تستعد أغلب مدن شرق ليبيا لانطلاق مظاهرات شعبية واسعة، مساء اليوم الاثنين، لـ"إنقاذ ليبيا من الفساد والمفسدين"، والمطالبة بالتحقيق في قضايا الفساد التي أدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية للمواطن، في الوقت الذي بدأت مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر بشن حملة اعتقالات واسعة في صفوف النشطاء المدنيين.
وأصدر منظمو المظاهرات، التي أطلقوا عليها اسم "إنقاذ ليبيا من الفساد والمفسدين"، بيانا تحت شعار "شعب ليبيا الكريم غدا يوم التغيير"، مؤكدين ضرورة المشاركة الواسعة من قبل المواطنين في كل مدن شرق ليبيا.
وحدد البيان مدينة بنغازي مكانا لانطلاق المظاهرات قبل أن تعمّ مدن شرق ليبيا، مطالبين المتظاهرين بالتزام الشروط السلمية للتظاهر والتي تكفل عدم اختراق المظاهرة أو حرفها عن مسارها، موضحين أن المظاهرة ستكون في ميدان واحد لتفادي الاختراقات والتعدي على المباني والمؤسسات.
وخاطب البيان المتظاهرين بالقول: "خروجك ساعات قد يصنع فارقاً. قوتنا ومقاومتنا للتشويه ومحاولة الاختراق، نستمدها منك، ولن نقبل أن تقوم أي جهة بتوظيف الحراك لصالحها، فالفساد نخر الكل بدون استثناء. مطالبنا واضحة، والشعارات التي سنرفعها أوضح، ولن نتحمل مسؤولية أي شعارات لا تنتمي لأهدافنا".
وأشار النشطاء، في بيانهم، إلى أن مطالبهم تتضمن أيضاً "محاربة كافة أشكال الفساد في كل أجهزة الدولة السياسية والمدنية والعسكرية، ومطالبة السلطة القضائية بتحريك الدعاوى الجنائية بشأن المخالفات القانونية الواردة في تقارير ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية، بما في ذلك إصدارها أوامر تجميد أرصدة المتهمين ومنع مغادرتهم البلاد".
كما شدد البيان على "ضرورة الإسراع في إجراء انتخابات مبكرة تضمن إزالة كل الأجسام السياسية والتخلص من الطبقة الحاكمة التي نخرها الفساد والعبث، ونهبت مقدرات الشعب الليبي، واستنزفت خيراته، وخانت أمانة تمثيله والدفاع عن مصالحه، وانتهكت حقوقة وحرياته".
وجاء البيان بعد يومين من إعلان قيادة حفتر ونائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق اتفاقا بشأن استئناف تصدير وإنتاج النفط، وهو الاتفاق الذي لم يلق ترحيبا شعبيا في شرق البلاد، ما يشير إلى أن المظاهرات جاءت كرد ضمني يعبر عن رفض الشارع مساعي حفتر.
وأكدت مصادر محلية متطابقة أن أجهزة أمن تابعة لمليشيات حفتر، من بينها جهاز مكافحة الظواهر السلبية وجهاز مكافحة الإرهاب، المؤلف من عناصر المداخلة المسلحين، أطلقت حملة اعتقالات واسعة في أكثر من مدينة، على رأسها بنغازي، خلال الساعات الماضية.
وقالت المصادر لـ"العربي الجديد" إن جهاز مكافحة الإرهاب اقتحم ما لا يقل عن عشرة منازل لمواطنين على صلة بالنشطاء الداعين لمظاهرات اليوم، واقتيد أصحابها إلى جهات مجهولة، في محاولة لإحباط المظاهرة.
أجهزة أمن تابعة لمليشيات حفتر، من بينها جهاز مكافحة الظواهر السلبية وجهاز مكافحة الإرهاب، المؤلف من عناصر المداخلة المسلحين، أطلقت حملة اعتقالات واسعة في أكثر من مدينة، على رأسها بنغازي، خلال الساعات الماضية
لكن اتساع صوت الرافضين لبقاء حفتر يبدو أنه في تعال وتزايد، فقد أصدر شباب قبيلة المغاربة، القبيلة التي تقع موانئ النفط في أراضيها وسط البلاد، بيانا أكدوا فيه رفضهم لـ"من يعمل من أجل صفقات سياسية لتقاسم ونهب ثروات البلاد"، في إشارة واضحة لاتفاق حفتر ومعيتيق.
وأعلن بيان قبيلة المغاربة، في بيانها ليل البارحة الأحد، عن تأييدهم لمسار البعثة الأممية لحل الأزمة الليبية "الذي انطلق في جنيف للخروج بتسوية سياسية تحقق الاستقرار والسلام في ليبيا".
وتابع البيان: "لا مخرج من الأزمة إلا بالحوار والتفاهم، وقد سئمنا الحرب التي ندفع ضريبتها باستمرار"، مؤكدين رفضهم "لمن يتحدث باسم برقة للمساومة السياسية، فالحوار يجب أن يكون مع الفاعلين على الأرض، وليس مع من يعمل من أجل صفقات سياسية لتقاسم ونهب ثروات البلد".
وفي إشارة أخرى لرفض مسار حفتر للحل العسكري، أكد بيان الشباب على ضرورة "المضي في المسار الديمقراطي المدني".
وأكد عبد السلام البرغثي، أحد منظمي مظاهرات اليوم، أن التنسيق بين النشطاء هدفه "تنشيط صوت الشارع، وبعث الحياة فيه للمشاركة في الضغط على المتنفذين في المشهد والساعين للبقاء فيه استباقا لمسارات الحل السياسي، التي تجري حاليا في الكثير من العواصم"، مشيرا إلى أن "المظاهرات تهدف إلى عدة أهداف، ولا تتوقف عند الاحتجاج على سوء الأوضاع المعيشية".
وفيما تحفظ البرغثي، في حديثه لــ"العربي الجديد"، على التعليق على الاعتقالات الواسعة التي شنتها مليشيات حفتر ضد نشطاء مدنيين على صلة بالمظاهرات، أكد أن "قرار انطلاق المظاهرات اتخذ ولا تراجع عنه، وأن اتساع دائرة المظاهرات لتشمل مدناً أخرى في شرق ليبيا تؤكده تنسيقات واتصالات مع نشطاء في العديد من المدن".
وأكد الناشط السياسي الليبي عقيلة الأطرش، من جانبه، على أن "تشديد بيان منظمي المظاهرات على ضرورة أن تكون في ميدان واحد لضمان عدم اختراقها، جاء بسبب معلومات تؤكد استعداد أجهزة أمن حفتر لاختراق المظاهرات والخروج بها عن الطابع السلمي، لتسهيل عملية إجهاضها وتحويلها إلى احتجاجات تخريبية".
لكن الأطرش أوضح، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "مجرد إعلان المظاهرات تحت شعار "التغيير" وحده يدل على تغير كبير في شرق البلاد، وأن الشارع في اتجاهه لكسر حاجز الخوف والرهبة التي لطالما سيطر بها حفتر طيلة سنين ماضية"، معتبرا أن "غياب رئيس مجلس نواب طبرق وحكومته عن المشهد يجعل حفتر هدفا للمطالبة بالتغيير".
وهي قراءة توافق عليها الصحافية الليبية نجاح الترهوني، بل تؤكد أن "المظاهرات سيكون لها أثر مباشر إذا اتسعت وفرضت نفسها في المشهد على مسار التسويات الجارية في العديد من العواصم المتصلة بالملف الليبي، بل قد تسرع من وتيرته".
وقالت الترهوني لـ"العربي الجديد" إن "اتفاق حفتر كان يرمي من خلاله إلى التخلص من الضغوط الدولية من أجل استئناف تشغيل النفط والقول إنه أعلن عن فتح الحقول، ورمي الكرة في ملعب حكومة الوفاق، لكنه فشل، إذ إن معيتيق لا يملك قرار الحكومة، ولا المجلس مجتمعا".
وأكد المجلس الأعلى للدولة على دعمه جلسات الحوار التي أقيمت في المغرب وسويسرا من خلال ثلاثة مسارات، "أولها المسار الدستوري من خلال إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور، والمسار الثاني ما يتعلق بتعديل السلطة التنفيذية من خلال تعديل المجلس الرئاسي برئيس ونائبين ورئيس حكومة منفصل عن المجلس الرئاسي"، بحسب بيان له مساء الأحد، ما تعتبره الترهوني "ردا غير مباشر على مساعي حفتر ومعيتيق لخرق مسارات الحل التي يسعى للتوافق حولها مجلسا الدولة والنواب".
لكن بيانا لمجلس النواب المجتمع في طرابلس، صدر ليل الأحد، جاء أكثر صراحة لرفض "أي اتفاق أحادي الجانب وخارج إطار الشرعية، أو أي مخرجات تعيد حفتر للمشهد السياسي"، مشددا أيضا على رفض "أي محاولات لنقل القضية الليبية خارج مظلة الأمم المتحدة، وبمشاركة كافة الأطراف، وفق الاتفاق السياسي والإعلان الدستوري"، بحسب البيان.
وحمل المجلس المسؤولية للمجلس الرئاسي "تجاه أي اتفاقات أحادية دون عرضها على مجلس النواب، ونطالبه باتخاذ الإجراءات اللازمة".
وتوضح الترهوني أن "حفتر بات يعيش حصارا حقيقيا بعد أن فقد كل أوراقه، وآخرها ورقة النفط"، وقالت "عليه الآن أن يواجه الشارع، فحماس المنظمين وتوسع دائرة الدعوات للتظاهر لا يبدو أنها تشير على حراك شعبي كالحركات السابقة".
ورجحت الترهوني سيناريوهين إذا تصاعدت مطالب الشارع، إما "تنحي حفتر وتجاوبه من رغبات حلفائه السابقين في ترك المشهد، وإما مواجهة الشارع بالرصاص وقوة السلاح، ما يعني إمكانية تكرار مشهد بنغازي عام 2011 عندما واجهت رصاص كتائب رفيقه القذافي".