صوت الطلبة الفلسطينيين المغيب: الحركة الطلابية بين الحضور والإبعاد

30 يونيو 2024
تظاهرة لطلاب جامعة بيرزيت في الضفة الغربية المحتلة (زين جعفر/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الحركة الطلابية الفلسطينية تواجه ركودًا بسبب العدوان على غزة في أكتوبر 2023، مع تأثيرات السياق السياسي والتشرذم الفصائلي، وتعيقها الملاحقة من قبل الاحتلال والسلطة الفلسطينية.
- أعمال المقاومة الفردية الطلابية مستمرة رغم التحديات، مثل استشهاد أيسر الصافي، مؤكدةً على استمرار دور الحركة في النضال، بينما ترى الأسيرة المحررة لينا خطاب أن دورها يحتاج لتحسين.
- تحديات مثل ضعف الخبرة والملاحقة الأمنية تحد من فعالية الحركة، مع التأكيد على أهمية بناء رؤية جديدة، رفع الوعي الثوري، والنقد الذاتي لتطوير دورها في النضال الوطني.

في ظلّ ما تشهده الحركة الطلابية الفلسطينية من حالة ركودٍ منذ بداية العدوان على قطاع غزّة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، برز سؤالان حول دور الحركة الطلابية مما يحدث في قطاع غزّة؟ وماهية أدوات المواجهة التي يجب على الحركة الطلابية العمل من خلالها؟ كون الحركة الطلابية تتحمل جزءًا من مسؤولية تحريك الشارع، باعتبارها تستهدف فئاتٍ شابةً مختلفةً، ومن مناطق جغرافيةٍ عدّةٍ، تستطيع التنسيق والتشبيك من مركزها في الجامعة التي هي فيها. إلّا أن هذا الركود غير معزولٍ عن حالة السياق السياسي العامّة، التي يعيشها المجتمع الفلسطيني، وحالة التشرذم داخل البنية الفصائلية، التي تتبع لها الأطر الطلابية داخل الجامعات الفلسطينية في الضفّة الغربية.

يعود سبب تراجع العمل الطلابي في جامعات الضفّة الغربية إلى جملةٍ من العوامل المتراكمة، التي كان لها أثرٌ على دور الحركة الطلابية في السنوات الأخيرة، إلّا أن السبب الأكبر، وفقًا لأحد كوادر الكتلة الإسلامية في جامعة القدس- أبو ديس، هو "سياسة القمع والملاحقة، التي تنتهجها سلطات الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية ضدّ كلّ عملٍ أكاديميٍ أو نقابيٍ من شأنه رفع الحالة والوعي الثوري لدى الطلبة".

أما الأسيرة المحررة لينا خطاب، خريجة الإعلام من جامعة بيرزيت، فترى أنّ "دور الحركة الطلابية اليوم لا يرتقي إلى مستوى ما حدث في السابع من أكتوبر، ولا إلى مستوى الإبادة التي يمارسها الاحتلال في قطاع غزّة، والضفّة الغربية، وفي الأراضي المحتلة عام 1948؛ لأنّ مشهد الإبادة هو مشهدٌ مترابطٌ في كلّ المناطق، رغم تكثيف الحرب على قطاع غزّة حصرًا".

تتأطر فكرة الإبعاد من خلال محاولات الاحتلال تغييب الطلبة عن المشهد السياسي، وعن مواكبة التغيرات دائمة الحدوث به، عبر اعتقالهم

لكن، لم تغب أعمال المواجهة والمقاومة الفردية الطلابية المباشرة مع الجيش الصهيوني، رغم الركود الذي تشهده الحركة الطلابية، إذ نفذ طلبةٌ جامعيون، ينتمون إلى الأطر الطلابية، عددًا من الأعمال التي أبقت على الحركة الطلابية حاضرةً ضمن المشهد، آخرها استشهاد أيسر الصافي، الطالب في كلية الرياضة في جامعة بيرزيت، برصاص جيش الاحتلال على مدخل مدينة البيرة الشمالي- حاجز بيت إيل-، عقب دعوة حركة جامعته الطلابية إلى التوجه لنقاط التماس والاشتباك نصرةً لغزّة والشهداء.

ومن بين حالات المقاومة الفردية، التي توضح فاعلية العمل الطلابي المقاوم، وفقًا لأحد كوادر الكتلة الإسلامية في جامعة القدس- أبو ديس، "الشهيد القسامي تامر فقها، ابن جامعة النجـاح. وأوّل من ثار على خط الطوفان الشهيد الرفيق خالد المحتسب، سكرتير جبهة العمل الطلابي في جامعة بيت لحم. وقبله أبناء الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح، أبطال العمليات النوعية التي شهدتها الضفّة الغربية خلال عام 2023، وهما: الشهيدين معاذ المصري، خريج جامعة النجاح، ورفيقه حسن قطناني منفذا عملية الأغوار. والشهيد مهند شحادة منفذ عملية (عيلي). والشهيد سعد الخراز منفذ عملية جبل جرزيم. والأسير أسامة بني فضل منفذ عملية حوارة. وسبقهم أبطال جامعة القدس أبو دبس في تفجير انتفاضة القدس عام 2015."

وعطفًا على ما سبق، أكد طالبٌ في جامعة القدس أبو ديس أن هذه الحالات مؤشرٌ واضحٌ إلى أن الحركة الطلابية ما زالت تصدر الشباب المقاوم لفصائل المقاومة.

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

رغم أهمّية العمل الفردي الطلابي المقاوم، طرح "طوفان الأقصى"، ومشاهد الإبادة في قطاع غزّة سؤالًا عن دور الحركة الطلابية الفلسطينية الجماعية في المواجهة، وفي تحريك الشارع الفلسطيني، كسؤالٍ جمعيٍ يسائل الكُل الطلابي بدورهم في الفاعلية والتغيير، لا على صعيد الفعل المقاوم الفردي فقط.

معيقات عمل الحركة الطلابية الفلسطينية خلال حرب الإبادة على قطاع غزّة

وفي سؤالٍ حول دور الحركة الطلابية الفلسطينية في ظلّ الإبادة، والمسارات التي أثرت على فاعليتها جماعيًا، ما أدى إلى تأدية دورها منقوصًا، ولا يرتقي إلى كلفة الدم الفلسطيني الذي يراق كلّ يومٍ منذ بداية الحرب على قطاع غزّة تحديدًا، وباقي الجغرافية الفلسطينية، الضفة الغربية والداخل المحتل، قال عضو الحركة الطلابية السابق في جامعة بيرزيت، أمير حزبون إنّ ذلك يرجع إلى "ضعف عامل الخبرة والتجربة لدى الأطر الطلابية، وذلك نتيجة أزماتٍ قديمةٍ، تمثلت بحملات اعتقالٍ حالت دون نقل التجربة جيلًا بعد جيل".

ثمّ أضاف "عدم فهم الدور الشبابي الطليعي في المجتمع، وذلك يرجع أيضًا في بعض الأحيان لغياب دور أحزابها. إضافةً إلى الملاحقة الشديدة والمكثفة التي يتعرض لها الطلبة من الأجهزة الأمنية الفلسطينية والاحتلال. إلى جانب ضعف الإمكانيات المالية، وملاحقة مصادرها، وغياب رؤيةٍ واضحةٍ للعمل بين الكتل الطلابية على أساس وطني جامع، ضمن برنامجٍ ورؤيةٍ محددةٍ".

لا يجب تحميل الحركة الطلابية الفلسطينية مسؤوليةً أكبر مما هي قادرةٌ على فعله وتطبيقيه اليوم، وفي الوقت ذاته من دون إعفائها من مسؤوليتها بالاستمرار في المحاولة

كما أن الوضع الاجتماعي والسياسي، وفقًا لحزبون، "ساهم في عزوف بعض الطلاب عن العمل الطلابي، وتقوقع الحركة الطلابية على نفسها ومشروعها، فأصبحت تمثّل نخبةً معينةً، ولم تعد تمثل القائد للشارع والمشارك للهموم الوطنية والطلابية".

حضور مجزوء وغياب قسري

إنّ غياب وجود بيئة تستطيع الحركة الطلابية العمل من خلالها، ومراكمة أفعالها، دفعها نحو الوجود بين حالتين، هما حالتا الحضور والإبعاد، وما بينهما تشكلت مسارات إعاقة العمل الطلابي الجماعي الفاعل. فغياب المراكمة القائمة على النقد والبحث عن أدوات مواجهةٍ تحاكي متغيرات السياق السياسي المستمر أدى إلى حضورٍ منقوصٍ لها من ناحيةٍ، وإبعادٍ قسريٍ من ناحيةٍ أخرى.

تتأطر فكرة الإبعاد من خلال محاولات الاحتلال تغييب الطلبة عن المشهد السياسي، وعن مواكبة التغيرات دائمة الحدوث به، عبر اعتقالهم في السجون، أو تقييد حركتهم، وهو ما انعكس سلبًا على نوعية الأعمال التي تحاول الحركة الطلابية الفلسطينية الحضور من خلالها، وتحويلها من أفعال مواجهةٍ إلى مجرد فعالياتٍ وأنشطةٍ. وهي من أهمّ الانعكاسات التي يمكن من خلاها قراءة أثر المعيقات التي تواجه الحركة الطلابية الفلسطينية على العمل، وتحديدًا خلال حرب طوفان الأقصى، والمتمثّلة إما بالملاحقة المستمرة، أو الاعتقال، أو الاستشهاد.

إذ أصبح عمل الحركة الطلابية، حسب تعبير الطالبة السابقة في جامعة بيرزيت لينا خطاب، "يقتصر على نشاط كوادر الحركة الطلابية ومؤيديها، وانحصر في الوقفات داخل الجامعة، أو خارج حرمها التي يشارك فيها أبناء الحركة الطلابية ومجموعةٌ قليلةٌ من الطلبة فقط، ما يعني أن عمل الحركة الطلابية مقتصرٌ على هذا الفعل الصغير والبسيط، والذي لا يتطلب جهدًا وتنسيقًا".

وعليه؛ فإنّ الفعل الخجول، الذي أصبح يعرف بكونه مجرد فعاليةٍ أو نشاطٍ، هو دخيلٌ هجينٌ على خطاب الحركة الطلابية الفلسطينية، إذ أصبحت الوقفات عبارةً عن فعلٍ يتم توقيته بساعةٍ واحدةٍ، من أجل التعبير عن رفض حدثٍ معين، من دون التفكير بطرقٍ أخرى لاستثمار القدرة على الحشد والتعبئة، والخروج بها إلى الشارع خارج أسوار الجامعة، وأن يكون حشدًا مؤثرًا في الشارع، مستمرًا غير منقطعٍ.

في ما يتعلق بالمعيقات التي أدت إلى تراجع دور الحركة الطلابية، أوضحت خطاب، أنّها تتثّمل في استراتيجية الاحتلال الإسرائيلي تجاه الطلبة، المعروفة بسياسة "جز العشب"، فمن خلالها عمد الاحتلال إلى استهداف الناس المؤثرين في الحركة الطلابية، عبر سجنهم، لمدّة سنةٍ أو اثنتين، لكونهم منسقين أو مؤثرين، ما أدى إلى تهالك الحركة الطلابية. ذلك أن فترة السجن، تندرج ضمن الاعتقال الإداري، لمدّةٍ تراوح بين ستة أشهرٍ وعامين من دون تهمةٍ. بهذا، أراد الجيش الصهيوني أن يجعل من أعضاء الحركة الطلابية الأسرى "مثالًا وعبرةً" لغيرهم من الطلبة؛ ما يمثّل رادعًا لهم، يمنعهم من الانخراط في أيّ عملٍ طلابيٍ.

لم تغب أعمال المواجهة والمقاومة الفردية الطلابية المباشرة مع الجيش الصهيوني، رغم الركود الذي تشهده الحركة الطلابية

آفاق العمل الطلابي

عند طرح سؤال: ما هو دور الحركة الطلابية اليوم في ظلّ حرب الإبادة على قطاع غزّة؟ فإن ذلك يستدعي موازاة هذا السؤال بسؤالٍ آخر يرتبط جوهريًا به، وهو كيف يمكن العمل اليوم على إعادة إحياء فاعلية الحركة الطلابية الفلسطينية؟ فرغم النقد والاستهجان المتكرر لغياب الحركة الطلابية عن المشهد، كما هو مطلوب منها وفق ما قدمته تاريخيًا من نضالٍ فاعلٍ ضد الاستعمار الإسرائيلي، لا يجب تحميل الحركة الطلابية الفلسطينية مسؤوليةً أكبر مما هي قادرةٌ على فعله وتطبيقيه اليوم، وفي الوقت ذاته من دون إعفائها من مسؤوليتها بالاستمرار في المحاولة من أجل استنهاض ذاتها، في مرحلةٍ سياسيةٍ تغيّرت فيها موازين القوّة وعلاقاتها بين الفلسطيني ونظيره الصهيوني المستعمِر.

في هذا السياق أوضح أمير حزبون ما يمكن عمله من أجل مواجهة المعيقات، وحالة الشلل التي تعيشها الحركة الطلابية، قائلًا: "الحركة الطلابية في فلسطين بحاجةٍ لبناء رؤيةٍ جديدةٍ تتناسب مع الواقع، والعمل على إيجاد آليةٍ لمراكمة الإنجاز وإنهاء الانقسام، الذي هو في جوهره حزبي سياسي. بهذا يمكنها تحويل مجلس اتحاد الطلبة في هذه الجامعات، والاتّحاد العام للطلبة من مكانٍ للتنازع والمنافسة الحزبية، إلى مكانٍ لتحقيق البرنامج الطلابي الوطني المبني على أساس التجربة السابقة، التي تضمن تحسين ظروف التعليم، والمشاركة في النضال الوطني ضدّ الاحتلال، بمجرد استصلاح رأس هرم الطلاب ووحدته، على أساس الرؤية والبرنامج، ما سيعيد الثقة بين الطلبة وهذه الأجسام، التي انعزلت في السنوات الأخيرة عن الطلبة، لتصبح لاحقًا قائدًاً ومحركًا لهم".

ثمّ أضاف: "تتمثّل ديناميكية العلاقة في إعادة تنشيط هذه الفئة المثقفة الواعية الجاهزة للنضال لكي تقود المرحلة القادمة. كما يجب الكف عن الاعتماد على ردود الفعل، أو استعطاف الجمهور الطلابي، وهذا يكون من خلال مؤتمرٍ عامٍّ بعد جلساتٍ وحواراتٍ عدّةٍ للاتفاق على برنامجٍ واضحٍ، وإشراك الطلاب فيه، ليشعروا بأنّهم جزءٌ من هذا البناء وليس عاملًا تابعًا".

كما اعتبر أحد كوادر الكتلة الإسلامية في جامعة القدس- أبو ديس أنّ جزءًا من مسؤولية خلق وعيٍ ثوريٍ لدى الطلبة تقع على عاتق المحاضر (الدكتور الجامعي)، من خلال استغلال مكانته وتأثيره، عبر ربط المحاضرات بدورها في الدفاع عن القضية الفلسطينية، ورفع الوعي الثوري الوطني لدى الطلبة، ويقع الواجب أخيرًا على الطالب في السعي ورفض تغييبه عن الواقع".

أما الأسيرة المحررة لينا خطاب، فترى أنّ مواجهة حالة التشرذم الحالية وشلل الحركة الطلابية غير معزولٍ عن السياق السياسي العام الذي تعيشه فلسطين، موضحةً أنّه "لا توجد حركةٌ طلابيةٌ مفصولةٌ عن الحركة السياسية الأم. حاليًا وضع الفصائل منهارٌ، ولا يستطيع الاستثمار بالدم النازف، ولا ببطولات قطاع غزّة، أو بمعنى الصمود في وجه قطعان المستوطنين في الضفّة الغربية، وهذا مؤشرٌ إلى انهيار الحركة السياسية في فلسطين".

وخلصت خطاب إلى أنّه "لا نستطيع مطالبة الحركة الطلابية بالتوقف تمامًا، وإن كان دورها غير فاعلٍ، لكن يجب الوقوف لحظةً أمام تجربة النقد الذاتي، وتحديدًا نقاط القوّة والضعف، وأين يجب أن يتم التطوير بناءً على السياق الوطني، وأين يجب أن يتم تعزيز دور الفرد، ويجب على كلّ حركةٍ طلابيةٍ الوقوف عند أخطائها الماضية من أجل القدرة على البناء".

المساهمون