صراع الحقائب الوزارية يؤخر تشكيل الحكومة اللبنانية

04 يوليو 2022
يقول التيار الوطني إنه مع المداورة بين كل الوزارات وإنه لا يتمسك بـ"الطاقة" (حسين بيضون)
+ الخط -

لم تُسفِر المشاورات بين المسؤولين اللبنانيين لتعبيد طريق ولادة الحكومة الجديدة عن أي تقدِّمٍ حتى الساعة، في ظلِّ المعركة القائمة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الوزراء المُكلَّف نجيب ميقاتي حول بعض الحقائب الوزارية على رأسها وزارة الطاقة التي لم يُرضِ التغيير الذي أدخله عليها ميقاتي الفريق الرئاسي ومن خلفه رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل.

وتتجه الأنظار إلى اللقاء الثالث الذي سيُعقد بين عون وميقاتي منذ تكليفه في 23 يونيو/حزيران الماضي، ويأتي بعد سلسلة مواقف حادة متبادلة على "الجبهَتَيْن"، بدأت من بوابة تسريب التشكيلة الوزارية، واستكملت مع تصريح الرئيس المُكلَّف من الديمان مقرّ البطريركية المارونية أول من أمس السبت، فأتاه الردّ الأقوى من "التيار الوطني الحر" باتهامه بشكل مباشر بعدم وجود نية لديه بتأليف الحكومة.

وأطلق ميقاتي السبت بعد لقائه البطريرك الماروني بشارة الراعي مواقف حادة وجَّه فيها رسائل للفريق الرئاسي الذي "لا يمكنه القول أريد هذا وذاك وفرض شروطه، وهو أعلن أنه لم يسمِّ رئيس الحكومة ولا يريد المشاركة في الحكومة ولا يريد منحها الثقة"، على حدّ تعبيره.

وأطلق البطريرك الماروني بشارة الراعي بدوره في عظة الأحد مواقف لافتة بمطالبته إلى جانب تأليف حكومة جديدة، بانتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل موعد انتهاء ولاية الرئيس (أواخر أكتوبر) بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر، مشيراً إلى أن الشعب اللبناني ينتظر أن يكون الرئيس واعداً ينتشل لبنان من القعر الذي أوصلته إليه الجماعة السياسية أكانت حاكمة أم متفرِّجة".

ودعت اللجنة المركزية للإعلام والتواصل في "التيار" في بيان الأحد، ميقاتي إلى الخروج من قرار عدم التأليف وتشكيل حكومة بحسب الأصول والدستور، مشيرة إلى أن الرئيس المكلف لا نية لديه بتأليف الحكومة، متسائلة "كيف يسمح لنفسه بمخاطبة رئيس الجمهورية من الديمان بأنه يسمح له بإعطاء رأيه باسمين أو ثلاثة في حكومة هو شريك كامل بتأليفها حسب الدستور؟، وهو يفعل ذلك لعلمه بأنه هكذا كلام استفزازي للرئيس ولما ولمن يمثل هو وحده كفيل بوقف عملية التشكيل".

وقدّم ميقاتي للرئيس عون الأربعاء الماضي تشكيلة وزارية سُرِّبت سريعاً إلى الإعلام وسط تبادل اتهامات حول الطرف الذي أقدم على هذه الخطوة ونواياه التعطيلية، وتضمّنت إلى جانبه 23 وزيراً مع الإبقاء على غالبية الموجودين حالياً في حكومة تصريف الأعمال، وتبديل بعض الوزراء على رأسهم وزير الطاقة وليد فياض الذي يصرّ ميقاتي على "إبعاده" واستبداله بوليد سنّو من الطائفة السُنية الذي يُعرَف بمواقفه المعارضة للعهد.

واتُّهِمَ سنّو أخيراً من قبل مناصري "حزب الله" و"حركة أمل" (برئاسة نبيه بري) وأوساطهما الإعلامية، بالدعوة إلى التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي إثر مواقف كان أطلقها ربطاً بملف ترسيم الحدود البحرية والثروة الوطنية.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وبحسب المعلومات، فإن الرئيس المُكلَّف لا يتمسّك بسنّو ويقبل التباحث بأسماء أخرى ولكنه يضع نوعاً من الفيتو على فياض تحديداً، كما أنه غير متمسّك بالتشكيلة الوزارية بالكامل وهو منفتح على ملاحظات الرئيس عون، لذلك يحرص على لقائه بشكل مكثف ويأمل التعاون لتسريع عملية التأليف.

وبدأت أوساط فريق عون تركز على أهمية المداورة في الحقائب الوزارية وعدم التمسك بالطاقة، لكن بمقابل الحصول على وزارة "دسمة" تتقدمها وزارة الداخلية التي يعتبرها ميقاتي من حصّته.

ويقول النائب السابق في كتلة ميقاتي علي درويش لـ"العربي الجديد"، إن "المسار الحكومي برسم الساعات المقبلة فإما تأخذ الأمور منحى الهدوء أو ستتجه إلى مكانٍ آخر، ونتمنى المسار الأول والصحيح لتشكيل الحكومة، فيما يبقى الرئيسان عون وميقاتي المعنيين الأولين في هذه العملية".

ويشير درويش إلى أن هناك بحثاً في خمس حقائب وزارية أساسية وأمور أخرى يطلبها الرئيس عون، ولكن في المحصلة إن الرئيس ميقاتي يريد أن يحافظ على صيغة التوازن الموجودة في حكومة تصريف الأعمال وذلك في الحكومة المقترحة لأن الدخول بأي بزار كامل سيتخذ أشهراً بينما تتبقى 4 منها فقط لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.

ولا يضع درويش خطوة ميقاتي على صعيد وزارة الطاقة في دائرة الاستفزاز أو المواجهة أو نية التعطيل المسبقة؛ بل يشير أولاً إلى أن السبب في اختياره شخصية بعيدة من التيار أن الأخير هو الذي أعلن أنه لا يريد المشاركة في الحكومة ولا إعطاءها الثقة، فاقترح بالتالي تعديلها، عدا عن أن ملف الكهرباء ملتهب في لبنان وارتأى ميقاتي إحداث خرقٍ فيه في ظل المراوحة التي تطاوله خصوصاً أن وزارة الطاقة كانت تدور في فلك التيار السياسي منذ سنين طويلة.

ويقول مصدرٌ قيادي في "التيار الوطني الحر" لـ"العربي الجديد"، إن "الرئيس عون لا يرفض تشكيلة ميقاتي الوزارية بالكامل، رغم أنه يفضّلها موسَّعة وهو منفتح على مناقشتها مع الرئيس المُكلَّف، وهذا حق دستوري له كونه شريكاً في التأليف، وينتظر منه تقديمها بصيغة جديدة بعد إدخال تعديلات عليها".

ويضيف: "ليس صحيحاً أن باسيل هو الطرف المُعطِّل، إذ إن التشكيلة التي قُدِّمت فيها استفزاز واضح وصريح، أولاً بالشخصية التي اختارها لوزارة الطاقة وطائفتها أيضاً، في حين يعلن ميقاتي بالعلن أنه يمنح وزارة المال لـ(حركة أمل) وقد اختار حزبياً ونائباً سابقاً تابعاً لها هو ياسين جابر، وأن هذه الحقيبة خارج البحث تفادياً لإشكالات لا يريد الدخول بها الآن، وهذا دليل أن التيار ليس المُعطِّل أو المُعرقل وواضع الشروط".

في المقابل، يشير المصدر إلى أن التيار مع المداورة في كل الحقائب الوزارية، وليس متمسكاً بالتالي بوزارة الطاقة، ولكن يجب أن يحصل الفريق الممثل بكتلة نيابية وازنة في البرلمان على وزارات أساسية وسيادية، ومبينًا أنه من غير المقبول أن يضع ميقاتي خطوطاً حمراء على بعض الوزارات منها الداخلية، ويوزع أخرى على الكتل التي سمّته، وكأنه يعاقب التيار على عدم تسميته.

ولفت إلى أن التيار ربط مشاركته ببرنامج عمل على حكومة ميقاتي القيام به، ولا سيما الملف الاقتصادي واتخاذ موقف من حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة ولم يقفل الباب على تمثيله فيها.

وعلى صعيد اللقاءات السياسية، كانت لافتة الزيارة التي قام بها رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط إلى عين التينة أمس الأحد، للقاء رئيس البرلمان نبيه بري، وقد عبر عن أمله في تصريح له بعدم وضع بعض الأفرقاء في الداخل شروطاً تعجيزية في ما يتعلّق بتشكيل الحكومة، مع الإشارة إلى أن كتلة جنبلاط البرلمانية أعلنت عدم مشاركتها في الحكومة وتقديمها كل الدعم للمساعدة في التأليف.

وكان ميقاتي قد أبقى على عباس الحلبي في التشكيلة الجديدة على رأس وزارة التربية وهو محسوبٌ على "الاشتراكي"، كما اختار شخصية درزية أخرى لوزارة الصناعة متمثلة في رجل الأعمال والصناعي وليد عساف الذي كان سبق لجنبلاط أن طرح اسمه لإحدى الحكومات في فترة سابقة، لكنه اعتذر عن عدم المشاركة وقتها لظروف خاصة.