في عام 2020 وقّعت الحكومة الانتقالية في السودان، اتفاق سلام مع الحركات المتمردة، احتوى على مسارات خاصة لكل من وسط وشرق وشمال السودان، عبارة عن اتفاقيات منفصلة بغرض معالجة الاختلالات التنموية والسياسية في تلك الأقاليم.
لم يجد المسار الخاص بشرق السودان، أي ترحيب من أهالي الإقليم، الذين تضامنوا بتشكيل أجسام ذات طابع قبلي لمناهضة الاتفاق، بحجة أنه لا يمثل الإقليم في شيء، ولا يُلبي المطالب الأساسية للإقليم. وقاد ذلك في النهاية إلى توتر كبير، ظهرت إحدى تجلياته في حركة احتجاجية أغلقت الموانئ السودانية والطرق البرية والسكك الحديدية، وانتهى الإغلاق عقب انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
قضية مسار الشرق، ليست وحدها التي تؤجج الأوضاع السياسية والأمنية في الإقليم ذي الموقع الجيوسياسي الأهم، فالنزاعات القبلية طوال السنوات الماضية انعكست على استقرار الإقليم وأمنه، فزادت وتيرة حدة الاصطفافات والولاءات القبلية، مقابل الغياب التام للأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني عن الساحة.
كما أدت حالة التهميش التنموي والسياسي التي عانى منها الإقليم منذ الاستقلال، دوراً أساسياً في رفع معدل الاحتقان في المنطقة، عدا ظروف التسابق الدولي على الإقليم الواقع جزء كبير منه على سواحل البحر الأحمر، فضلاً عن التأثير السلبي للحروب الإقليمية القريبة، كما هي الحال في الحرب الإثيوبية والمشاركة الإريترية فيها.
وجدت كثير من الجهات بمن فيهم عسكر سلطة الأمر الواقع بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، وفلول النظام البائد، ضالتهم في قضية الشرق لاستغلالها لصالحهم وضد قوى الثورة وحكومتها السابقة. وما أدل على ذلك سوى دعم العسكر، ودفاعهم المستميت، العام الماضي، عن فكرة إغلاق الموانئ للضغط على حكومة عبد الله حمدوك. أما المثال الثاني الخاص بالفلول، فتظهره التحركات التي يقوم بها آنياً، محمد طاهر ايلا، آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، ودعواته التي وصلت إلى حد المطالبة بتقرير المصير للإقليم.
الاتفاق الإطاري الذي وقّعته قوى الحرية والتغيير، الأسبوع الماضي، مع العسكر، أجّل الحديث عن ايجاد مخرج للأزمة في شرق السودان، وتركها ضمن موضوعات أخرى للاتفاق النهائي الذي يتوقع الوصول إليه في غضون شهر من الآن. وهنا يجب القول، إذا فشلت الأطراف في الوصول إلى حل نهائي ومرضٍ ويُعبّر عن أصحاب المصلحة الحقيقيين، فإن الأبواب ستُفتح أمام قوى داخلية متربصة، وأخرى خارجية لها مصالحها، لتقوم بإشعال الشرق، وبطريقة تشبه تماماً ما حدث في الحرب الأهلية في دارفور منذ عام 2003، ولن يدفع الثمن أهل الشرق وحدهم، بل كلّ السودان.