شرط بطاقة السجل العدلي في الانتخابات الرئاسية التونسية: تضييق على المرشحين؟

29 يونيو 2024
خلال الجولة الثانية من الانتخابات المحلية في تونس العاصمة، 4 فبراير 2024 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في تونس، قرار الهيئة العليا للانتخابات بإلزام المرشحين للرئاسة بالحصول على بطاقة السجل العدلي أثار جدلاً واسعاً، معتبراً ضماناً لنزاهة المترشحين ولكن يواجه انتقادات بشأن دستوريته وتأثيره على المنافسة الانتخابية.
- منتقدو الشرط يرونه وسيلة للتضييق على المعارضة ويفتقر للأساس الدستوري، بينما يعتبره البعض محاولة لإقصاء المعارضة وتعزيز سيطرة الرئيس قيس سعيد.
- خبراء قانونيون يدافعون عن الشرط باعتباره يعزز النزاهة والشفافية للمرشحين، رغم المخاوف من إمكانية التأخير أو الامتناع عن تسليم البطاقات، ما قد يعيق بعض المرشحين.

أثار إعلان ضرورة حصول مرشحي الانتخابات الرئاسية التونسية على بطاقة السجل العدلي باعتباره شرطاً أساسياً للترشح، جدلاً في تونس حول مدى قانونية هذه الخيار، وسط تحذيرات من توظيفه للتضييق على المنافسين. وأكدت عضو الهيئة العليا للانتخابات التونسية نجلاء عبروقي، أن "مجلس الهيئة أجمع على اعتماد بطاقة السجل العدلي (البطاقة عدد 3) شرطاً أساسياً للترشح للانتخابات الرئاسية، وذلك للتثبت من تمتع المترشح المحتمل بحقوقه المدنية والسياسية وللتثبت من عدم تورطه في إحدى الجرائم الانتخابية المنصوص عليها في القانون الانتخابي باعتبارهما يرتبان أحكاماً سالبة للحرية بسبب عرقلة الناخبين عن ممارسة حقهم الانتخابي أو حصول المترشح على تمويل أجنبي".

وأفادت العبروقي في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية، الخميس، أن "الدور الأول للانتخابات الرئاسية سيكون إما يوم 6 أو 13 أو 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2024"، مشيرة إلى أن "الآجل الأقصى لإصدار رئيس الجمهورية لأمر دعوة الناخبين هو يوم 20 يوليو/ تموز". وأعلنت 9 شخصيات معارضة لقيس سعيد نيتهم الترشح في الانتخابات الرئاسية التونسية المقبلة، من بينهم زعيما حزبين يقبعان في السجن بتهم "التآمر على أمن الدولة"، وهما أمين عام الحزب الجمهوري عصام الشابي ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي الملاحقة في نحو 5 قضايا منها قضايا انتخابية، فيما حُكم على البرلماني السابق صافي سعيد بـ4 أشهر سجناً في قضية تدليس تزكيات انتخابية، بينما يتم التحقيق مع غالبية المترشحين في قضايا مختلفة على غرار أمين الاتحاد الشعبي لطفي المرايحي بتهم الإساءة إلى الرئيس سعيد بالإضافة إلى حكم ابتدائي صادر ضده مع تأجيل تنفيذه. إلى ذلك، أحيل كل من المترشح المحتمل والوزير السابق منذر الزنايدي وكذلك رئيس حزب قرطاج الجديدة، نزار الشعري، على التحقيقات بشبهات فساد مالي.

 

تضييق على مرشحي الانتخابات الرئاسية التونسية

وبشأن اشتراط بطاقة السجل العدلي باعتباره شرطاً أساسياً للترشح، قال القيادي في ائتلاف الكرامة، زياد الهاشمي في تصريح لـ"العربي الجديد"، "أما شرط تقديم وثيقة بطاقة عدد 3، فهو شرط محدث وغير دستوري، جُعل فقط للتضييق على مترشحي الانتخابات الرئاسية التونسية تماشياً مع طلبات قيس سعيد ورؤيته لمن يحق له الترشح". وتابع "لحد هذه اللحظة كل المؤشرات تقول إننا أمام استحقاق انتخابي ليس فيه مقومات النزاهة والحياد والندية بين المترشحين، فقيس سعيد اليوم هو صاحب الملعب وصاحب الكرة وهو من عيّن الحكم واختار الخصم وأمام جمهوره، وقرر النتيجة مسبقاً، ويريدون منا الاعتراف بها والمشاركة في هذه المهزلة". وأضاف الهاشمي "بحسب رأيي المتواضع فإنه من الغباء الاعتقاد أن من يستولي على السلطة بالانقلاب يسلم السلطة عبر صناديق الانتخابات".

من جانبه، اعتبر القيادي في الحزب الدستوري الحر وعضو هيئة الدفاع عن عبير موسي، كريم كريفة، في تعليق لـ"العربي الجديد"، أن "الدستور والقانون الانتخابي لم يتضمنا شرط تقديم المترشح للانتخابات الرئاسية لبطاقة السوابق العدلية عدد 3"، مبيناً أن" هذا الشرط مرفوض باعتباره يمثل تضييقاً على المترشحين". ولفت كريفة إلى أن "الإسراع في إصدار الأحكام ضد موسي يهدف إلى إصدار العقوبات التكميلية، حيث حكم عليها بخطيّة قدرها 7000 دينار وطلبوا منها القيام بالبصم على هذا الحكم لكي لا تتمكّن من التمتع بالبطاقة عدد 3"، مؤكّداً أن "عبير موسي ما زالت ناخبة وتتمتّع بحقّها في الترشح ما لم يتم شطب اسمها من السّجل الانتخابي، وهذا يتطلب حكماً باتّاً"، بحسب قوله.

واعتبرت القيادية في حزب النهضة يمينة الزغلامي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "ما يحدث فوضى تشريعية حيث لا يمكن تنقيح قانون أساسي بأمر ترتيبي يصدر عن هيئة الانتخابات، كما لا يجوز تفسير أحكام الدستور من طرف أعضاء هيئة ثم يعبرون عن قراءتهم بأمر ترتيبي، لأن هذا دور السلطة التشريعية"، معتبرة أن "هذا يمثل أول خرق لمجريات العملية الانتخابية". وأضافت "من ناحية المبدأ، فإن شرط تقديم بطاقة عدد 3 أعتبره ضرورياً لمترشح للانتخابات الرئاسية، ولكن إدراجه يكون بتنقيح القانون من طرف السلطة التشريعية".

وتابعت "لا بد من توفير شروط انتخابات نزيهة وشفافة في كنف ديمقراطية وحرية لا هرسلة وتضييق"، مشيرة إلى أنه "في واقع الحال وبهذه الكيفية وقبل أقل من 4 أشهر من موعد الانتخابات ومن دون مناقشته من طرف البرلمان والتصويت عليه وفي غياب المحكمة الدستورية فهو تضييق أكيد". وشددت على أن "المثال الأبرز أن هناك مترشحين في السجن وأحزاباً مقراتها مغلقة وأبرز قادتها في السجن، والمناخ السياسي عموماً ومنذ أشهر يشهد عدة أزمات أهمها التضييق على العمل السياسي وهرسلة المجتمع المدني وإيقاف عدة صحافيين، فمن سيراقب الانتخابات ويتابع مراحل إنجازها وصولاً إلى يوم الاقتراع، ومن سيدير الحوارات الصريحة والحرة لإنارة الرأي العام؟"، بحسب تعبيرها.

واعتبر أستاذ القانون الدستوري، مبروك الحريزي في تصريح سابق لـ"العربي الجديد" أن شرط تقديم بطاقة عدد 3 الخاصة بالسوابق العدلية، شرط غير دستوري، ولم يرد في القانون الانتخابي ولا في الدستور" مبيناً أن "هذا الأمر لم يعمل به سابقاً". وفسر الحريزي "هواجس مرشح المحتملين للانتخابات الرئاسية حول مدى التزام الإدارة بتسليم المترشحين لبطاقة عدد 3 وإمكانية الامتناع أو التأخير في تسليمها بما يعطل ترشحهم، مشيراً إلى "وجود مرشحين أعلنوا نيتهم محل تتبع وآخرين في السجن أو صدرت فيهم أحكام".

واعتبر أستاذ القانون رابح الخرايفي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن اشتراط هيئة الانتخابات تقديم بطاقة خلو من السوابق، هو شرط سليم ولا يمثل تجاوزاً من الهيئة، بل هي ترجمة للنص الدستوري"، مشدداً على أنه "تم اشتراط تقديم بطاقة النقاوة من السوابق للمترشحين للانتخابات التشريعية، فكيف لا يتم اشتراطها للمترشحين في الرئاسية، فلا يعقل أن تشترط في الأدنى ولا تشترط في الأقصى في خطة أكثر حساسية على غرار رئاسة الجمهورية". وبيّن الخرايفي أنه "من المنطقي والسوي أن يكون مترشح الانتخابات الرئاسية التونسية نقياً من السوابق العدلية؛ بل ينبغي له ذلك". وحول المخاوف من عدم تسليم وزارة الداخلية للبطاقة، بيّن الخرايفي أن "وزارة الداخلية ستسلم جميع المترشحين هذه البطاقة، وليس هناك إشكال في تمكين المترشح من بطاقة تتضمن سوابقه، ويبقى الإشكال في التأخير في تسليمها وحتى لا تفوّت على المترشح، الآجال".