اتجاه إسرائيل لضم ثلث الضفة الغربية هو غيض من فيض شهر عسل الدولة العبرية بأبعاده المحلية والإقليمية والدولية. حكومة "الوحدة" بين بنيامين نتنياهو وبيني غانتس يقابلها تشرذم فلسطيني متجذر بين حركتي "فتح" و"حماس". لسخرية القدر، هذه الأيام تعلن السلطة الفلسطينية وقف التعاون الأمني مع الجانب الإسرائيلي فيما حكومة غزة تنسق بشكل غير مباشر مع تل أبيب، حكومة رام الله تطرق أبواب النظام السوري، فيما حكومة غزة تتقاطع مصالحها مع النظام المصري.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعطي نتنياهو شيكاً على بياض للبقاء في السلطة تحت مسميات مشاريع إسرائيلية توسعية، فيما نظيره الروسي فلاديمير بوتين يكتفي بلعب دور الإطفائي الذي يدّعي إخماد الحريق. حتى في الخريطة الإقليمية، فمصالح إسرائيل في ذروتها. طائرة إماراتية لشحن المساعدات تحط في مطار "بن غوريون" فيما تهبط طائرة مساعدات تابعة للخطوط الجوية الإسرائيلية في مدينة إسطنبول. لكن الحدث يصبح رفض السلطة الفلسطينية استلام هذه المساعدات الإماراتية بدل توسع رقعة التطبيع العربي مع إسرائيل، فيما تلتزم أنقرة الصمت حول هذا الغزل الإسرائيلي تحت عنوان أزمة كورونا.
السلطة الفلسطينية تقف مشلولة أمام مرحلة تتركها بين خيارين: مواجهة انتحارية تنهي مبرر وجودها، أم قبول أمر واقع جديد يقضي على ما تبقّى من شرعيتها، فيما ينشغل داعموها التقليديون العرب باسترضاء ترامب واستعداء إيران فوق أي اعتبار آخر. إسرائيل تنظّم ثلاث عمليات اقتراع في أقل من عام وتتّحد لابتلاع أجزاء من الضفة الغربية، فيما لا يزال القادة الفلسطينيون يعانون من تداعيات انتخابات حصلت عام 2006 ولا يجدون داء غير استمرار انقساماتهم على حساب المصلحة الفلسطينية العليا.
حصل الضم أو لم يحصل، ما يحدث الآن هو تكريس ليس فقط لأمر واقع الاحتلال بل لسطوة إسرائيل على الفلسطينيين في علاقاتها الخارجية. عدالة القضية الفلسطينية لم تعد هي المعيار بعد إفراغها من مضمونها وجعلها عبئاً على أنظمة عربية تتسارع أو تتهالك في وتيرة انهيارها. السلطة الفلسطينية أصبحت من دون صمام أمان بعدما وضعت كل بيضها في سلة المفاوضات، فيما حكومة غزة تبحث عمّن يعيلها ويشرعن وجودها. لمن يهمه الأمر، لهذه الأسباب تمعن إسرائيل في انتصاراتها.