ما زالت الحكومة الأردنية، حتى صباح اليوم الإثنين، تلتزم الصمت إزاء إعلان رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، نفتالي بينت، رفضه أي دور للأردن بكل ما يتعلق بالمسجد الأقصى، ما يشكل إعلاناً صريحاً بألا وصاية هاشمية على "الأماكن المقدسة" في القدس المحتلة.
ولم تصدر وزارة الخارجية الأردنية أي تعليق، ولم تستجب لمحاولات "العربي الجديد" التواصل معها بخصوص موقف بينت الصادر أمس الأحد، ويشكل تراجعاً عن التفاهمات الإسرائيلية الأردنية التي نص عليها اتفاق السلام في وادي عربة، والقاضي بالاعتراف بمكانة خاصة للأردن في "الأماكن المقدسة"، ما يعرف بالوصاية الهاشمية على الأوقاف الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة.
ودانت لجنة فلسطين في مجلس النواب الأردني، في بيان مساء الأحد، تصريحات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، معتبرة أنها تعمل على تأجيج المنطقة برمتها، وأنها انقلاب على الواقع التاريخي والديني في المسجد الأقصى والقدس الشريف.
كما رفضت لجنة الشؤون الخارجية النيابية، في بيان، تصريحات بينت، مؤكدة أنها تدل على "عقلية همجية سِمتها الأساس الاستمرار في احتلال الأراضي الفلسطينية وفرض أمر واقع".
"ممارسة الابتزاز السياسي"
تعليقا على هذه التطورات، قال مدير "مركز دراسات الشرق الأوسط"، جواد الحمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "العلاقات الأردنية الإسرائيلية لم تكن من حيث المبدأ جيدة في أي وقت من الأوقات منذ توقيع اتفاقية وادي عربة"، مشيرا إلى أن "الحكومة الإسرائيلية تحاول ممارسة الابتزاز السياسي على الأردن ومعاقبته، بسبب بعض المواقف الأخيرة التي كانت مؤيدة للمرابطين والجهود الدبلوماسية للضغط على إسرائيل حول إدارة الأماكن المقدسة".
وتابع الحمد قائلا: "هذه حكومة يمينية لا تؤمن بالأردن ولا دور الأردن في إدارة المقدسات، ولا تبالي بأي حجج أو معاهدات سابقة، ومنها معاهدة وادي عربة"، معتبراً أن التصعيد الإسرائيلي يجب أن يواجه بتصعيد أردني.
كما انتقد تصريحات الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأردنية، هيثم أبو الفول، قبل أيام حول عملية "إلعاد"، وقال إنها تساوي بين الفلسطينيين المقاومين والمستوطنين اليهود، وهو أمر مرفوض ويتناقض مع الموقف الأردني بإسناد المقاومة الفلسطينية.
وأعلنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، أمس الأحد، اعتقال الشابين الفلسطينيين أسعد الرفاعي وصبحي أبو شقير، اللذين يتهمهما بتنفيذ عملية "إلعاد"، يوم الخميس الماضي، التي أدت إلى مقتل ثلاثة إسرائيليين.
إلى ذلك، قال الحمد إن "الصمت الأردني يكشف عن موقف متردد من الحكومة، والتي عليها العمل أيضا لحشد حملة دولية بالتعاون مع دول الإقليم والدول العربية لوقف التجاوزات الإسرائيلية"، معتبراً أن "الأردن لديه أسلحة مهمة يمكن استخدامها كقطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الاحتلال وتجميد الاتفاقيات الثنائية".
توقيت حساس
من جهته، عدّ الخبير الأردني في الشؤون الإسرائيلية، أيمن الحنيطي، الصمت الرسمي الأردني "محاولة لعدم التدخل والتأثير على التوازنات الحكومية الإسرائيلية الداخلية خاصة أن الأربعاء المقبل سيشهد طرح الثقة بالحكومة"، مشيرا إلى أن العلاقات الدبلوماسية والتأثير عليها أمر حساس في هذا التوقيت.
وقال الحنيطي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن "تحسين العلاقات مع الأردن إنجاز يحسب له، لكن على أرض الواقع لم يحدث أي تغيير في السياسات الإسرائيلية، وهذا بسبب عدم قدرته على تخطي الأطراف اليمينية بالحكومة".
وجاء رفض نفتالي بينت لأي دور أردني، خلال جلسة الحكومة الأسبوعية أمس، تعقيباً على تصريحات رئيس "القائمة الموحدة"، منصور عباس، بأن ما يقبل به الأردن خلال الجلسات التي يفترض عقدها للجنة الأردنية الإسرائيلية المشتركة، سيكون مقبولاً لدى "القائمة الموحدة".
وقال الحنيطي إن "منصور عباس يمتلك وزنا كبيرا في استمرار الائتلاف الحكومي أو فشله، ويحاول الحفاظ على ثقل حزبه (القائمة الموحدة)، وخلال الفترة الأخيرة، أصبح يدير الأمور بشكل أكثر عمقا".
وأشار إلى أنه في الفترة كان هناك خرق واضح للاتفاق الأردني الإسرائيلي حول إدارة الأماكن المقدسة الموقع عام 2015، إضافة لمحاولات لإقامة طقوس تلمودية، ودخول أعداد كبيرة من المستوطنين.
"تصدير الأزمات الداخلية"
بدوره، قال الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأردني، نضال الطعاني، لـ"العربي الجديد" إن "إسرائيل تمر حاليا بأزمات داخلية وخارجية، وهي تحاول تصدير الأزمات الداخلية الخانقة التي تعصف بها إلى المملكة"، مضيفا أن "حائط الصد الأردني كان دائمًا قويًا وبالمرصاد معتمدًا على الجهات الأمنية والعسكرية والمواقف الشعبية".
وأشار إلى أن اليمين المتطرف يفرض مواقفه، ويهدد حكومة بينت بفقدان الثقة، مضيفا أن من أهم مطالبه اعتبار القدس "العاصمة الأبدية لدولة الاحتلال، وإدارة الأماكن المقدسة، وتوسيع المستوطنات".
واعتبر الطعاني أن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية حق أردني لا يمكن التنازل عنه، قبل أن يتابع قائلا: "هناك موقف شعبي داعم لموقف الحكومة للتصدي لكل الممارسات الإسرائيلية".
وكشف أن الأردن يستند في مواقفه المتعلقة بالأقصى والقضية الفلسطينية، إلى شبكة من العلاقات الإقليمية والدولية القوية التي تضغط في اتجاه التصدي للممارسات الإسرائيلية.
ووفق الطعاني، فإن الأردن يملك حدودا طويلة مع الأرض المحتلة ويقوم بضبطها. وهناك اتفاقيات سلام وتعاون اقتصادي، وجدت بدعم من الدول الكبرى من أجل الشراكة مع إسرائيل، وبالتالي الأردن ليس معنيا بهذين التشابك والشراكة، في حال التجاوز على الوصاية الأردنية بالأماكن المقدسة.