شكلت "الانتخابات الرئاسية" الشكلية التي أجراها النظام السوري، وأسفرت عن "فوز" بشار الأسد بولاية جديدة، أبرز أحداث عام 2021 في سورية، فيما لم يشهد العام أي تقدم على مساري العملية السياسية في أستانة وجنيف بشأن اعتماد دستور جديد للبلاد، مقابل تقدم عملية التطبيع العربي مع نظام الأسد خطوات إلى الأمام، دون أن تتوج بمصالحة شاملة حتى الآن، بسبب الاعتراضات الأميركية والغربية.
وأجرى النظام ما أسماها "الانتخابات الرئاسية" في 26 مايو/ أيار، رغم اعتراضات المجتمع الدولي، وتهجير نحو نصف الشعب السوري، حيث حصل رئيس النظام على 95.1 بالمئة من الأصوات المفترضة.
وأصدرت العديد من دول العالم بيانات تندد بإجراء الانتخابات، وتؤكد عدم شرعيتها، وهو ما خفض من سقف توقعات النظام ومعه روسيا بأن تكون الانتخابات مدخلا لإعادة تعويم النظام دوليا، باعتبارها تتويجا للمنتصر في الحرب، وفق ما أرادها النظام وروسيا.
التطبيع مع نظام الأسد
وشهد العام 2021 خطوات عدة من جانب بعض الدول العربية لـ"الانفتاح" على نظام الأسد، حيث شكلت الزيارة التي قام بها وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد لدمشق يوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والتقى خلالها رئيس النظام بشار الأسد، المحطة الأبرز على هذا الصعيد.
وكانت ارتفعت في الأشهر الأخيرة وتيرة الانفتاح العربي على نظام بشار الأسد، خصوصا بعد زيارة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لواشنطن في يوليو/ تموز الماضي. كما أجرى وزراء خارجية كل من مصر والأردن وتونس والجزائر والعراق وعُمان لقاءات مع فيصل المقداد، وزير خارجية النظام السوري، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وترافق ذلك مع إعلان الأردن إعادة فتح معبر جابر (نصيب) الحدودي مع سورية، بعد إغلاق دام 60 يوما، إثر التطورات الأمنية في الجنوب السوري، بالتزامن أيضا مع الإعلان عن إعادة إحياء مشروع خط الغاز العربي، والذي على ما يبدو أن الملك الأردني حصل من الإدارة الأميركية على موافقة بإعادة تشغيله، واستثنائه من عقوبات قانون قيصر، على أساس تزويد لبنان بالغاز، من أجل إبعاده عن إيران، وفق بعض التسريبات.
ورغم البعد الاقتصادي للخطوات الأردنية باتجاه نظام الأسد، فمن الواضح أن لها أبعادًا سياسية تتعلق بتطلعات الأردن ليكون له "دور في ترتيب الأوضاع في سورية" خلال المرحلة المقبلة، خاصة بعد أن نجح نظام الأسد في "ابتزاز" الأردن من خلال جلب مليشيات إيرانية قريبا من حدوده، بما يشكل تهديدا لأمنه واستقراره.
ويرى متابعون أن عملية التطبيع مع نظام الأسد بقيت خيارا حاضرا لدى بعض الدول العربية، بانتظار الفرصة المواتية لتفعيلها، حيث قامت كل من الإمارات والبحرين بفتح سفارتيهما في دمشق، لتنضم إلى مجموعة من الدول العربية التي لم تغلق سفاراتها أساسا، مثل مصر والأردن والعراق وعمان والجزائر. لكن هذا المسار ظل مرتبطا بالمواقف والتفاهمات الدولية حيال ما يجري في سورية، والأميركية بشكل خاص، لا سيما بعد صدور قانون قيصر الذي يقضي بمعاقبة المتعاملين مع النظام السوري.
وبعد رحيل إدارة دونالد ترامب عن البيت الأبيض، أعطت سياسة الرئيس جو بايدن الانطباع بأنها لن تتشدد في تطبيق عقوبات قانون قيصر، وهو ما شكل ضوءا أخضر للعديد من الدول العربية التي تتحين الفرصة لاستئناف علاقاتها مع نظام الأسد.
وتقوم سياسة إدارة بايدن في سورية، كما عبر عنها العديد من المسؤولين الأميركيين، على عدة أهداف، في مقدمتها محاربة تنظيم "داعش"، ويتضمن ذلك مواصلة تقديم الدعم لمليشيا "قوات سورية الديمقراطية" (قسد).
ومن الأهداف أيضا خفض التوتر، ومنع الحسم العسكري، ووقف الاشتباك بين الأطراف المتصارعة، وفتح الطريق أمام المساعدات الإنسانية، إضافة إلى منع فتح ملف إعادة الإعمار إلا بعد الشروع في حل سياسي، دون أن يكون إسقاط أو استبدال النظام في دمشق هدفا معلنا للإدارة الاميركية.
كما ظل الموقف الأوروبي تجاه مسألة التطبيع مع نظام الأسد ثابتا في معارضة التطبيع مع نظام الأسد، وربطه إعادة الإعمار بالحل السياسي في سورية.
المفاوضات
وخلال 2021، عقدت الجولتان الخامسة والسادسة من اجتماعات اللجنة الدستورية في مقر الأمم المتحدة بمدينة جنيف السويسرية، في يناير/ كانون الثاني وأكتوبر/ تشرين الأول، دون أن تسفرا عن نتائج، بسبب تعنت وفد النظام الذي أعاق التوصل إلى اتفاق حول آلية كتابة دستور جديد ومضمونه، ولم يتحدد حتى الآن موعد الجولة المقبلة التي علقت الكثير من الدول آمالا عليها كخطوة باتجاه الحل السياسي.
كما عقدت يومي 21 و22 ديسمبر/ كانون الأول الجاري الجولة 17 من مسار أستانة دون نتائج محددة تتعدى نطاق العموميات التي درجت عليها الجولات السابقة لناحية الدعوة إلى "الالتزام بوحدة سورية واستقلالها ومحاربة الإرهاب".
وعقب انتهاء مباحثات أجراها المبعوث الدولي غير بيدرسون في دمشق قبل أيام، أعرب عن تطلعه للحصول على أخبار جديدة في المستقبل القريب فيما يتعلق باللجنة الدستورية، مشيرا إلى إمكانية طرح مقاربة جديدة "خطوة مقابل خطوة" تمنح العملية السياسية في سورية دفعة قوية، خاصة بعد محادثاته المتتالية مع دول عربية وأوروبية، إضافة إلى الولايات المتحدة، حيث لاحظ اتجاه تلك الدول للانفتاح على نظام الأسد من جديد.
ويقصد بسياسة "الخطوة مقابل خطوة" تقديم تنازلات لنظام الأسد على صعيد الانفتاح عليه، وتخفيف العقوبات الدولية، مقابل تعاونه في تسريع وتيرة الحل السياسي، وهو ما شكك مراقبون بفاعليته، ذلك أن نظام الأسد يعتبر أن وضع دستور جديد للبلاد قد يكون مدخلا لتطبيق قرارات الشرعية الدولية التي تدعو إلى انتقال سياسي، ما يمهد لاستبدال النظام الحالي.
ولاقى إعلان بيدرسون رفضا من جانب المعارضة السورية، التي اعتبرت أن المبعوث الدولي خرج عن نطاق عمله المتمثل في تطبيق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالقضية السورية.