي لتطبيق قوانينه السارية في القدس والداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 على مناطق تتبع لأراضي الضفة الغربية الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، وذلك عبر إصدار إخطارات لدفع ضريبة "الأرنونا" الإسرائيلية التي تستحق على المباني والأراضي والعقارات، وتطبيقها على أراضي جنوب غرب بلدة بيت جالا، شمالي بيت لحم، وذلك خدمة لمخطط إسرائيلي قديم جديد عنوانه "القدس الكبرى".

وتأتي هذه السابقة في إصدار إخطارات ضريبة" الأرنونا" مع قرب حلول الذكرى الثامنة والأربعين ليوم الأرض التي توافق بعد غد السبت، في محاولة للتأكيد أن إسرائيل تسعى للاستيلاء على ما تبقى من أراضٍ في الضفة الغربية.

وكانت بلدية الاحتلال في القدس قد سلّمت إخطارًا لمدرسة وروضة "لورا فيكونيا - راهبات السالزيان"، أو ما تسمى بمدرسة "كريمزان"، بأن عليها تخمين عقار المدرسة، ثم دفع ضريبة "الأرنونا" لصالح بلدية القدس، بحجّة أنها تقع ضمن أراضي البلدية.

وضريبة "الأرنونا" هي ضريبة تفرضها بلدية الاحتلال في القدس على أصحاب المباني والأراضي، بحيث تُدفع الرسوم مرة واحدة في السنة، وتكون عن الفترة من 1 يناير/ كانون الثاني إلى 31 ديسمبر/ كانون الأول من نفس العام.

"الأرنونا".. تعدٍ على الصلاحيات الفلسطينية

اللافت وفق مدير بلدية بيت جالا نديم سمعان هو أنّ الضريبة، بحسب القانون الإسرائيلي، لا تسري على الأديرة والأماكن الدينية، حيث إنّ مدرسة "كريمزان" تتبع للكنيسة الرومانية الكاثوليكية.

ويقول سمعان، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ الأرض التي تقع عليها المدرسة تعتبر من الأراضي التاريخية لبلدة بيت جالا، ولذا فإن الإخطار يعتبر تعدّيًا واضحًا على القانون الإسرائيلي، وعلى صلاحيات بلدية بيت جالا والممتلكات الفلسطينية.

وتابع سمعان: "المدرسة تتبع إداريًا لبلدية بيت جالا، وتتلقى الخدمات من البلدية، ونتابع الأمر قانونيًا عبر مؤسسة سانت إيف في القدس، ونحن نرفض تنفيذ القرار أو القبول به ودفع الضريبة، لأن ذلك يعتبر اعترافًا بسلطة بلدية الاحتلال وشرعيتها على حساب بلدية بيت جالا".

محاولات للضم

ويوضح الباحث في معهد الأبحاث التطبيقية (أريج) سهيل خليلية، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ مدرسة "كريمزان" تقع بالضبط على الحدود التي رسمها الاحتلال للقدس بعد عام 1967، لكنها فعليًا ليست داخل حدود وإطار القدس الجغرافي، إذ إن الاحتلال بعد بناء جدار الفصل العنصري عام 2002 ترك مساحة صغيرة غير مكتملة محاذية للمدرسة في بيت جالا، وهي المنطقة التي يدّعي الاحتلال أنه سيكمل فيها بناء الجدار ويحاول جاهدًا ضمّ المدرسة وما حولها، لتصبح داخل الجدار، وبالتالي فرض عزل جغرافي تام عن المجتمع والأراضي والمباني التاريخية التي تعود لأراضي بيت جالا، وخطوة من خطوات الضم وحسم الصراع. 

ويشير سمعان إلى أن الاحتلال أخطر، منذ نحو عشر سنوات، منشأة تتبع لبلدية بيت جالا، وأرسل لها إخطارًا أكثر من مرة، جرّاء عدم دفع ضريبة "الأرنونا"، رغم أن المنشأة تبعد مئات الأمتار عن الجدار ولكن الاحتلال يحاول فرض واقع جديد.

ويقول سمعان: "قررنا عدم التجاوب مع قرار بلدية الاحتلال، وإن وافقنا مرّة على دفع الضريبة، فإن الاحتلال سيلزمنا بها مرات أخرى على أراضٍ ومنشآت لا سلطة له عليها".

"الأرنونا".. وسيلة للتهجير "الناعم"

من جانبه، عبّر مدير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في بيت لحم يونس عرار، في حديث مع "العربي الجديد"، عن تخوّف الهيئة من تكرار إخطارات "الأرنونا" في بيت جالا، كما جرى في وقت سابق مع بلدة الولجة غرب بيت لحم، حيث هدمت سلطات الاحتلال، في التاسع عشر من الشهر الماضي، ثلاثة منازل بحجّة أنها تتبع لبلدية القدس، ولم تحصل على تراخيص للبناء، رغم أنها لا تقع داخل جدار الفصل العنصري، ولم تبلغ بأن عليها دفع ضريبة "الأرنونا". 

ولذا تعتبر ضريبة "الأرنونا"، بحسب الباحث خليلية، "وسيلة وليست غاية، بمعنى أنها ورقة ضغط على الفلسطينيين، وهذا أسلوب من أساليب التهجير الناعم، ومن جهة أخرى، فإن الاحتلال يمهّد لتنفيذ الضريبة على المناطق التي يسعى لضمّها حتى لو لم تُعرَّف ضمن أراضي بلدية القدس، أو الأراضي الواقعة داخل الخط الأخضر، وهكذا تكون خطة الضمَ وسيلة انتهازية في خدمة مشروع القدس الكبرى"، وفق قوله.

مشروع القدس الكبرى الاستيطاني

ومن المقرر أن يفصل مشروع القدس الكبرى شمال الضفة الغربية عن جنوبها، ويتركز نشاطه في بيت لحم، ويربط المشروع تجمع مستوطنات "غوش عتصيون"، الذي يضم 14 مستوطنة يقطنها أكثر من 85 ألف مستوطن، بالكتل الاستيطانية في شمال القدس، وبالتالي السيطرة على 10% من مساحة الضفة الغربية.

ويوضح عرار أن دلالات إخطارات "الأرنونا" واضحة على الأرض لكنها غير معلنة عبر مخططات مجلس الاستيطان الإسرائيلي، وهي ضمّ مساحات إضافية من أراضي الضفة الغربية لتنفيذ ما يسمى مشروع القدس الكبرى، الذي يفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، ويتركز نشاطه في محافظة بيت لحم، خصوصًا في المناطق الجنوبية والغربية. 

وبحسب عرار، فإن الهيئة، عبر طاقمها القانوني، ووزارتي شؤون القدس والتربية والتعليم، تتابع قضية إخطار "كريمزان"، حيث إنهم يملكون المخططات المدنية والهندسية بأن المدرسة تقع ضمن أراضي بيت جالا، وفيها نحو 350 طالبًا من أبناء البلدة.

محاصرة بيت لحم

ويحاصر الاحتلال محافظة بيت لحم من مختلف الجهات، إذ يحيطها من الشمال جدار الفصل العنصري، ومن الجنوب والغرب مستوطنات "جفاعون وروش تسوريم، وأفينات وكفار عتصيون وألون شيفوت، وإلعازر، وإفرات، وهادار بيتار، وبيتار عيليت، ونيفي دانيال" المقامة على أراضي بيت لحم.

ويقول عرار: "لم يبق لدى المحافظة متنفس سوى في المناطق الشرقية، التي يسعى الاحتلال لربطها بحزام استيطاني مع مستوطنات الجنوب، حتى يتم إحكام طوقٍ استيطاني دائري على بيت لحم يعزلها عن باقي المحافظات، ويجعل أراضيها الشمالية والغربية عرضة لقانون أرنونا حال توسع تنفيذ مشروع القدس الكبرى".

ويسعى الاحتلال للتعامل مع أكبر قدرٍ ممكن من أراضي بيت جالا البالغة مساحتها 13300 دونم على أنها مناطق خاضعة لضريبة "الأرنونا"، وبالتالي جعلها مثل منطقة كفر عقب شمال القدس، أي لا تقع داخل الجدار، ويحمل سكّانها بطاقة هويّة إسرائيلية لكنها غير دائمة، من دون تقديم إسرائيل الخدمات لمن يدفع الضريبة، ويعتبر البناء في هذه المنطقة غير قانوني، ويحق للشرطة الإسرائيلية اقتحام المنطقة في أي وقت، وهذه هي المخاطر على المدى القريب، مع وجود مخاطر على المدى البعيد بأن تُهجّر هذه المناطق بالكامل، بحسب خليلية.

المساهمون