مضى شهر على اجتياح الكونغرس وأكثر من نصف شهر على مغادرة دونالد ترامب، لكنّ شبح الإثنين لا يزال يخيّم على واشنطن. وبعد يومين، سيعود بزخم أكبر ليطغى من جديد على الساحة، مع افتتاح جلسات محاكمة الرئيس السابق في مجلس الشيوخ، يوم الثلاثاء المقبل.
قبل عام، وتحديداً في 5 من فبراير/شباط عام 2020، برّأ مجلس الشيوخ بأكثريته الجمهورية ترامب وأعفاه من العزل، بعد إدانته في مجلس النواب في قضية أوكرانيا.
براءة كانت سياسية أكثر منها قانونية، كما هو معروف. وقد تتكرر في هذه المحاكمة أيضاً، ولو أن التهمة الحالية أخطر والأدلة معززة بالصوت والصورة عن وقائع الهجمة التي حرّض عليها، في 6 من يناير/كانون الثاني الماضي.
لكن المنقذ الجمهوري في مأزق الآن. هو بين الدف والمسمار. تصويته لحماية ترامب مكلف عليه كحزب بقدر ما هو مكلف تصويت قسم منه (على الأقل 17 من الشيوخ) ضده. فإذا أنقذ الرئيس السابق مثل المرة الماضية، يصبح الحزب الجمهوري "حزب ترامب" الذي يتحكم في انتخاباته وخياراته. وإذا فعل العكس يتزايد الافتراق المتفاقم والمكشوف، خصوصاً بعد 6 من يناير الماضي، بين جناحيه الترامبي والكلاسيكي الموروث، وبما يهدد بانشطار الحزب إلى اثنين، أو استمراره في التمزق لغاية نشوء حزب بديل.
وهذا احتمال متداول ولو في صفوف خصومه. وفي التاريخ الأميركي تجربة من هذا النوع في أواسط القرن التاسع عشر، حين انهار حزب "الويغ" في 1854 ثم تلاشى بعد الحرب الأهلية نتيجة الانقسامات الكبيرة في صفوفه؛ ليحل مكانه الحزب الجمهوري الجديد مع مجيء الرئيس ابراهام لنكولن في 1861.
الحزب الجمهوري في مجلسي الكونغرس والنواب يعيش حالة أقرب إلى الطلاق بين الموالين للفرد (ترامب) والموالين للحزب. الأول لا يحتمل أي اعتراض ضد ترامب ولا أي من أنصاره، حتى ولو من باب التصحيح. الثاني يضع بعض تعبيرات هذا الولاء الأعمى في منزلة "السرطان" في جسم الحزب، كما وصفه السناتور ميتش ماكونيل، زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ.
قبل يومين، صوّت الجمهوريون في مجلس النواب بأكثرية 199 من أصل 213 لصالح النائبة الترامبية حتى العظم، مارجوري غرين، لمنع تجريدها من مقعدها في لجنة التربية، كعقاب على تصريحاتها الخطيرة ضد الديمقراطيين، والتي شملت التلويح بقتل رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي. الأمر الذي حمل الأغلبية الديمقراطية على طرح الموضوع للتصويت في المجلس الذي قضى بحرمانها من مقعدها في اللجنة.
كان ردّ فريق ترامب أن خاض حرباً كاسرة ضد الجمهوريين الـ11 الذين صوّتوا لعزلها، كما ضد النواب الجمهوريين العشرة الذين سبق أن صوتوا مع الديمقراطيين لإدانة ترامب وإحالته إلى المحاكمة في مجلس الشيوخ. ومن بينهم ليز تشيني، ابنة نائب الرئيس السابق ريتشارد تشيني، أحد أقطاب الحزب الجمهوري الذي صار "حزب ترامب" كما قالت النائبة غرين التي صارت أشبه بالناطقة باسم الرئيس السابق في مجلس النواب.
وتشير تحركات هذا التيار إلى أنه بدأ يخطط لانتخابات الكونغرس في 2022 على هذا الأساس، وبما يؤشر إلى العزم على مواصلة عملية الفرز بين الجناحين.
الرئيس جو بايدن لا شك في أنه مرتاح لتفرّق خصومه. حروبهم الأهلية تعزز وضعه، على الرغم من ضآلة الأكثرية التي يملكها حزبه في الكونغرس. حالة أعطت جرعة زخم لبدايات إدارته التي حظيت بتأييد 63% من الأميركيين، أقل بقليل من باراك أوباما 69% وأكثر بنفس الدرجة من جورج بوش 57%. ساعده في ذلك التصحيح الذي أجرته إدارته في مسار التعامل مع كورونا، خاصة على صعيد توزيع اللقاح واستخدامه بوتيرة ملحوظة نسبياً.
هذه الأجواء المواتية قد تفرملها يوميات محاكمة ترامب التي قد تستمر لمدة أسبوعين، والمتوقع أن تصب في مصلحته، بصرف النظر عن خواتيمها، سواء جاءت لمصلحة ترامب وبما قد يمكنه ذلك من مصادرة الحزب الجمهوري، أو لو جاءت ضده، مع ما ينطوي عليه ذلك من ضمور واضمحلال لهذا الحزب.