احتشد أكثر من ألف مواطن من سكان مدينة رفح بمحافظة شمال سيناء، شرقي مصر، بين أول من أمس الجمعة وأمس السبت، في تظاهرة امتدت من وسط مدينة الشيخ زويد وحتى أطلال مدينة رفح التي هجر الجيش المصري سكانها بين عامي 2014 و2018. وطالب المتظاهرون بالسماح لهم بالعودة إلى قراهم، لا سيما أن سلطات الدولة المصرية لم تعوض غالبيتهم عن الأضرار التي لحقت بهم نتيجة القرار السيادي بإخلاء مدينة رفح بالكامل والقرى المحيطة بها.
وحول التظاهرة، يقول أحد شيوخ قبيلة الرميلات، أحمد الصياح، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن سكان مدينة رفح وقراها تحملوا معاناة التهجير طيلة السنوات الماضية، فيما أبعدوا أنفسهم عن الحرب بين الدولة المصرية و"تنظيم ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش"، في ظل اعتبارهم أنها حرب سيدفعون ثمنها سواء شاركوا أم لا.
ويضيف: لكن الأهالي تداعوا إلى مساندة الجيش في مواجهة التنظيم خلال عام 2022، وتمكنوا من طرد التنظيم من مدنهم وقراهم، بينما كان الهدف من مشاركتهم الجيش في عمله أن يعودوا إلى ديارهم التي خرجوا منها تحت مظلة ملاحقة الجيش للتنظيم.
أحمد الصياح: ما جرى على أطراف مدينة رفح يمثل كسراً واضحاً لحاجز الخوف الذي صنعه الجيش المصري
ويضيف الصياح أنه على الرغم من مرور سنوات على تهجيرهم بلا تعويض أو بديل، وفي ظل رؤيتهم لاهتمام الدولة المصرية من أعلى رأس الهرم بالمتضررين من توسعة ميناء العريش؛ بعد أن تظاهروا وعبروا عن رفضهم قرار إزالة المنازل، لا سيما في ظل وجود بدائل على ساحل البحر، إلا أن الشعرة التي قصمت ظهر البعير كانت تتمثل في بدء عمل شركات استثمارية في مدينة رفح لتحويلها إلى مشروع زراعي واستزراعي، مع البدء في توفير بنى تحتية ضخمة تتمثل في خطوط مواصلات ومحطة كهرباء وغيرها.
ويؤكد الصياح أن ما جرى على أطراف مدينة رفح للمرة الأولى، أول من أمس الجمعة، يمثل كسراً لحاجز الخوف الذي صنعه الجيش المصري في معاملته الخشنة مع أهالي سيناء منذ عقود. وازداد هذا التعامل سوءاً بدءاً من عام 2013، وذلك رغم وضوح حق المواطنين بالعودة إلى ديارهم، إلا أن الجيش المصري منعهم من الوصول إلى مدينة رفح وقراها، من خلال انتشاره على الطريق الدولي المؤدي إليها، واصطفاف عشرات العربات العسكرية في المنطقة.
"جمعة العودة" في سيناء
ورفع المتظاهرون في تظاهرتهم شعار "جمعة العودة"، معلنين رغبتهم في العودة إلى قراهم الأصلية، حيث عاشوا طويلاً واضطروا لتركها بسبب الظروف الأمنية، إلا أن الجيش المصري وقف حاجزاً أمام موكب المهجرين خلال محاولتهم الوصول إلى قراهم.
وأغلق المتظاهرون طرقاً بواسطة سياراتهم، رافعين لافتات تحمل شعارات تطالب الجيش المصري بالسماح لهم بالعودة، وتستنكر معاناتهم المستمرة، وهي التظاهرة الثانية في غضون أيام، وتأتي في سياق الرد على القيود المفروضة على سكان القرى المذكورة، الذين يجدون أنفسهم محرومين من دخول منازلهم وأملاكهم، في مقابل تمكين السلطات بعض المهندسين التابعين لشركات استثمارية من الوصول إلى تلك المناطق للاستفادة منها في مشروعات زراعية.
وإزاء ذلك، تسعى قوات الجيش المصري وأجهزة المخابرات المصرية للحيلولة دون تمدد تظاهرات المهجرين في محافظة شمال سيناء، شرقي البلاد.
وتقول مصادر قبلية مطلعة لـ"العربي الجديد" إن اللواء محمد ربيع، قائد الجيش الثاني الميداني، استدعى بعض شيوخ قبيلتي السواركة والرميلات إلى قرية جلبانة في مدينة القنطرة شرق، القريبة من قناة السويس، في اجتماع عاجل على أثر التظاهرات، وأبلغهم بضرورة إلغاء تجمع أول من أمس الجمعة على أطراف رفح، وأنه سيعقد لقاءً مفتوحاً وعاجلاً غداً الاثنين مع المواطنين للحديث في القضية، إلا أن الشيوخ لم يتمكنوا من إقناع المواطنين بإلغاء تظاهرة الجمعة، التي شارك فيها المئات من المهجرين الذين جاؤوا من مدن الشيخ زويد والعريش وبئر العبد وحتى الإسماعيلية.
باحث في سيناء: أبناء المجموعات القبلية يملكون السلاح
وكان لافتاً لكثيرين عدم تدخل القوات المسلحة لفض التظاهرات، في ظل أن المنطقة التي خرجوا فيها هي ضمن امتداد المنطقة العسكرية المغلقة التي يحظر فيها على المدنيين التحرك، وتعطي الحق لقوات الجيش في التعامل وفقا لأحكام قانون الطوارئ مع المدنيين. وكذلك في ظل عدم حصول هذه التظاهرات على الموافقة الأمنية اللازمة لأي تجمع مدني في سيناء وخارجها أيضاً، وعدم موافقة قيادة عمليات الجيش المصري على أي تحرك من هذا القبيل، وبالتالي يبرز السؤال عن سبب ذلك.
قيادة الجيش المصري في وضع صعب
وفي الرد على ذلك، يرى باحث في شؤون سيناء في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن قيادة الجيش المصري في سيناء في وضع صعب، خصوصاً في سياق سيناريو التصدي للتظاهرة وتفريقها بالقوة واعتقال أو إصابة المشاركين فيها.
وفي هذا السيناريو، تكون الدولة خسرت شريكاً مهماً في نشاطها في سيناء، وكان سبباً هاماً في تطهيرها من تنظيم "داعش"، وبالتالي قد تصاب المنطقة بانتكاسة خطيرة في حال قرر البدو الانتقام من خداع قيادة الجيش والمخابرات لهم، التي وعدتهم بأنهم سيعودون إلى قراهم فور طرد تنظيم "داعش" وبعد تطهيرها من مخلفات الحرب.
وتخشى القيادة العسكرية من أن جزءاً كبيراً من أبناء المجموعات القبلية التي ساندت الجيش لا يزال يحمل السلاح، وضمنه أسلحة ثقيلة محمولة على سيارات الدفع الرباعي التي تملكها القبائل في سيناء.
يُشار إلى أن أغلب المناطق التي يُمنع المواطنون من الدخول إليها تتبع لقبيلتَي الرميلات والسواركة، في حين أن القرى التي تتحدر منها قبيلة الترابين عاد إليها سكانها.
وتشمل هذه القرى مناطق جنوب رفح والشيخ زويد، كالبرث ونجع شيبانة والعجراء. في المقابل، لا يزال سكان المقاطعة والخرافتين وجوز أبو رعد والظهير والوفاق والمطلة وبلعا وقرى ساحل البحر، ينتظرون قراراً بالعودة إلى ديارهم منذ سنوات.