بعد انتهاء استفتاءات ضم أربع مقاطعات شرق أوكرانيا (دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون) إلى روسيا، تدخل الحرب الروسية الأوكرانية مرحلة جديدة، ستتعامل موسكو خلالها مع هذه المناطق على أنها جزء من أراضيها.
ويفتح هذا الأمر الباب على مصراعيه أمام التكهنات حول سيناريوهات تطور الأحداث، والتي تبدأ من استمرار حرب استنزاف بطيئة، وتصل إلى حد التحذيرات من لجوء الكرملين للسلاح النووي التكتيكي.
وبعد الإعلان عن نتائج الاستفتاءات، والتي أظهرت أن نسبة التصويت لصالح الانضمام لروسيا بلغت أكثر من 90 في المائة في دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا، ونحو 87 في المائة في خيرسون، يُتوقع أن يعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال رسالته إلى الجمعية الفدرالية الروسية يوم الجمعة، عن ضمّ الأقاليم الجديدة إلى روسيا بشكل رسمي، وتحقيق بعض الأهداف المعلنة للعملية العسكرية.
توقع ألكسندر تشالينكو ألا تسمح روسيا بأي تقدم أوكراني مضاد على الأراضي التي تضمها
وتقتضي الإجراءات المنصوص عليها في القانون الروسي أن تبرم روسيا اتفاقيات دولية مع الأقاليم الأربعة، سيحيلها الرئيس إلى الجمعية الفدرالية للمصادقة عليها، مع مشاريع قوانين قبول كيانات إدارية جديدة إلى روسيا، وفق نموذج ضم شبه جزيرة القرم ومدينة سيفاستوبول في 2014.
ويرجح مصدر مقرب من قيادة "جمهورية دونيتسك الشعبية" المعلنة من طرف واحد، في اتصال مع "العربي الجديد" من دونيتسك، أن تتم إعادة تسمية "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا بـ "عملية مكافحة الإرهاب" داخل الأراضي التي ستصبح روسية بعد استكمال إجراءات الضم، وفق روايته.
وأعلنت السلطات الموالية لروسيا في منطقتي لوغانسك وخيرسون الأوكرانيتين أنها طلبت من الرئيس فلاديمير بوتين ضمهما إلى روسيا. وقال الزعيم الانفصالي الموالي لروسيا ليونيد باسيتشنيك في نص نُشر على "تيليغرام" اليوم الأربعاء: "عزيزي فلاديمير فلاديميروفيتش. أطلب منك النظر في مسألة انضمام جمهورية لوغانسك الشعبية إلى روسيا كعضو في روسيا الاتحادية". ووجه رسالة مماثلة فلاديمير سالدو الذي يترأس إدارة الاحتلال في خيرسون في جنوب أوكرانيا.
منع أي تقدّم أوكراني مضاد
وفي موسكو، يتوقع المحلل السياسي والصحافي المتخصص في الشأن الأوكراني ألكسندر تشالينكو ألا تسمح روسيا بأي تقدم أوكراني مضاد على الأراضي التي تضمها، وقد تعلن حالة الحرب بها في حال استشعرت خطر تكرار ما تعرضت له من هزائم في مقاطعة خاركيف.
ويقول تشالينكو، الذي قام بعدة زيارات إلى شرق أوكرانيا خلال الأشهر الأخيرة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد 30 سبتمبر/ أيلول (الحالي) ستصبح الأقاليم الأربعة أرضاً روسية، ما يعني أن موسكو لن تسمح بأي تقدم أوكراني مضاد، مثل الذي حدث في مقاطعة خاركيف".
ويوضح أنه "في حال استمر القصف الأوكراني، على الأرجح، سيتم فرض حالة الحرب في تلك المنطقة، وشن ضربات على عناصر حيوية للبنية التحتية الأوكرانية، مثل محطات توليد الكهرباء، ونظرياً لا يجوز استبعاد احتمال استخدام السلاح النووي التكتيكي بشكل كامل، وفق العقيدة العسكرية الروسية".
مجال واسع لتأويل التهديد الوجودي لروسيا
ولما كانت العقيدة العسكرية الروسية تتيح استخدام السلاح النووي في حالتين اثنتين، أولاهما في حال تعرض روسيا أو حلفائها للهجوم بالسلاح النووي أو غيره من أسلحة الدمار الشامل، والثانية عند تعرض روسيا للهجوم بأسلحة تقليدية، في حال كان يهدد وجودها كدولة، يترك ذلك مجالاً واسعاً للتأويل سياسياً في ما يشكل تهديداً وجودياً من عدمه.
إلى ذلك، يقرّ تشالينكو بأن ضم المقاطعات الأربع إلى روسيا لا يعني وقفاً لأعمال القتال.
ويضيف: "لا تزال هناك مدن في جمهورية دونيتسك الشعبية لم يتم تحريرها بعد، كما أن نحو ربع أراضي زابوريجيا تخضع حتى الآن لسيطرة كييف. أعتقد أن تعبئة 300 ألف فرد ستكون كافية لتحقيق نصر، كونها ستسد الفارق مع القوات الأوكرانية في عدد الأفراد".
وحول رؤيته للخطط الروسية بعيدة المدى في أوكرانيا، يتابع: "من المهم بالنسبة إلى روسيا ضم جميع أراضي "نوفوروسيا" السياسية، بما فيها مقاطعات دنيبروبيتروفسك وخاركيف وميكولايف وأوديسا، لقطع أوكرانيا عن البحر الأسود، وإقامة ممر بري إلى إقليم ترانسنيستريا في مولدافيا، ولتحويل أوكرانيا إلى دولة صغيرة غير مؤثرة لا تشكل تهديداً لروسيا. يتطلب تحقيق هذه الأهداف حرب استنزاف طويلة". و"نوفوروسيا" هي التسمية التاريخية التي تُستخدم للإشارة إلى المنطقة ذات الأغلبية المتحدثة بالروسية في مناطق شرق أوكرانيا.
من جهته، يصف الخبير في شؤون أوروبا الشرقية والوسطى، إيفان بريوبراجينسكي، استفتاءات ضم مناطق شرق أوكرانيا بأنها "مسرحية"، مقراً، في الوقت نفسه، بأنها توفر للكرملين ذرائع لتبرير التعبئة العسكرية والتلويح بعصا السلاح النووي.
مبررات إضافية للتهديد بالسلاح النووي
ويقول بريوبراجينسكي، الحاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، في تعليق لـ"العربي الجديد" من العاصمة التشيكية براغ، إنه "بعد أداء مسرحية الاستفتاءات، التي لن يتعامل معها بجدية أحد خارج روسيا، حصل الكرملين، كما يبدو له، على مبررات إضافية للتهديد باستخدام السلاح النووي، وتصوير التعبئة العسكرية على أنها تهدف إلى إشراك الأفراد في أعمال الدفاع عن الأراضي الروسية".
إيفان بريوبراجينسكي: مسرحية الاستفتاءات توفر للكرملين ذرائع لتبرير التعبئة العسكرية والتلويح بعصا السلاح النووي
وأثار الإعلان عن نتائج التصويت في الاستفتاءات استياء كييف، إذ أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في كلمة بنظام مؤتمر الفيديو أمام مجلس الأمن الدولي أمس الثلاثاء، أنه لن يكون لديه ما يتحدث عنه مع بوتين في حال اعترفت روسيا بنتائج الاستفتاءات.
تحقيق سيناريو القرم
وقال زيلينسكي: "اعتراف روسيا بأشباه الاستفتاءات على أنها طبيعية، وتحقيق ما يسمى سيناريو القرم الآن، والمحاولة الجديدة لضم أراضٍ أوكرانية، ستعني أنه لن يكون لدينا ما نتحدث عنه مع الرئيس الروسي. الضم بالقوة هو تلك الخطوة التي تضعه وجهاً لوجه أمام البشرية كلها". ودعا كافة دول العالم إلى إبداء رد فعل على الاستفتاءات، مضيفا: "أثق بقدرتكم على العمل".
من جانب آخر، حذّر مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا من أن عملية استفتاءات الانضمام إلى روسيا في شرق أوكرانيا قد تستمر ما لم تغير كييف سياستها.
وقال نيبينزيا في كلمة أمام مجلس الأمن الدولي: "اليوم لم يعط ظهرهم إلى كييف سكان القرم ودونباس وحدهم، وإنما أيضاً مواطنو مقاطعتي خيرسون وزابوريجيا. وهذه العملية ستستمر حتماً ما لم تُدرك كييف أخطاءها الاستراتيجية، وتبدأ أخيراً الاسترشاد بمصالح مواطنيها، وليس تحقيق، بشكل أعمى، إرادة من يسعد لإحداث صدام مباشر بين الشعبين الشقيقين".
وشدد على أن الشعب الأوكراني يريد سلاماً، "ولكن مثل هذا السيناريو ليس من خطط لندن وواشنطن اللتين تجنيان مليارات الدولارات من مصيبة آخرين"، مضيفاً: "وإلا لكانوا قد أوقفوا كييف في مارس/آذار الماضي، عندما كان هناك اتفاق سلام في الأفق".
وأُعلن في ساعة متأخرة من مساء أمس الثلاثاء فرز 100 في المائة من الأصوات في استفتاءات الانضمام إلى روسيا. وأظهرت نتائجها أن 99.23 في المائة من المصوتين صوتوا لصالح الانضمام لروسيا في دونيتسك، و98.42 في لوغانسك، و87.05 في المائة في خيرسون، و93.1 في المائة في زابوريجيا، من دون أن يتسنى التأكد من نزاهة عملية التصويت في ظروف غياب المراقبين عن أي منظمة دولية ذات شأن.