شهادات محرَّرين| الاحتلال يحول قسم "23" في سجن عوفر إلى مركز تعذيب لأسرى غزة

14 فبراير 2024
لا يعرض أسرى قطاع غزة على المحامين ولا يذهبون إلى المحاكم (Getty)
+ الخط -

كشفت شهادات لأسرى فلسطينيين محررين، في حديثهم مع "العربي الجديد"، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي حولت قسم (23) في سجن عوفر المقام على أراضي بلدة بيتونيا في رام الله وسط الضفة الغربية، إلى مركز تعذيب وحشي غير مسبوق لأسرى قطاع غزة.

وكانت إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلي قد أعلنت، في نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عن احتجاز 260 معتقلاً ومعتقلة من قطاع غزة في تلك السجون، وقد صنّفتهم "مقاتلين غير شرعيين".

ولاحقاً أعلنت مؤسسات الأسرى الفلسطينيين أن الرقم ارتفع إلى أضعاف، وحذرت من تعامل غير مسبوق مع الأسرى الذين يتم اعتقالهم من داخل قطاع غزة، خصوصاً أن إدارة السجن لا تعلم باستمرار عن أعداد المعتقلين من غزة.

تعذيب وحشي بالتناوب

وفي حديثه مع "العربي الجديد"، يؤكد أسير فلسطيني محرر من سجن عوفر، فضل عدم ذكر اسمه، أن الأسرى كانوا يستمعون إلى أصوات تعذيب قريبة منهم لأسرى من قطاع غزة خلال اقتحام قوات القمع أقسامهم، وأكد الأسير المحرر أن قوات الاحتلال كانت تطلق الكلاب على أسرى غزة وهم على الأرض عراة دون ملابس، معصوبو الأعين ومكبّلو الأيدي.

ويروي الأسير المحرر شهادته بعد لقائه أسيراً من قطاع غزة في غرفة الانتظار المخصصة عند نقل الأسرى بين السجون والأقسام وإلى المحاكم أو التحقيق، ويؤكد أن عدد الأسرى في قسم (23) وصل إلى نحو 25 أسيراً تضعهم إدارة السجون في ثلاث غرف، وسط انعدام وجبات الطعام، خصوصاً في الأيام الأولى من الاعتقال.

أسرى "نخبة القسام"؟

وعلى الرغم من أن إدارة سجون الاحتلال ادعت أن معظم أسرى قطاع غزة في سجن عوفر هم من "قوات النخبة" التابعة لكتائب القسام - الذراع العسكرية لحركة حماس، وهي القوة التي نفّذت عملية "طوفان الأقصى"، أكد أسير فلسطيني محرر آخر، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنه موجود في القسم بين الأسرى مدنيون اجتازوا الحدود بعد انهيار فرقة الجيش الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بالإضافة لعمّال من قطاع غزة كانوا يعملون داخل الخط الأخضر واعتقلهم الاحتلال بعد بدء الحرب.

وبحسب الأسير المحرر، فإن أسرى قطاع غزة لا يعرضون على المحاكم الإسرائيلية، ويكبلون عند خروجهم إلى مراكز تحقيق الشرطة والمخابرات الإسرائيلية بصورة مسيئة وقاسية، إذ تربط أيديهم وأرجلهم بسلسلة حديدية متصلة بسلسة أخرى في عنق الأسير، ليمنع الأسير من الحركة والمشي بشكل سليم.

وفي العادة، تنفذ إدارة السجون بشكل يومي ثلاث جولات تفتيشية بعد ساعات الفجر والظهر والمغرب تسمى "العدد"، يتم فيها التأكد من أعداد الأسرى في كل غرفة عبر المناداة على أسمائهم. 

وفي مشهد غير إنساني ولا يتوافق مع القواعد والقوانين الدولية، يقول الأسير المحرر إن قوات الاحتلال تطلب من أسرى قطاع غزة بعد النداء على أسمائهم بالرد من خلال النباح (أي تقليد صوت الكلاب)، وتعمد على تعذيب كل من يرفض الانصياع لمثل هذه الإجراءات.

وخلال الأسابيع الأخيرة الماضية، يوضح الأسير المحرر أن إدارة السجون سمحت بإدخال ملابس تستر الأسرى، لكنها لا تقيهم من برد الشتاء، كما سمحت يإدخال وجبة واحدة يومية لهم لا تكفي لإطعام أسيرين، وغالباً ما تكون من الطعام الفاسد الذي نشر حالات تسمم بين الأسرى في مختلف الأقسام.

منع قسري

من جهة أخرى، تمنع إدارة السجون منذ بداية الحرب على غزة زيارات المؤسسات المعنية بقضايا الأسرى للسجون، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أو المحامين في المؤسسات الحقوقية داخل إسرائيل مثل مركز "عدالة"، أو المؤسسات الفلسطينية مثل هيئة شؤون الأسرى، فيما سمحت مؤخراً بعدد محدود من الزيارات لسجن عوفر من قبل المحامين للأسرى وفق شروط وقيود، ودون السماح لهم بلقاء الأسرى من قطاع غزة الذين اعتقلوا قبل وبعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

من جهته، قال الوكيل المساعد في هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية، عبد العال العناني، إنّ عملية عرض أسرى قطاع غزة على المحاكم تجري بشكل يخالف كل القوانين الإسرائيلية التي تدّعي إدارة السجون تطبيقها.

وأكد العناني، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن هيئة شؤون الأسرى لا تملك معلومات دقيقة حول ظروف اعتقال أسرى قطاع غزة، سواء في سجن عوفر أو أي سجن آخر، خصوصاً بعد أن أعادت السلطات الإسرائيلية إقامة معسكر "ساديه تيمان" في بئر السبع (جنوباً) والمخصص للتعامل مع أسرى قطاع غزة المقاومين، والذي تشبه ظروفه ظروف السجن الأميركي "غوانتانامو".

ويمارس الاحتلال إخفاءً قسرياً بحق أسرى قطاع غزة، الرجال والنساء منهم أيضاً، وفق ما يقول العناني، الذي أشار إلى أن إدارة السجون تحرم أسيرات غزة من التواصل مع أسيرات الضفة في سجن الدامون (شمالاً)، حيث تقدّر أعداد النساء الأسيرات من غزة بقرابة 50 أسيرة لم يتمكن الصليب الأحمر من الحصول أو تقديم معلومة واحدة عنهن أو عن ظروف اعتقالهن، بحجّة منع إدارة السجون لهن من الزيارة، بذريعة إسرائيلية هي أن على فصائل المقاومة في غزة السماح للصليب الأحمر بزيارة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة. 

وحذّرت هيئة شؤون الأسرى والمحررين في بيانٍ لها، من مصادقة الكنيست الإسرائيلي بالقراءة التمهيدية، على سلب معتقلي قطاع غزة الذين اعتقلوا بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، حق التمثيل القانوني أمام المحاكم العسكرية الإسرائيلية، معتبرةً أن المصادقة على القرار تدلل على مدى استهتار الاحتلال الإسرائيلي بالنظام القضائي العالمي. 

سجن عوفر

يقع سجن عوفر المقام على أراضي بلدة بيتونيا غرب مدينة رام الله في الضفة الغربية، حيث أقيم مطلع ثمانينيات القرن الماضي، ويحتوي على محكمة عسكرية ومركز توقيف، وغرف مصائد أسست قبل نحو 5 أعوام، مخصصة لإسقاط الأسرى وإجبارهم على الاعتراف، معروفة بـ"غرف العصافير". 

وقبل بدء العدوان على غزة، كان عدد غرف القسم الواحد في سجن عوفر 12 غرفة موزعة على أقسام من 1 إلى 20، لكن بعد الحرب افتتحت إدارة السجون 5 أقسام جديدة في كل قسم 20 غرفة.

وكان متوسط عدد الأسرى في الغرفة الواحدة قبل الحرب ما بين 6 إلى 8 أسرى، في حين تمارس إدارة السجون عقاباً جماعياً بوضع قرابة 15 أسيراً في الغرفة الواحدة بلا أغطية أو ملابس أو أدنى متطلبات الحياة.

ويبلغ إجمالي عدد الأسرى في سجون الاحتلال حتّى نهاية شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، (9000) أسير، وهي إحصائية لا تشمل أسرى قطاع غزة الذين يتعرضون للإخفاء القسري وسط مخاوف تتصاعد بشكل كبير حول إقدام الاحتلال على تنفيذ إعدامات ميدانية بحقهم، وفق بيان عن المؤسسات المعنية بقضايا الأسرى في فلسطين.

المساهمون