تثير السياسة الدنماركية المتشددة مع اللاجئين السوريين، باعتبار دمشق وريفها آمنين لسحب لجوء القادمين منهما، سجالاً محلياً وأوروبياً. فرئيسة الوزراء ميتا فريدركسن (يسار وسط)، تصرّ في خطابها السياسي مع أقطاب من حزبها كوزير الهجرة ماتياس تيسفايا، ومقرر شؤون الهجرة في البرلمان راسموس ستوكلوند، على أن "الدنمارك ليست وحدها من تجمّد الإقامات الموقتة للاجئين السوريين، فالمجر تفعل أيضاً ذات الأمر". والاستشهاد بسياسة رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، المثير للجدل أصلاً، والمتهم بأنه يخرق القيم الأوروبية، أثار زوبعة محلية، فانتقد اليسار وليبراليون ومواطنون عاديون اتخاذ أوربان مثلاً أعلى لسياسات الدنمارك.
ولم يعد يقتصر السجال السياسي على الداخل الدنماركي، فقد وجّه سياسيون أوروبيون رسائل واضحة لا تتفق مع تقييم كوبنهاغن للوضع الأمني، سواء في دمشق أو عموم سورية. فبعد أن تناقلت الصحافة الأوروبية السياسات الدنماركية المتشددة وجّه 33 من أعضاء البرلمان الأوروبي (من مختلف الاتجاهات السياسية) رسالة إلى فريدركسن، اعتبروا فيها أن "سورية ليست آمنة". واعتبر هؤلاء البرلمانيون الذين وقعوا الرسالة أن القرارات الدنماركية تثير خيبة أمل، آملين مراجعة الحكومة الدنماركية قراراتها حول إعادة لاجئين سوريين إلى بلدهم.
وعلى مدى الأسابيع الماضية، بقيت التصريحات والتصرفات الدنماركية، وخصوصاً أنها صادرة عن "الحزب الاجتماعي الديمقراطي" (يسار الوسط)، وتحديداً وضع وزير الهجرة والدمج من أصول إثيوبية، ماتياس تيسفايا، في واجهة الحدث، والتي ينظر إليها المراقبون والدنماركيون العاديون على أنها "استمرار لسياسة التشدد اليميني السابق"، لحكومة يمين الوسط السابقة التي دعمت قراراتها من خلال تأييد حزب "الشعب الدنماركي" اليميني المتشدد.
موجّهو الرسالة السياسية في البرلمان الأوروبي ذكروا في رسالتهم المفتوحة أن "سورية ليست آمنة، ولا يمكن بأية طريقة قبول هذا التقييم الذي على أساسه يجرى اتخاذ القرارات السياسة في ما خص اللاجئين السوريين من دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، الدنمارك".
والتحذيرات المحلية بشأن "منح نظام (بشار) الأسد ختم قبول" هي اللغة التي استخدمها الموقعون على الرسالة. ومن بين هؤلاء، عضو البرلمان الأوروبي عن حزب "راديكال فينسترا"، يسار وسط دنماركي، كارين ميلكور، التي ذكرت للقناة الثانية الدنماركية أن "القرار المتعلق باللاجئين السوريين هو أبعد من ذلك في السياسة الدنماركية، فهو قرار يرسل إشارة سياسية خاطئة إلى رئيس نظام البلد، بشار الأسد، وبقية العالم، وهذا النهج السياسي مرفوض". علماً أن "راديكال"، إلى جانب اليسار، يشكل الأغلبية البرلمانية لحكومة فريدركسن. واعتبرت ميلكور أن "الادعاء بأن سورية آمنة وأنهم (اللاجئون السوريون) ببساطة يمكنهم العودة إلى الوطن إنما يساهم في دمغ نظام الأسد بالقبول".
السجون والتعذيب والاختفاء هو ما ينتظر المرحلين
وتأتي هذه الخطوة أيضاً في الوقت الذي تكشف الصحافة المحلية عن أن "دائرة الهجرة"، المسؤولة عن وقف تمديد رخص إقامة اللاجئين السوريين القادمين من دمشق وريفها، تجاهلت تحذيرات صادرة عن نفس الدائرة حول مخاطر ترحيلهم وما يمكن أن يواجهوه حال عودتهم، من الأمن السوري، حيث خلصت الرسالة التي أخفتها الدائرة إلى أن "السجون والتعذيب والاختفاء هو ما ينتظر المرحلين".
ولا يزال مئات السوريين ينتظرون البت في قضاياهم، لناحية تمديد إقاماتهم، وسط تصميم حكومة فريدركسن على إحالة من سُحب لجوؤه إلى "معسكر ترحيل"، غير آبهة بالانتقادات المحلية والأوروبية، بحجة أن "هؤلاء جرى إعلامهم مسبقاً بأنه فور تحسن وضع بلدهم سيعودون"، والسجال السياسي والإعلامي الدائر هو حول مبدأ تقييم التحسن الذي تتمسك به الدنمارك دوناً عن المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية، ومجالس اللاجئين في كوبنهاغن وأوسلو وغيرهما ممن يعتبر أوضاع سورية غير آمنة.
وتتوالى رسائل تجميد تجديد رخص الإقامة لمقيمين منذ 2015، ومن بين هؤلاء موظفة البستنة منال مطر التي تقدمت بطلب تجديد الإقامة، والتي يُنتظر صدور قرار بشأنها بعد غد الجمعة. فقد غادرت مطر مع والدتها باتجاه هولندا بعد أن خشيت إعادتها إلى دمشق أو أن تقضي سنوات في مراكز الترحيل، التي أثارت سابقاً سجالاً بسبب وضع الحكومة أسرٌ بأطفالها في مراكز مغلقة، اعتبرها مواطنون وصحافيون وسياسيون لا تليق بالبشر. وانتظر البعض من المسجلين على قوائم الترحيل سنوات في تلك المعسكرات، حيث تتوقف حياتهم تماماً أمام فقدان الإقامة وما تمنحه لهم من حقوق، ويقيم هؤلاء وفق مبدأ "إقامة للبقاء على قيد الحياة"، أي يمنعون من مواصلة الدراسة والعمل وأي نشاط في المجتمع، هذا إذا كان معسكر الترحيل مفتوحاً، أما إذا كان مغلقاً، فالسلطات تؤمن وجبة طعام لهؤلاء فقط للبقاء على قيد الحياة.
وفي الوقت الحاضر، وصل عدد القضايا التي تراجعها دائرة الهجرة الدنماركية إلى نحو 500 قضية، ويجري فحص كل قضية (من دمشق وريفها) حول الحاجة للحماية (اللجوء)، لتجديد أو عدم تجديد تصاريح الإقامة. ومنح نظام اللجوء الدنماركي بعض اللاجئين من سورية، وغيرها، حق اللجوء "بسبب الأوضاع الأمنية العامة في سورية"، أو أي بلد آخر، بينما منح آخرون حق اللجوء لأنهم تعرضوا لاضطهاد فردي. والمجموعة الأولى (بسبب الوضع الأمني العام) هي من يجري مراجعة تصاريح لجوئها، بعد أن اعتبرت كوبنهاغن أن الظروف الأمنية في العاصمة السورية دمشق تحسنت.