لم يسجل العام 2023 تغييرات تذكر في مشهد سورية القاتم، وسط المزيد من التردي الاقتصادي، مع شبه انغلاق في مسار الحل السياسي.
وجاءت الحرب الإسرائيلية على غزة منذ نحو 3 أشهر لتدفع بهذا الملف أكثر إلى غياهب النسيان أو الإهمال الدولي، إلا من زاوية إمكانية انخراط "الساحة السورية" في هذه الحرب، باعتبارها إحدى ساحات العمل للمليشيات المرتبطة بإيران، رغم سعي النظام السوري الواضح للنأي بنفسه عما يجري، على أمل أن يحظى ذلك بتقدير الولايات المتحدة وإسرائيل، ويسهم في رفع الفيتو الأميركي أمام الانفتاح العربي والدولي على النظام.
سورية 2023 سياسياً: معاناة المعارضة وانتهاء أعمال جنيف وأستانة
على الصعيد الإجرائي، تواصل تعطيل انعقاد الجولة التاسعة من أعمال اللجنة الدستورية منذ يونيو/ حزيران 2022، بسبب مزاعم روسيا بعدم حيادية جنيف كمقر لانعقاد اللجنة، بعد الشروط التي وضعتها بشأن وصول الدبلوماسيين الروس إلى جنيف نتيجة العقوبات الأوروبية المرتبطة بالحرب على أوكرانيا. وباءت بالفشل المساعي لعقد اجتماعات اللجنة في مسقط أو أماكن أخرى، وفق ما أفاد المبعوث الأممي الخاص إلى سورية غير بيدرسن في إحاطة له أمام مجلس الأمن.
ولعل "الإنجاز" الأهم لبيدرسن خلال العام 2023 هو بلورة مقترح بشأن نهج "الخُطوة مقابل خُطوة"، مؤكدا حصوله على مباركة دولية وعربية لهذا النهج.
أما المسار الآخر (أستانة)، فقد انعقدت في إطاره جولة وحيدة منتصف العام 2023، وعقد على هامشها اجتماع رباعي، على مستوى نواب وزراء الخارجية التركي والروسي والإيراني والنظام، لبحث مسودة خريطة طريق التطبيع بين النظام وتركيا، التي اقترحتها روسيا بعد الاجتماع الذي عُقد قبل ذلك على مستوى وزراء الخارجية في موسكو، لكن هذا المسار توقف نتيجة الاشتراطات التي وضعها النظام بضرورة انسحاب القوات التركية من سورية، قبل البحث في أية قضية أخرى.
والملاحظ وجود تبدل في خطاب النظام خلال اجتماع أستانة المذكور، الذي حاول استغلال عملية التطبيع العربي معه، التي كانت بدأت للتو، واستعادة مقعده في الجامعة، معتبرا أن الوضع الذي أدى إلى التعامل مع وفد المعارضة كطرف ثان يمثل الشعب السوري قد انتهى، ولم يعد بالتالي ثمة مبرر لاستمرار مسار أستانة برمته، وهو ما تبدى لاحقا من خلال إعلان سلطات كازخستان عن نهاية هذا المسار.
واستكمالا لهذا التردي في المسار السياسي، عانت المعارضة السورية، ممثلة بالائتلاف الوطني والمؤسسات التابعة له، وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية المنبثقة منها، من ظروف صعبة ربما كانت الأسوأ منذ تشكلها، سيما بعد أن خسر الائتلاف مقعد الجامعة العربية بعودة النظام لاستلامه، وبعد أن خسرت هيئة التفاوض مقرها في الرياض، في ظل مسيرة التطبيع العربي والتركي مع النظام، والتعطيل الكامل لانعقاد اللجنة الدستورية، والانشغال الدولي بالغزو الروسي لأوكرانيا، ثم بالحرب الإسرائيلية على غزة، وترافق ذلك مع انشغال الدول الإقليمية الفاعلة في الملف السوري بقضاياها الداخلية أو ملفاتها الإقليمية الأخرى.
وفي إحاطة له أمام مجلس الأمن قبل أسبوعين، قال نائب مندوب دولة الامارات محمد أبو شهاب إن جُل تركيز مجلس الأمن منذ عام 2014 كان تلبية احتياجات الشعب السوري من خلال إنشاء آلية إيصال المساعدات عبر الحدود، لكن المسار السياسي لم يحظ باهتمام مماثل من قبل المجلس، رغم أن التوصل لحل سلمي هو السبيل لمعالجة الأزمة الإنسانية بشكلٍ مستدام.
وكالعادة، مرت مسألة تجديد التفويض الدولي لإدخال المساعدات الدولية إلى الشمال السوري بمساومات في مجلس الأمن، ليتم في النهاية تمرير قرار يسمح بدخول المساعدات، ولكن بعد موافقة النظام السوري، وهذا يحدث لأول مرة، ما جعل النظام نظريا هو المرجعية المعتمدة بشأن إدخال المساعدات.
سورية 2023 ميدانياً: لا تبدل في الخريطة
وميدانيا، لم تشهد الخريطة السورية تبدلاً يذكر، حيث واصلت قوات النظام استهداف المدنيين في الشمال السوري، فيما تستمر المواجهات في شرق الفرات بين العشائر العربية و"قوات سوريا الديمقراطية" على وقع تواصل العمليات العسكرية التركية عبر القصف المدفعي والمسيرات ضد قيادات ومواقع حزب العمال وكوادر قسد في شرق الفرات.
أما إيران، فهي تواصل استخدام الأراضي السورية لتوجيه الرسائل إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، خصوصا بعد الحرب في غزة، سواء في جنوب سورية ضد إسرائيل، أم في شرقها ضد القوات الأميركية.
سورية 2023 عربياً: التطبيع المتعثر
ومع هذا الجمود في المسار السياسي والأوضاع الميدانية، حاول "النظام العربي" إحداث اختراق وتحريك للأوضاع، عبر التقارب مع نظام الأسد، وتمثلت الانعطافة الهامة هنا في انخراط السعودية مع هذه الجهود التي كانت تقودها عادة الإمارات، وذلك بعد أن تمسكت الرياض منذ بداية الثورة السورية، في مارس/ آذار 2011، بموقف متصلب حيال نظام الأسد.
وبرز التوجه السعودي الجديد بشكل خاص مع وقوع الزلزال في سورية وتركيا، في السادس من فبراير/ شباط الماضي، إذ بادرت السعودية لأول مرة إلى إرسال مساعدات إلى مناطق سيطرة النظام السوري عبر طائرات حطت في مطاري حلب ودمشق، لتتسارع الاتصالات بين الجانبين بعد ذلك، وتصل إلى ذروتها بزيارة بشار الأسد العاصمة السعودية مرتين، الأولى ضمن اجتماعات الجامعة العربية، والثانية خلال الاجتماع العربي- الإسلامي الاستثنائي بعد عملية طوفان الأقصى، فيما أعاد النظام افتتاح سفارته في الرياض، وأغلق سفارة الحوثيين في دمشق.
ورغم ظهور علامات برود في مسيرة التطبيع العربي مع النظام بسبب عدم تجاوب الأخير مع الطلبات العربية المقدمة إليه بتحريك الملف السياسي والسماح بعودة اللاجئين ومكافحة المخدرات، إلا أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، قال قبل أيام إن المملكة تدعم قرار جامعة الدول العربية استئناف مشاركة وفود النظام السوري في اجتماعات مجلس الجامعة والمنظمات والأجهزة التابعة لها، وتأمل أن يسهم ذلك "في دعم واستقرار سورية ووحدة أراضيها، وإيجاد حل عاجل للأزمة السورية".
والواقع أن الجانب السعودي لم يقدم لنظام الأسد حتى الآن سوى الشرعية السياسية دون منحه مساعدات مالية كما كان يأمل النظام، وهو ما دفع الأخير ربما الى إعادة إنعاش علاقاته مع طهران من خلال تكثيف الزيارات المتبادلة والتوقيع على مزيد من اتفاقيات التعاون الاقتصادي.
ولعلّ ما يلخص فشل مسار التطبيع هو علاقة النظام مع جاره الأردن. ورغم أن عمان كانت من أكثر المتحمسين لعودة احتضان النظام، على أمل أن يسهم ذلك في ضبط الحدود ووقف تهريب المخدرات باتجاه أراضيه، والبدء بعودة اللاجئين السوريين، إلا أن سلطات النظام السوري لم تتعامل مع المبادرات الأردنية بشكل إيجابي، حيث واصلت، بل صعدت عمليات تهريب المخدرات والأسلحة أيضا، وتواصل عرقلة عودة اللاجئين من خلال ربط عودتهم بالحصول على مساعدات مالية تمكنها من إعادة تأهيل مناطقهم، وفق زعمها.
وبلغ هذا التأزم أوجه في الأيام والأسابيع الأخيرة مع تصاعد الاشتباكات بين القوات الأردنية والمهربين، ما تسبب في سقوط قتلى من الجانبين، ودفع الأردن إلى شن غارات جوية جديدة داخل الأراضي السورية. واتهم الأردن رسميا جهات في النظام السوري بتسهيل عمل المهربين، إضافة الى المليشيات التي ترعاها إيران في الجنوب السوري.
وفضلا عن عدم تعاون النظام مع هذا الانفتاح العربي، تسببت الضغوط الأميركية في وقف عمل "لجنة الاتصال العربية" مع النظام في دمشق، والتي عقدت جلسة واحدة فقط في عمان منتصف العام الحالي، بينما أقر الكونغرس الأميركي المزيد من مشاريع القوانين الخاصة بمنع التطبيع مع نظام الأسد واتهام أبرز رموز النظام برعاية عمليات تصنيع المخدرات وتهريبها.