تكثّف لجنة "رد المظالم"، التي تم تشكيلها أواخر العام الماضي من قبل "الجيش الوطني السوري" المعارض بالتعاون مع "المجلس الإسلامي السوري"، من مساعيها للحد من التجاوزات التي تحدث بحق السكان في منطقة عفرين، ذات الغالبية الكردية في ريف حلب الشمالي الغربي، وتحديداً متزعم فصيل "فرقة السلطان سليمان شاه" أحمد الجاسم، المعروف بـ "أبو عمشة".
وذكرت مصادر مطلعة أن اللجنة طالبت بتسليم شقيقي "أبو عمشة" للقضاء، بسبب انتهاكات مارساها منذ عام 2018 في ناحية الشيخ حديد الخاضعة لهذا الفصيل.
وقد أقال الفصيل، أول من أمس السبت الماضي، شقيقي الجاسم من عملهما، باسل الجاسم "أبو سراج الليزر"، الذي يتولى المكتب العسكري في الفصيل، وسيف الجاسم الذي كان يرأس المكتب الأمني.
تسجيلات صوتية عن انتهاكات عدة
وتحدثت مصادر من داخل اللجنة في تسجيلات صوتية عن حوادث "ابتزاز جنسي"، و"التسلط على رقاب الناس"، و"سلب الناس أرزاقها"، وفرض إتاوات على السكان، وحوادث سرقة، واعتقالات من دون تهم، وتعذيب في سجون يشرف عليها الفصيل.
وكانت اللجنة قد تشكّلت في أواخر العام الماضي بمبادرة من "المجلس الإسلامي السوري"، بعد ازدياد حالات التعدي والتجاوز بحق السكان المحليين والوافدين إلى منطقة عفرين من مختلف المناطق السورية.
اللجنة قطعت الشوط الأكبر من عملها في ناحية الشيخ حديد
ووفق مصادر مطلعة، تضمّ اللجنة المكلفة بالتحقيق بالتجاوزات من قبل فصيل "فرقة السلطان سليمان شاه"، في منطقة الشيخ حديد في عفرين، كلا من: عضو المجلس الإسلامي عبد العليم عبد الله، والشيخ أحمد علوان، والشيخ موفق العمر.
وكشف علوان في حديث مع "العربي الجديد"، أن "اللجنة قطعت الشوط الأكبر في عملها في ناحية الشيخ حديد"، مشيراً إلى وجود تعاون وتجاوب من الأطراف المعنية. ونوّه إلى أنه "هناك مداولات حول تغيير مكان توقيف المتهمين. ولا نستطيع الآن الإفصاح عن حيثيات التحقيق حتى تكتمل الصورة ونرى الحكم المناسب حول القضايا المتداولة".
ولفت علوان إلى أن "قيادة غرفة عمليات عزم (تضم فصائل معارضة نافذة في الشمال)، وكّلت اللجنة وفوضتها وتعهدت بتنفيذ أحكامها"، موضحاً أن "لجنة الشيخ حديد طارئة".
وقال: هناك لجنة وطنية مشكلة مدعومة من المجلس الإسلامي ومن فصائل الجيش الوطني، ستتابع عملها في مناطق سيطرة هذه الفصائل في الشمال السوري.
الهدف من تشكيل لجنة "رد المظالم"
وتهدف لجنة رد المظالم الى تحسين الواقع الأمني وتمكين المؤسسات الرسمية في مناطق "غصن الزيتون" التي تضم عفرين وريفها، و"درع الفرات" وتضم جانباً كبيراً من ريف حلب الشمالي، و"نبع السلام" في منطقة شرقي نهر الفرات، الممتدة بطول 100 كيلومتر بين مدينتي تل أبيض في ريف الرقة، ورأس العين في ريف الحسكة.
وتشهد كل هذه المناطق انتهاكات من قبل بعض الفصائل المنضوية في "الجيش الوطني"، إلا أنها تتركز أكثر في منطقة عفرين، التي خضعت لهذه الفصائل في الربع الأول من عام 2018.
ومنذ تشكيلها بتّت اللجنة بمئات الدعاوى المقدمة إليها من السكان، وأعادت إلى عدد كبير منهم أملاكهم، وفق مصادر من داخل اللجنة.
كما حلّت العديد من النزاعات حول منازل ومحال تجارية ومنعت فرض الضرائب على السكان.
وتُقسم منطقة عفرين إلى سبع نواحٍ هي: عفرين، الشيخ حديد، معبطلي، شران، بلبل، جنديرس، راجو. من جانبه، أوضح المتحدث باسم اللجنة، وسام القسوم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "اللجنة هي مبادرة وطنية من عدد من نخب الثورة وفصائل الجيش الوطني"، معتبراً أن قوة اللجنة العسكرية تأتي من فصائل "الجيش الوطني" الممثلة جميعها في اللجنة، إضافة إلى القوة الشعبية المؤيدة والداعمة لها.
وشدّد القسوم على أن "اللجنة تنظر في الدعاوى المقدمة ضمن شروط معينة أبرزها: ألا تكون منظورة في القضاء، وأن تتعلق بأفراد الجيش الوطني، أو أن يكون صاحب الدعوى قد حصل على قرار حكم أصولاً من المؤسسات القضائية، وعجز عن التنفيذ لامتناع المحكوم ضده عن ذلك، استناداً إلى قوة يعتمد عليها. وحينها تقوم اللجنة بتنفيذ القرار ودعم المؤسسات الثورية ضمن ترتيب وإجراءات معينة عندها".
وأوضح القسوم أن اللجنة "تنظر في أي تجاوزات قد تقع من منتسبي الجيش الوطني في منطقة غصن الزيتون، وفي أي فرائض أو ضرائب قد يتم فرضها على الأهالي من دون وجه حق، وأي خلاف أو نزاع داخلي قد يقع تتدخل اللجنة لوقف الاقتتال الحاصل".
وفي السياق، يرى الباحث في مركز "الحوار السوري" ياسين جمول في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تجربة لجنة ردّ المظالم من التجارب الناجحة في الشمال السوري، كفكرة وأهمية".
ارتكبت "فرقة السلطان سليمان شاه" انتهاكات عدة في الشمال
ويعتبر أن الشمال السوري "بيئة عسكرية ومنطقة حرب، وإن لم تشهد معارك على نحو ما كانت عليه منذ سنوات"، مضيفاً: وهذا ما يجعل الكلمة الأولى والأخيرة للفصائل العسكرية، وإن لم تعد بوجود الإدارة التركية كما كانت ولكنها صاحبة "البندقية" التي تضبط من جهة وتُرهب من جهة أخرى.
ويوضح جمول أن "هذه الفصائل ليست متشابهة لجهة بنائها وتنظيمها وكذلك من جهة انضباط عناصرها"، معتبراً أن السلاح يُفسد مع أجواء الحرب والتنازع بين الشركاء على المصالح والغنائم.
ويشير جمول إلى أن "قادة الفصائل كلهم يؤكدون دعمهم للجنة رد المظالم"، مضيفاً: لكن مع وصولها إلى كل واحد فيهم وما تحت يده ستجده يتوقف، لأنه من جهة يخشى على نفسه أن يضعف ويُؤكل إن خسر مكاسبه، ومن جهة أخرى قد لا تكون له السلطة اللازمة على عناصره لينتزع ما في أيديهم، بل قد يقع اقتتال بينهم وينفضّون عنه إن حاول نزع ما سيطروا عليه.
ويعرب جمول عن اعتقاده بأن "اللجنة مهمة جداً، وضعفها حالياً لا يبرر الطعن بها أو التقليل من أهميتها، وهنا يتأكد دور الحاضنة الشعبية في دعمها، فمهما بلغت سطوة الفصائل وتجاوزاتهم، تبقى لوحة التحكم الأساسية بيد الناس.