يحتدم الصراع بين خلايا من تنظيم "داعش"، عادت لتنشط مجدداً في البادية السورية من جهة، وبين وحدات من قوات النظام ومليشيات محلية مساندة لها من جهة أخرى. وتحاول قوات النظام إبعاد خطر "داعش" عن مدينة سلمية ومحيطها في ريف حماة الشمالي، وعن طرق حيوية تعبر البادية، وتُعد من الشرايين الاقتصادية المهمة للنظام السوري. وأكد ناشطون محليون أن الطرفين يتقاتلان منذ أيام عدة في محيط بلدة أثريا الاستراتيجية في ريف سلمية الشرقي، مؤكدين وقوع إصابات بين عناصر قوات النظام، وموضحين أن الصراع يمتد من أثريا غرباً إلى محيط منطقة الرصافة الأثرية في ريف الرقة الجنوبي الغربي.
تصاعد نشاط "داعش" في الآونة الأخيرة بشكل بات يهدد وجود قوات النظام على تخوم البادية
وتعد بلدة أثريا عقدة طرقٍ مهمة في البادية السورية، حيث يعبر بالقرب منها واحدٌ من أهم الطرق، وهو الطريق الذي يبدأ من مدينة دمشق وصولاً إلى مدينة حمص في قلب سورية، ومن ثم إلى مدينة سلمية على تخوم البادية. ومن سلمية، يمرّ الطريق إلى بلدة أثريا ومنطقة وادي العذيب، وصولاً إلى مفرق منطقة الرصافة، حيث يتفرع إلى فرعين، الأهم هو الذي يُكمل إلى مدينة الطبقة، ومن ثم إلى الرقة، ومنها إلى محافظة دير الزور في شرقي سورية. والطريق نفسه للقادم من الرقة، يتفرع عند بلدة أثريا إلى طرق عدة، أهمها الذي يُكمل إلى مدينة حماة، والثاني إلى بلدة خناصر في ريف حلب الجنوبي، وصولاً إلى مدينة حلب، كبرى مدن الشمال السوري. وهذا الطريق هو الذي اعتمد عليه النظام طيلة سنوات إبان سيطرة فصائل المعارضة السورية على جزء رئيسي من الطريق الدولي الذي يربط مدينة حلب بحماة وحمص، ومن ثم دمشق.
وكانت مصادر في المعارضة السورية المسلحة قد ذكرت، لـ"العربي الجديد"، أن قوات النظام حرّكت، يوم الجمعة الماضي، 35 آلية، من بينها أربع دبابات ومدفعان، من جبهتي معرة النعمان وسراقب في ريف إدلب باتجاه البادية. ويعد ذلك مؤشراً واضحاً على نيّة هذه القوات القيام بحملة عسكرية واسعة النطاق ضد التنظيم، الذي تصاعد نشاطه في الآونة الأخيرة بشكل بات يهدد وجود قوات النظام على تخوم البادية. وكانت خلايا تتبع لـ"داعش" قد قطعت منذ أيام طريق الرقة - حمص بالقرب من منطقة أثريا، وقتلت عدداً من سائقي عربات نقل ثقيلة تابعة لمليشيا القاطرجي، التي تتولى نقل الحبوب والمحروقات من منطقة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في شرقي نهر الفرات إلى مناطق النظام.
ويعتبر هذا الطريق الأهم لدى النظام، حيث تعبره القوافل التجارية التابعة للميلشيا المذكورة التي تعد الوسيط الأهم بينه وبين "قسد" لتزويد مناطقه بالحبوب والمحروقات، لذا من المتوقع أن تحاول قواته تأمين هذا الطريق بكل السبل. كما يعد هذا الطريق، الذي يبلغ طوله من دمشق إلى الرقة نحو 450 كيلومتراً، الوحيد الذي تسلكه وسائل النقل العامة والخاصة للسوريين الوافدين والمغادرين من مناطق النظام إلى منطقة شرقي نهر الفرات، والذين يتعرضون لابتزاز مليشيات طائفية تسيطر على الطريق، بالإضافة إلى "الفرقة الرابعة" التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رأس النظام السوري بشار الأسد. وتفرض هذه المليشيات و"الفرقة الرابعة" إتاوات على أصحاب السيارات العابرة، وخصوصاً تلك التي تنقل بضائع، وفق ما تؤكد مصادر محلية أشارت إلى أن "الفرقة" تقيم حواجز عدة على الطريق.
طريق دمشق - دير الزور
ويعبر البادية السورية طريق لا يقل أهمية، لطالما قطعه "داعش" خلال العامين الأخيرين، وهو الطريق الدولي الذي يربط العاصمة السورية دمشق بمحافظة دير الزور في أقصى الشرق السوري، ويمر من مدينة تدمر في قلب البادية السورية. ويبلغ طول هذا الطريق نحو 500 كيلومتر، ويعبر بلدتي الضمير والناصرية في ريف دمشق الشرقي، وصولاً إلى مدينة تدمر ومنها إلى الأرك، فبلدة السخنة، ومن ثم إلى مدينة دير الزور.
يعد طريق الرقة - حمص الأهم للنظام حيث تعبر قوافل مليشياته لمناطق "قسد" لتزويد مناطقه بالحبوب والمحروقات
وتعد السخنة التي يمرّ الطريق بالقرب منها، منطقة نشاط متصاعد لخلايا تنظيم "داعش"، التي حاولت أكثر من مرة خلال العام الحالي السيطرة على المنطقة بشكل كامل، لكنها فشلت بسبب القصف الجوي من قبل طائرات روسية. وفضلاً عن كونه الطريق الأهم للقوافل التجارية العابرة من دمشق إلى دير الزور، فهو الطريق الذي تعبره سيارات النقل العامة. كما يعد طريق الإمداد الرئيسي لقوات النظام والمليشيات المساندة لها، والمتمركزة في محافظة دير الزور، وهو ما يجعله من الطرق التي يحرص النظام على بقائها تحت سيطرته. ويشكل هذا الطريق أهمية كبيرة للإيرانيين، الذين يحاولون خلق حقائق ميدانية من شأنها ترسيخ ممر برّي يبدأ من طهران مروراً بالعراق وسورية، وصولاً إلى لبنان على سواحل البحر الأبيض المتوسط.
وداخل الأراضي السورية، يبدأ هذا الطريق من ريف دير الزور الشرقي، جنوب نهر الفرات، والذي تسيطر عليه فعلياً مليشيات إيرانية طائفية منذ أواخر العام 2017، مع هروب عناصر "داعش" منه إلى البادية السورية. ويقيم التنظيم كمائن بشكل دائم لاعتراض أرتال هذه المليشيات التي تتحرك في بادية دير الزور مترامية الأطراف. ووفق مصادر محلية، تشكل هذه الكمائن والعمليات العسكرية المباغتة ضد قوات النظام والمليشيات الإيرانية أهم مصادر تمويل التنظيم بالسلاح والذخيرة، مشيرة إلى أن عناصر التنظيم يسلكون طرقاً ترابية للوصول إلى أهدافهم، معتمدين على دراجات نارية للتنقل.
وتشكل البادية نحو نصف مساحة سورية، حيث تربو عن 80 ألف كيلومتر مربع، حيث تتوزع إدارياً على عدة محافظات، هي: الرقة، دير الزور، حماة، حمص، ريف دمشق، والسويداء. وتتاخم البادية السورية حدود الأردن جنوباً، والعراق شرقاً، وهي غنية بالنفط والغاز والفوسفات. وتضم البادية السورية مدينة واحدة، وهي تدمر، والتي تقع بالقلب منها، إضافة الى العديد من البلدات، أبرزها السخنة والقرى الصغيرة والمتوسطة.