صدمة في ألمانيا بعد مجزرة بوتشا الأوكرانية: هل تقاطع برلين موسكو؟

04 ابريل 2022
تقارير عن إعدام العشرات من المدنيين في بوتشا (سيرغي سوبينسكي/فرانس برس)
+ الخط -

شكّلت الصور ومقاطع الفيديو الموثقة للمجزرة الرهيبة في بوتشا بالقرب من العاصمة الأوكرانية كييف، حيث تم إعدام العشرات من المدنيين مكبلي اليدين، وتمّ رمي جثثهم في الشوارع، صدمة في الوسط السياسي الالماني، ودفعت بعدد من السياسيين لمطالبة الحكومة بعدم التواطؤ، واتخاذ خطوات جدية، وحظر النفط والغاز الروسي عن البلاد، لاسيما وأنها على ما يبدو تحمل الكثير من المصداقية، لأنها ترافقت مع روايات شهود عيان عن جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الروسية الغازية لأوكرانيا، وتم جمعها من قبل مراسلين دوليين.

ورغم إعلان الحكومة، اليوم الاثنين، طرد أربعين دبلوماسياً روسياً على خلفية المجزرة، بقي وقع الصدمة محل تجاذب سياسي في البلاد، خصوصاً وأن وزير الاقتصاد روبرت هابيك، المعني المباشر بإمدادات الطاقة إلى البلاد، دعا إلى تشديد العقوبات على روسيا، لكنه يواصل رفضه حظر المشتقات النفطية منها، موضحاً في حديث مع القناة الثانية في التلفزيون الألماني "زد دي أف" مساء الأحد، أن ألمانيا تتبع إستراتيجية لجعل نفسها مستقلة عن الغاز والفحم والنفط الروسي، ولكن هذا لن يحصل على الفور.

في المقابل، اعتبرت السياسية عن حزب "الخضر" ماري لويزه بيك، أن ألمانيا لا تقدم ما تطلبه أوكرانيا من أسلحة، وعلى الحكومة أن تتخذ خطوات حاسمة في الأيام المقبلة، سواء في ما يتعلق بتسليم الأسلحة أو مسألة حظر الطاقة. وأشارت إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قادر على تدمير مناطق بأكملها، ومستعد لأي شيء إذا لم تتم معارضته.

من جهته، قال الصحافي روبن ألكسندر، إنه لو اكتفت أوكرانيا بالأسلحة التي قدمتها ألمانيا، لكان بوتين قد انتصر في حربه، قبل أن يضيف أن برلين قامت بأخطاء سياسية عندما ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم، واعتمدت أكثر فأكثر على الغاز الروسي، في حين كان بوتين يسلّح نفسه.

وفي سياق متصل، أعرب السفير الأوكراني لدى ألمانيا أندريه ميلينك، عن رعبه من الفظائع التي ارتُكبت في بوتشا، ومن أنه كان يجب منذ أسابيع وقف شحنات الغاز من روسيا، وهو السلاح الأكثر حدة. وانتقد السفير في حديث مع شبكة "إيه آر دي" الإخبارية، سلوك الحكومة الألمانية بتلكؤها في مساندة أوكرانيا، قائلاً: "لا أعرف أي خط أحمر يجب أن يكون لاتخاذ إجراء هنا في برلين"، مطالباً المستشار الألماني أولاف شولتز بتولي الدور القيادي، وبأن تكون العقوبات أولوية قصوى، والدفع باتجاه ذلك داخل الاتحاد الأوروبي، بعد أن منعت برلين أشياء كثيرة في بروكسل، على حدّ قوله. وأمل في أن تلعب الحكومة دوراً رائداً في إقناع المتشككين داخل الإتحاد الأوروبي في اتخاذ الخطوة الصحيحة.

وفي الإطار، رفض الزعيم المشارك لـ"الحزب الاشتراكي الديمقراطي" الحاكم لارس كلينغبايل، الوقف المفاجئ لضخ الغاز، بعد الكشف عن صور مجزرة بوتشا، مشيراً إلى أنه ورغم أن المذبحة مروعة، "أعتقد أن الحظر الفوري للغاز خاطئ لأسباب عديدة". وشرح، في برنامج حواري الأحد مع شبكة "إيه آر دي" الاخبارية، أن بوتين لن يوقف القتل الوحشي، ومن الضروري أن نتحدث عن العواقب التي قد تترتب على ذلك، ولا يتعلق الأمر بالصناعة وحسب، بل أيضاً بالتماسك الاجتماعي، مشككاً بأن يؤدي تجميد ألمانيا لإمدادات الطاقة الروسية، إلى دفع الرئيس بوتين إلى إنهاء حربه العدوانية، ووقف القتل الوحشي، وأن ما يفعله زعيم الكرملين الآن لا يقوم على أسباب اقتصادية.

وأوضح كلينغبايل أن ألمانيا تقدم لكييف أكثر مما هو معروف من قبل الجمهور. هذا الرأي شاركه فيه زعيم "الاجتماعي المسيحي" في بافاريا ماركوس سودر، حول أن هناك صعوبة في حظر الغاز بين ليلة وضحاها، ومتحدثاً عن أنه وبنتيجة ذلك، ستخرج أجزاء كبيرة من الاقتصاد الألماني عن المسار الصحيح، وستتعرض الشركات لأضرار جسيمة.

في سياق متصل، أشارت شبكة "أن تي في" الإخبارية، إلى أنه ولأكثر من خمسة أسابيع، كانت أوروبا وألمانيا تراقب المذابح الروسية في أوكرانيا، وبعد مجزرة بوتشا، يرفض المستشار شولتز وصف بوتين علانية بأنه مجرم حرب، ومع محاسبة مرتكبيها، وكأن البربرية التي ترتكبها روسيا يمكن وضعها في صيغ قانونية، مبرزة أن استمرار الشركات الأوروبية في موسكو فضيحة.

ولفتت إلى أنه على الرغم من أن العقوبات وحظر الطاقة الآن يُعدّ مكلفاً، إلا أن إخفاقات الماضي لا يمكن أن تكون حجة لمقاومة العواقب المتأخرة، وأولئك الذين ما زالوا يتعاملون مع روسيا متواطئون أكثر من أي وقت مضى. كل ذلك، بعد أن بينت التقارير حجم الهجمات على المناطق السكنية والمستشفيات والمدارس، مع استخدام القنابل العنقودية، إلى التجويع المستهدف لمدن مثل ماريوبول وتشيرنيهيف، والاختطاف والقتل العشوائي للمدنيين، والاغتصاب، وهذا يدلّ على أن ما تفعله روسيا ليس مجرد حرب ذات أضرار جانبية، إنما حرب إبادة.

المساهمون