ضابط عراقي سابق يروي لـ"العربي الجديد" تفاصيل معركة مطار بغداد 2003

04 ابريل 2023
جنود أميركيون في مطار بغداد، 4 إبريل 2003 (سكوت نيلسون/Getty)
+ الخط -

رغم مرور 20 سنة على واحدة من أهم المعارك الفاصلة التي خاضتها القوات العراقية ضد قوات الاحتلال الأميركي في مطار بغداد الدولي، غربي العاصمة العراقية، في مثل هذه الأيام، في العام 2003، إلا أن الكثير من تفاصيل المعركة لم ترو لغاية الآن، أو شابها لغط كثير، خاصة الجزء المتعلق بالاندفاع السريع للقوات الأميركية ووصولها الى المطار، والآخر المتعلق بالخسائر التي تكبدتها القوات الأميركية في تلك المعركة، التي يصفها قادة في الجيش العراقي السابق بأنها كانت الفاصلة في الدخول إلى بغداد.

وتشير معلومات، حصلت عليها "العربي الجديد" من سجلات الصليب الأحمر في بغداد، إلى أن أكثر من 100 عسكري عراقي سُجّل اختفاؤهم داخل المطار بين 3 و5 إبريل/نيسان 2003، وفقاً لإفادات قدمها ذووهم وجنود معهم، (لم يُعثر على جثثهم).

وتُرجّح المصادر التي قدمت المعلومات لـ"العربي الجديد" أن المفقودين، وأغلبهم من قوات النخبة العراقية (الحرس الجمهوري)، الذين تعرضوا للقصف بقنابل غير تقليدية في آخر أيام المعركة (5 إبريل 2003) بين المدرج الغربي للمطار ومرابض الطائرات المدنية التابعة لشركة الخطوط الجوية العراقية، قد تفحمت أجسادهم، وجرى فيما بعد التخلص منها، خلال الفترة التي أغلقت فيها القوات الأميركية المطار بعد انتهاء العمليات العسكرية، في التاسع من إبريل 2003، وتنفيذها فيما بعد حملة تنظيف ورفع مخلفات المعركة منه.

المقدم الركن صباح الفلاحي من بين الضباط العراقيين الذين قادوا محاور الاشتباك البري المباشر ضد وحدات المارينز الأميركية داخل المطار، يروي لـ"العربي الجديد"، من منفاه خارج العراق، تفاصيل جديدة حول معركة الأيام الثلاثة، التي كانت ذروتها يوم الخامس من إبريل 2003، أي قبل 4 أيام فقط من احتلال بغداد بالكامل.

بداية مواجهات معركة مطار بغداد

ويشرح الضابط السابق كيف أن القيادة العسكرية العراقية كانت قد توصلت إلى قناعة تامة بأن المرحلة الثانية من المعارك ستكون حرب شوارع، في حال تسبب القصف الجوي والصاروخي المكثف على وحدات الجيش العراقي والقوات النظامية الأخرى بحسم المعركة البرية لصالح الأميركيين. ويلفت إلى أن خطأ حسابات عسكرية ساهم بشكل رئيس في تسريع الوصول إلى بغداد، قبل حتى أن تسقط مدن ومحافظات أخرى، مثل كركوك وديالى والأنبار وواسط.

شهد فجر 3 إبريل 2003 أول مواجهة بين الجيش الأميركي وفوج الحماية الخاص بصدام

ويوضح أنه في الأول من إبريل 2003، وصلت برقية عاجلة إلى القيادات المكلفة بالدفاع عن بغداد، توجه بنقل وحدات مدرعة وكتيبة دبابات ومشاة من محور جنوب العاصمة إلى غربها، بسبب ما اعتبر أنها مؤشرات على نية القوات الأميركية تنفيذ عمليات إنزال جوي بالتزامن مع قصف في نطاق أبو غريب والرضوانية، بغية الوصول إلى مطار بغداد، (مطار صدام آنذاك). وكانت المعلومة قد سبقتها عمليات إنزال جوي واشتباكات عنيفة بين القوات العراقية والأميركية في سد حديثة غربي الأنبار، وذراع دجلة بين الفلوجة وسامراء، وفي صحراء الناصرية، وبادية السماوة.

ويشير إلى أن القوات العراقية تحركت، مصحوبة بقوات من الحرس الجمهوري، ليل 1 ــ 2 إبريل، غير أن هذا التحرك كان الخطأ الذي صب في صالح القوات الأميركية، التي استغلته عبر الدفع بقوات المارينز من جهة جسر ديالى، قادمة من محور الكوت، لتصبح على بُعد أقل من 20 كيلومتراً من بغداد جنوباً. وشهدت مناطق قرب محطة كهرباء الدورة جنوبي بغداد، وعلى طريق سريع الدورة، وعرب جبور، وهور رجب، والكناطر، وغرب اللطيفية، وهذه المناطق كلها جنوبي بغداد، مواجهات غير متكافئة بين القوات العراقية والأميركية، التي كانت تستعين بمروحيات "الأباتشي" في قصف بؤر المقاومة العراقية لتقليل خسائر الجيش الأميركي التي كانت تتصاعد بشكل ملحوظ.

ووفقاً لروايته، فإنه في فجر يوم الثالث من إبريل، كانت الدبابات الأميركية قد وصلت إلى طريق المطار الرئيس، عند نقطة جامع أم الطبول غربي العاصمة، لتُسجّل أول مواجهة بين الجيش الأميركي وفوج الحماية الخاص بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين. وكانت المواجهة الثانية داخل المطار، والثالثة قرب جامع أبو حنيفة في الأعظمية.

ويوضح أنه بالتزامن، نفذ الجيش الأميركي عمليات إنزال في أبو غريب والرضوانية ومحيط مطار بغداد الدولي، ليكون قد أكمل نقل نحو 3 آلاف جندي من عناصر المارينز إلى المنطقة، مع استمرار الاشتباكات المتقطعة، مقابل قوات مشتركة من الحرس الجمهوري والجيش العراقي، ووحدات من المتطوعين العرب، الذين سمح العراق آنذاك بدخولهم قادمين من سورية في حافلات دخلت عبر معبر القائم البري بشكل رسمي.

اليوم الأول والثاني للمواجهات المباشرة

ويشير الفلاحي، الذي كان أحد قادة المحاور التي خاضت اشتباكات عنيفة مع الجيش الأميركي، إلى أن "هدف الجيش الأميركي من الوصول إلى المطار كان ضرب معنويات القوات العراقية، باعتباره منشأة سيادية، وبسبب موقع المطار والمناطق المفتوحة المحيطة به، كان الإمساك بالأرض مع القصف العنيف أمراً صعباً للغاية".

ويشرح الفلاحي: "تمكنت قوة محمولة جواً تابعة للفرقة 101 الأميركية من تنفيذ عملية إنزال جوي في أبو غريب المحاذية لمطار صدام الدولي (مطار بغداد)، وهذا يوم 3 إبريل. وبعد أن تمكنت هذه القوة من تنفيذ عملية الإنزال بنجاح، أحكمت سيطرتها على محور غرب بغداد، وسهلت من خلاله عملية تقدم قواتها نحو منطقة المطار".

صباح الفلاحي: هدف الجيش الأميركي من الوصول إلى المطار كان ضرب معنويات القوات العراقية

ويضيف: "كان إجمالي القوة الأميركية، حسب تقارير وتقديرات تصل إلينا من القيادة، نحو 3000 جندي، مع دبابات وكتيبة مدرعة، مع كتيبة مدفعية ذاتية الحركة عيار 155 ملم، وبغطاء من مقاتلات ومروحيات أباتشي، وهذه القوة الكبيرة، التي جرى إنزالها بسرعة، تفوق أي خطة تهدف لإفشال عملية الإنزال، بسبب الدعم الجوي الكثيف (القصف) الذي كان يساند تلك العملية".

ويتابع: "كانت لدينا قوة بحجم لواء مدرع تابع لقيادة الحرس الجمهوري في منطقة الرضوانية (الملاصقة لمطار بغداد)، وكان هذا اللواء بإمرة أحد الضباط الأكفاء الذي ساهم بشجاعة منقطعة النظير في تأخير عملية تقدم القوات الغازية نحو المطار، بتطبيق خطة الاشتباك القريب مع العدو، الذي يسهم في تحييد الطيران الأميركي. لكن بالنهاية، حجم القوات وتعدد المحاور كانا عاملاً حاسماً لصالح الأميركيين".

ووفقاً للفلاحي، فقد "سارعت القوات العراقية الموجودة داخل المطار، التي بدأت تواجه صعوبة في تأمين الاتصال بوزارة الدفاع، أو أي من القيادات العسكرية في بغداد، بسبب التشويش الأميركي على أجهزة الإرسال والاستقبال العراقية، في وضع خطة ذاتية، من خلال إشعال براميل الدخان وأحواض النفط الأسود للتشويش على الطيران، وخلق حالة إرباك لدى الجنود الأميركيين من نوع هذا الدخان. وهذا منح القوات العراقية وقتاً لتوزيع نفسها على عدة محاور والتهيئة لمواجهات قريبة من ناحية المسافة".

ويوضح الفلاحي: "بدأت المواجهة المباشرة داخل المطار بهجوم من عدة محاور على القوات الأميركية، باستخدام قذائف الهاون والمدفعية والسلاح المتوسط، وحصلت عدة عمليات توغل نفذها الحرس الجمهوري داخل مناطق تحشُّد الأميركيين، إلى جانب قيام المتطوعين العرب بعمليات مباغتة وانغماس مستخدمين قذائف الـ"آر بي جي" والقنابل. وأدى هذا التفوق البري لتكبيد القوات الأميركية خسائر كبيرة، اضطرتهم إلى اتخاذ السواتر والتراجع باتجاه مقتربات السور الأمني للمطار من جهة الرضوانية".

وبحسب إفادة الفلاحي، فقد "تواصلت المواجهات بين كر وفر، وقد كان هذا الأسلوب الأفضل للقوات العراقية، التي تحصنت في مواقع مختلفة في المطار وخارجه أيضاً".

ويضيف: "في اليوم الثاني، تكررت المواجهات، ونجحت قوة عراقية في الدخول إلى نفق وتفجيره، ما تسبب بهلع بين الجنود الأميركيين، خصوصاً أن النفق كان خلف خطوطهم. وفي مساء اليوم الثاني، شنت وحدات الحرس الجمهوري هجوماً واسعاً على قوات العدو من محورين، بمشاركة وحدات الجيش والمتطوعين العرب، وتمت محاصرة منطقة المعركة فعلياً. كما سارعت قوة أخرى من الحرس الجمهوري إلى ضرب خطوط الإمداد البرية القادمة من اليوسفية إلى المطار".

اليوم الثالث والأخير

صباح الفلاحي: القنابل التي جرى استخدامها لإنهاء المواجهة تسببت في صهر أجساد الجنود العراقيين فعلياً

ويقول الفلاحي: "كان الضياء (الفجر) الأول من يوم 5 إبريل الأكثر صعوبة، حيث كانت علامات الإنهاك والتعب على الجنود العراقيين، بلا أكل أو حتى استراحة. وزاد ذلك بدء الطيران الأميركي عمليات قصف غير مسبوقة على مناطق تحصينات القوات العراقية. كانت البداية بالقنابل الصوتية، التي تسببت للقريبين منها من الجنود العراقيين بانفجار دموي في رؤوسهم نتيجة الضغط".

ويضيف: "أثناء ذلك، كان الجيش الأميركي قد تراجع عن مواقع له لم تكن تبعد أكثر من كيلومتر واحد عن قواتنا، ليبدأ القصف العنيف بالقنابل العنقودية، وكانت عبارة عن حاويات تحمل بداخلها قنابل صغيرة تتفجر ما إن تقترب من الأرض، ثم تتحول إلى شظايا صغيرة تعطب الآليات وتقتل الجنود، ما جعل وجود قواتنا في مكان المعركة غير مجدٍ أمام عملية القصف هذه، التي كانت تفوق إمكانية قطاعاتنا. بمعنى أن البقاء لم يكن نافعاً وأقرب للانتحار".

ويكشف الفلاحي أنه "استشهد نحو 600 عراقي من القوات الخاصة والجيش في القصف الأميركي في اليوم الثالث، والذي كان سبباً في تغيير عجزه في الحسم البري إلى تفوق، إذ تصاعدت الخسائر البشرية الأميركية في الأيام الثلاثة من المواجهات داخل المطار وفي محيطه إلى جانب خسائره في الآليات والمعدات والمروحيات التي جرى إسقاطها بصواريخ ستريلا".

قنابل صهرت أجساد الجنود العراقيين

ويؤكد الفلاحي أن "القنابل التي جرى استخدامها لإنهاء المواجهة تسببت في صهر أجساد الجنود العراقيين فعلياً". الفلاحي، الذي شارك في معارك إبان ثمانينيات القرن الماضي مع إيران، يشير إلى أن "القنابل غير تقليدية، إذ تفحمت أجساد من تعرض لحرارتها، ومن نجا منهم، ما زال يعاني حتى الآن، بمن فيهم أنا، حيث وصل تأثير القنابل إلى قُطر يبلغ نحو كيلومترين. ولشديد الأسف، كانت خسائر العراقيين البشرية كبيرة جداً". بعد انتهاء المعركة، نجح الناجون في الانسحاب من المطار باتجاه حي العامرية عبر منفذ في سور المطار، ومن بينهم الفلاحي، الذي ما زال مُصراً على أن "القوات العراقية لم تخسر برياً في مواجهة المطار كونها حُسمت من الجو".

الصحافي العراقي مصطفى كامل، الذي كان يعمل آنذاك سكرتيراً للتحرير في صحيفة "الجمهورية" الرسمية، التي واصلت الصدور حتى 9 إبريل 2003، يقول، لـ"العربي الجديد"، إنه وصل إلى شارع المطار غربي العاصمة بغداد، وكانت المعارك قد انتهت للتو، والحركة معدومة، ولكن لم يكن هناك من يمنعني من المرور.

ويضيف كامل: "عند تمثال عباس بن فرناس، وجدتُ مجموعة من ضباط وجنود جهاز الأمن الخاص والحرس الخاص، ولا يوجد بينهم مقاتلون من جهات أخرى، وكانوا مسلحين بقذائف آر بي جي ويرتدون ملابس مدنية، وبعضهم يرتدي ملابس عربية ويعتمرون كوفية حمراء، وتحدثوا لي عن تفاصيل مواجهات قادها الرئيس الراحل صدام حسين ضد قوات أميركية كانت تسللت من مطار صدام (بغداد الدولي) متجهة نحو بغداد".

مدرعات أميركية متفحمة

ويتابع: "توقفت عند عدد من المدرعات العسكرية الأميركية التي كانت موجودة عند شارع المطار، وقد احترقت في المواجهات أثناء محاولتها التقدم نحو العاصمة. كانت هذه المدرعات متفحمة وموجودة في ثلاثة مواقع، الأول قرب تمثال عباس بن فرناس وسط شارع المطار، والثاني تحت جسر طريق القادسية الذي يمر من جامع أم الطبول والمتجه نحو القصر الجمهوري. أما الموقع الثالث فهو مقابل السوق المركزي في حي العامل القريب من شارع المطار. والتقطت بعض القطع المتناثرة من تلك المدرعات".

ويبيّن أنه عند وصوله إلى "فندق فلسطين مريديان (وسط بغداد) حيث كان الصحافيون العرب والأجانب يقيمون فيه بعد تهديدات أميركية بقصف مقر وزارة الإعلام، كان وزير الإعلام العراقي (وقتها) محمد سعيد الصحاف يزمع عقد مؤتمر صحافي. وتوجهت إلى الوزير وحدثته عن مشاهداتي في شارع المطار، وعرضت عليه ما كان بحوزتي من قطع صغيرة من حطام الدبابات الأميركية، فأبلغني أن وزارة الإعلام ستُنظم جولة للصحافيين ليطلعوا بأنفسهم على نتيجة المعركة".

ويتابع كامل: "بالفعل بدأ المؤتمر الصحافي (5 إبريل)، وفجأة دخل أحد ضباط التوجيه السياسي بوزارة الدفاع العراقية، وهمس في أذن الوزير الذي قطع المؤتمر الصحافي وأنهاه على عجل وطلب من الصحافيين الانتظار، وغادر القاعة نحو إحدى غرف الفندق".

ويوضح: "فهمت من الصحاف لاحقاً أن الضابط أبلغه بأن الموقف العسكري تغيّر بسرعة، ولن يُسمح للصحافيين بالتوجه إلى موقع المعركة، لأن العدو الأميركي دفع بمزيد من القوات إلى المطار، وبدأت صفحة (مرحلة) ثانية من المعركة. وبذلك، لم يتمكن أي من الصحافيين العرب والأجانب من الوصول إلى هناك". لكن كامل ينفي ما يجرى ترديده كل عام عن استخدام الأميركيين أي أسلحة نووية تكتيكية في معركة المطار.

ويبين أن "هذا لم يحصل، لكنهم استخدموا أسلحة غير تقليدية، عنقودية وحارقة غالباً، وربما أنواعاً أخرى. كما أن ما يقال عن غمر مدرجات بكميات من المياه وصعق الجنود الأميركيين بالكهرباء من قبل القوات العراقية غير صحيح بالمطلق". ويعتبر أن "سبب الإصرار الأميركي على احتلال المطار كأول الأهداف في العاصمة هو لإدامة نقل قوات الغزو للسيطرة على بغداد بسرعة، بعيداً عن خط المواصلات البري الطويل نسبياً من الكويت، والبالغ أكثر من 650 كيلومتراً".

المساهمون