استمع إلى الملخص
- تضمنت الشهادات تفاصيل مروعة عن التعذيب، مثل الضرب المبرح، الحرمان من الطعام والماء، وانتشار الأمراض الجلدية مثل الجرب.
- طالبت الهيئة المنظومة الحقوقية الدولية بالتدخل لوقف هذه الجرائم ومحاسبة قادة الاحتلال، مشيرة إلى الإخفاء القسري ومنع زيارات الصليب الأحمر.
كشفت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية ونادي الأسير الفلسطيني، اليوم الثلاثاء، عن شهادات جديدة لمجموعة من معتقلي غزة القابعين في (سجن النقب الصحراوي)، موردة جرائم التّعذيب والتّنكيل والاعتداءات المرعبة التي تعرضوا لها.
وأوضحت الهيئة والنادي في بيان صحافي، أن تلك الشهادات جاءت استناداً لمجموعة من الزيارات التي أجراها محامو هيئة الأسرى مؤخراً وشملت ثمانية معتقلين، معظمهم تعرضوا للاعتقال في بداية الاجتياح البري لغزة، وتحديداً عبر ما يسمى (الممر الآمن)، خلال نزوحهم من شمال غزة إلى جنوبها، وآخرين جرى اعتقالهم من مدارس الإيواء، ومن مستشفى الشفاء.
وتضمنت شهادات المعتقلين الثمانية، تفاصيل عن جرائم التّعذيب والتّنكيل والاعتداءات المرعبة التي تعرضوا لها تحديداً في الفترة الأولى على اعتقالهم، وذلك قبل نقلهم إلى سجن النقب. وأشارت الهيئة والنادي إلى أنّ التفاصيل المروّعة التي تعرض لها المعتقلون بشكل أساسي ارتبطت في الفترة الأولى على اعتقالهم، إلا أنّ هذا لا يعني أنّ جرائم التّعذيب قد توقفت بحقّهم بعد نقلهم من المعسكر الذي أشاروا له أنه في (غلاف غزة) إلى السّجون، بل ما يزال جميع المعتقلين يتعرضون لظروف صعبة ومأساوية تعجز اللغة بحسب وصفهم عن نقل حقيقة ما يجري بحقّهم بشكل لحظي داخل السّجن، وتحديداً في المرحلة الحالية بسبب انتشار الأمراض الجلدية بين صفوفهم، تحديداً مرض (السكايبوس – الجرب)، الذي أصبح أداة من أدوات التّعذيب والتّنكيل.
وأشارت الهيئة والنادي إلى أنه بحسب المعطيات التي حصلتا عليها من معتقلي غزة في (سجن النقب)، فإن هناك حوالي 1200 معتقل من غزة في سجن النقب موزعين على ثمانية أقسام كل قسم يضم (150) معتقلاً. واستعرضت هيئة الأسرى ونادي الأسير، شهادة مركزية لأحد المعتقلين، إضافة إلى إفادات أخرى ضمت تفاصيل عن جرائم تعرضوا لها وكذلك عن ظروف السّجن حالياً.
وأكدت الهيئة والنادي أنّ هذه الزيارات جزء من سلسلة زيارات أجرتها المؤسسات الحقوقية، وهي زيارات محدودة تمت بشكل أساسي للمعتقلين في معسكر (عوفر)، وسجن النقب، إضافة إلى عدد من الزيارات لمعتقلين في معسكر (سدي تيمان) الذي شكّل المحطة الأبرز لجرائم التّعذيب لمعتقلي غزة، إلى جانب مجموعة من المعسكرات التي لا يقل فيها مستوى جرائم التّعذيب عن مستوى الجرائم التي تعرض لها المعتقلون في معسكر (سدي تيمان).
ونشرت الهيئة والنادي شهادة المعتقل (س.د) (37 عاماً) المعتقل منذ شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، ويقبع اليوم في (سجن النقب)، ويقول: "تعرضت للاعتقال في شهر نوفمبر الماضي عبر ما يسمى (بالممر الآمن)، خلال عملية نزوحي من الشمال إلى الجنوب، وقد تعرضت للضرب المبرِّح بعد الاعتقال، والذي تركز على المناطق الحساسة، حتى تعمدوا سحبي من شعر جسدي بطريقة مؤذية ومذلة، وأنا مقيد ومعصوب العينين، وبعد نقلي إلى أحد المعسكرات في غلاف غزة إلى جانب العديد من المعتقلين، كنا نتعرض لعمليات تعذيب على مدار الساعة".
ويضيف: "قام أحد السّجانين بربطي لمدة ثمانية أيام من الخلف، وتعرضت للضرب على ظهري حتى نزل الدم من جسدي، هذا عدا عن الإهانات وعمليات الإذلال الممنهجة بكل الطرق والأساليب، ففي المرحلة الأولى كان الأسرى يضطرون إلى قضاء حاجتهم في ملابسهم، وكنا نواجه العطش والجوع، ففي تلك المرحلة كان الطعام عبارة عن ثلاث قطع من الخبز، وأنا وجميع المعتقلين في المرحلة الأولى أصبنا بكسور وجروح بليغة، ولم نتلق أي علاج".
ويتابع المعتقل (س.د): "بقيت ثمانية شهور وأنا أرتدي الملابس نفسها، كما حرمنا من الاستحمام لمدة 18 يوماً، وفعلياً كان الهدف من الضرب في المرحلة الأولى، إعدامنا، والتسبب في عاهات مستديمة للأسرى، ومع ذلك ما زلنا نتعرض لظروف اعتقال قاسية جداً، فنحن محتجزون في قسم الخيام، وجميعنا نعاني كسوراً وأمراضاً وتحديداً الأمراض الجلدية، التي تفشت بيننا نتيجة انعدام النظافة، والظروف الصحية داخل السّجن".
وأردف "أنا وغالبية المعتقلين نعاني انتشار حبوب ودمامل في كل أنحاء الجسد، والتي سببت لنا التهابات حادة، وما فاقم من انتشارها الفرشات الإسفنجية، وهي فرشات بدون غطاء، واحتكاك أجسادنا بها مع قلة النظافة أدى إلى مفاقمة معاناتنا من الحكة الشديدة والالتهابات، فداخل القسم الذي أُحتجز فيه اليوم 150 معتقلاً، كنا على مدار الفترة الماضية نستخدم حماماً واحداً، والأغطية لا يتم غسلها مطلقاً، وفي فترات الحر الشديد انتشرت الثعابين والحشرات، ومنذ شهر فبراير/شباط الفائت لم يتم تغيير أوعية الطعام، والتي تحولت إلى مصدر أساسي لانتشار الأمراض، كما واجهنا في شهري إبريل/نيسان ومايو/أيار الفائتين مجاعة حقيقية، فقد تم حرماننا من الطعام، اليوم فقط ما تمت إضافته هو حمّام للـ150 معتقلاً، ويتم تحديد ساعات محددة لاستخدامه، من الساعة الثامنة صباحاً إلى الواحدة ظهراً".
ونشرت الهيئة والنادي إفادة أخرى للمعتقل (ف.ي) البالغ (35 عاماً)، والذي اعتقل في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ويقبع في (سجن النقب)؛ فإلى جانب جرائم التعذيب التي تعرض لها، تحدث مطولاً عن انتشار مرض (الجرب- السكايبوس)، حيث أكّد أنّ غالبية المعتقلين يعانون انتشار الدمامل في أجسادهم، والتهابات شديدة نتيجة للحكة الشديدة التي يعانونها على مدار الساعة، ويواجهون كل ذلك من دون أدنى نوع من أنواع العلاج، وما تزال ظروف الاعتقال قاسية وصعبة جداً، مع انعدام النظافة، "فالحمّامات التي نستخدمها يخرج منها الديدان، ومنذ اعتقالنا لم نحصل على مقص للأظافر ونضطر إلى برد الأظافر بالحائط، حيث إن انعدام النظافة حوّلت القسم إلى مكان موبوء". فيما أشارت الهيئة والنادي إلى أن هذا ما أكده بقية المعتقلين الذين تمت زيارتهم.
كما أفاد ثلاثة معتقلين آخرين جرى اعتقال اثنين منهم من مدارس كانت تضم نازحين، وآخر تم اعتقاله برفقة العشرات من مستشفى الشفاء، بأن جنود الاحتلال تعمدوا تجريدهم من ملابسهم بعد اعتقالهم، والاعتداء عليهم بالضرب المبرح قبل نقلهم إلى أحد المعسكرات في غلاف غزة، وتعرضوا خلالها لأبشع أنواع التّعذيب والإهانات والسحل والشد من الشعر والحرمان من استخدام المرحاض، ومنذ نقلهم إلى سجن النقب بعد عدة تنقلات تعرضوا لها، فإن جميع المعتقلين، بحسب وصفهم، ينامون "جوعانين وبردانين"، عدا عن مرض الجرب الذي تحوّل إلى شكل من أشكال التّعذيب الجسديّ والنفسيّ.
وأكدت هيئة الأسرى ونادي الأسير أنّه وبعد مرور نحو عام على حرب الإبادة المستمرة بحقّ الشعب الفلسطيني، يواصل الاحتلال استخدام كل السياسات الممكنة والأدوات في سبيل تعذيب الأسرى والمعتقلين في سجونه ومعسكراته التي تحوّلت إلى ساحة لعمليات التعذيب، والتي تتم بشكل لحظي. ولفتت الهيئة والنادي إلى أنّ ما يجري بحقّ الأسرى والمعتقلين يشكل اليوم وجهاً من أوجه حرب الإبادة، وهذا ما تعكسه شهادات المعتقلين المروعة والقاسية التي لا تتوقف، بل إنّ عامل الزمن ومرور المزيد من الوقت على المعتقلين في ظل هذه الجرائم، تضاعف من التهديدات التي تمس مصيرهم، حيث تعمل منظومة السجون على ابتكار المزيد من الأدوات لسلبهم إنسانيتهم.
وجددت الهيئة والنادي مطالبتهما للمنظومة الحقوقية الدولية باستعادة دورها اللازم، ووضع حد لحالة العجز أمام جرائم الاحتلال الممنهجة، في ضوء حرب الإبادة المستمرة، وكذلك الجرائم التي تنفذ بحقّ الأسرى والمعتقلين، وتقديم قادة الاحتلال إلى المحاكم الدولية لمحاسبتهم على حرب الإبادة وعمليات السلب والمحو التي تتم بشكل ممنهج بحقّ كل ما هو فلسطيني.
من الجدير ذكره أنّ سلطات الاحتلال الإسرائيليّ، فرضت جريمة الإخفاء القسري على الآلاف من معتقلي غزة، ومنذ عدة شهور وفي ضوء بعض التعديلات القانونية التي تمت، تمكّنت المؤسسات الحقوقية من زيارات محدودة لمعتقلي غزة، إلا أنّ هناك العديد منهم ما زالوا رهن الإخفاء القسري، عدا عن الآلاف من المفقودين، كما أنّ الاحتلال يرفض حتى اليوم السماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارتهم أو معرفة أي معطيات تتعلق بالأسرى والمعتقلين، هذا عدا عن جملة العراقيل الكبيرة التي تواجه الطواقم القانونية منذ بدء الحرب في متابعة الأسرى وزيارتهم.