تفرض سياسة الأمر الواقع في مدينة سنجار (110 كيلومترات غربي الموصل)، والتي تتبعها فصائل في "الحشد الشعبي" عززت تواجدها أخيراً بالبلدة، تحت ذريعة التهديد التركي باجتياح المدينة، واقعاً جديداً يتعارض مع اتفاقية التطبيع التي أبرمتها الحكومة العراقية مع حكومة إقليم كردستان قبل نحو 6 أشهر، والتي تقضي بإخراج الجماعات والمليشيات المسلّحة، وأبرزها "حزب العمال الكردستاني" و"الحشد الشعبي"، وإعادة النازحين إلى البلدة، والتي لم تطبّق حتى اليوم.
ووسط هذه التغيرات وتأكيدات قيادات "الحشد" عدم إمكانية الخروج من البلدة، أكد مسؤولون أن الحكومة لم تجد أمامها سوى خيار مراجعة الاتفاق. ووفقاً لمسؤول حكومي في محافظة نينوى شمالي العراق، فإن حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تتعرض لضغوط من جهات وأطراف مختلفة، بينها الأمم المتحدة، لتنفيذ اتفاقية تطبيع الأوضاع في سنجار، الموقعة في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، يقابلها سعي فصائل "الحشد" لفرض سياسة الأمر الواقع، من خلال زيادة عناصرها وتواجدها في البلدة وضواحيها.
وبيّن لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة تراجع حالياً الاتفاق، بالتواصل مع قيادات "الحشد" من جهة، والجانب الكردي من جهة أخرى، وتسعى لتكييفه وبحث إمكانية التنفيذ"، مبيناً أن "الحشد أكد أنه لا يعترض على الاتفاق، شرط ألا يتضمن إخراج فصائله من البلدة، وأن الجانب الكردي يرفض ذلك، سيما وأن وجود "الحشد" داعم لوجود حزب "العمال الكردستاني"، وهذا يعني رفضاً لأهم فقرات الاتفاق، وهو إخراج هذه الفصائل". وشدد على أن "الاتفاق مهدّد حالياً، وأن الحكومة محرجة سيما وأنها وقعته ووعدت بتنفيذه".
وأكد "تحالف الفتح" الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي"، عدم اعتراضه على الاتفاق، على ألا يتعارض مع "مصلحة البلاد" ووجود "الحشد" في سنجار. وقال النائب عن التحالف عباس الزاملي، لـ"العربي الجديد"، إن "الحشد داعم لاتفاقات الحكومة مع إقليم كردستان، شرط أن يكون البرلمان مؤيداً لها، أي أن تكون اتفاقات تصبّ بصالح العراق"، مؤكداً أنه "لا نعارض تواجد الجيش والقوات الأمنية في سنجار، وأن أي اتفاق شرط أن يدعم حفظ سيادة العراق، هو مدعوم من قبلنا".
وأشار إلى أن "سنجار حالياً تحت سيطرة القوات العراقية بكلّ صنوفها، و"الحشد الشعبي" على استعداد أمنياً لفرض هيبة الدولة في البلدة"، وفقاً لقوله.
وتسوّق فصائل "الحشد الشعبي" مبرراً لتواجدها العسكري في سنجار، على اعتبار أن هناك "خطراً تركياً يهدّد البلدة". وقال النائب عن منظمة "بدر" عبد الكريم الأنصاري، إن "جميع الخيارات مطروحة للدفاع عن سيادة العراق تجاه أي خرق للسيادة من تركيا أو غيرها"، مؤكداً في بيان أن "العدوان التركي والتهديدات، وخصوصاً في ما يتعلق بقضية سنجار يُعتبران خرقاً واضحاً للسيادة، ويجب على الحكومة استخدام الطرق المشروعة للردّ على هذا الاعتداء"، وفقاً لوصفه.
وبيّن أن "الطريق الأخير هو استخدام القوة العسكرية، وهو الذي لا نريده الآن، بل يجب استنفاد جميع الوسائل الدبلوماسية وأوراق الضغط الاقتصادية والأوراق الأخرى لإخراج القوات الأجنبية من العراق"، مشدداً على "أننا نرفض دخول القوات التركية إلى سنجار، وأن اتفاق سنجار يجب التنسيق بشأنه مع جميع القطعات الماسكة للأرض في البلدة".
وفي الثالث عشر من الشهر الماضي، أصدر رئيس تحالف "الفتح" هادي العامري، بياناً قال فيه إن "القوات التركية تنوي استهداف جبل سنجار"، مطالباً الحكومة العراقية باتخاذ "كل الإجراءات اللازمة لردع أي عدوان على الأراضي العراقية".
وأعقب البيان وصول وحدات مسلّحة جديدة من المليشيات إلى المدينة والحشد على حدودها الغربية والجنوبية تحديداً، وعند جبل سنجار الواقع غربي المدينة.
الجانب الكردي من جهته، أبدى شكوكاً في قدرة الحكومة على تنفيذ الاتفاق، وأن الفصائل باتت هي صاحبة النفوذ والتأثير في البلاد. وقال القيادي في الحزب "الديمقراطي الكردستاني" ماجد شنكالي لـ"العربي الجديد"، إن "التعزيزات الأخيرة للحشد الشعبي التي وصلت أخيراً إلى البلدة، تأتي في سياق رفض اتفاق سنجار، والسعي لإفشاله بالتنسيق بين الحشد وحزب العمال"، مبيناً أن "هذه الجهات تقف ضد مساعي الحكومة لتطبيق الاتفاق، وأن الحكومة غير قادرة على لجمها والعمل على تنفيذه".
وأكد أن "الحكومة لا تملك القوة والقدرة على تطبيق الاتفاقية، لأنها لا تملك أي ثقل برلماني، لذلك فإن القوى الأخرى التي تملك الثقل البرلماني والتي تملك فصائل مسلّحة هي صاحبة النفوذ في البلاد، وهذه القوة تحول دون أي إمكانية تطبيق الاتفاقيات الحكومية".