أنهت "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) العمليات العسكرية الواسعة في منطقة ريف دير الزور شرق سورية، حيث شهدت هذه المنطقة اندلاع مواجهات عسكرية بين قوات قسد ومقاتلي العشائر العربية بقيادة الشيخ إبراهم الهفل من عشيرة العكيدات. لكن السؤال الرئيسي الآن هو: هل هذه الهدنة ستكون دائمة أم أن المواجهات ستتجدد في المستقبل؟
وكان قد أعلن عن نهاية هذه العمليات في بيان أصدرته قسد في الثامن من سبتمبر/أيلول، لكن ما زالت العمليات الأمنية المحدودة مستمرة بعد مرور نحو 40 يوماً من بدء العمليات، كما تستمر المناوشات والهجمات ضد مقاتلي قسد من قبل مقاتلي العشائر.
بالنظر إلى السيطرة العسكرية على المنطقة، سواء من قبل مقاتلي العشائر أو قوات "قسد" يبدو أن القضية لا تزال غير محسومة بشكل نهائي، وربما تستغرق وقتاً طويلاً قبل التوصل إلى حل نهائي. هذا وفقاً للباحث رشيد حوراني من مركز جسور للدراسات، الذي شارك في دراسة حول الاقتتال بين العشائر وقوات قسد.
وقال الباحث حوراني لـ "العربي الجديد"، إن الاجتماعات التي جرت في أربيل قبل أيام، والتي شهدت حضور الشيخ مصعب، شقيق الشيخ إبراهيم الهفل، ومقاتلي العشائر العربية، قد أكدت الاعتراف بالوضع المناوئ لقسد في المناطق التي تسيطر عليها.
وأضاف أنه "على الرغم من أن الاجتماع والمفاوضات التي جرت في أربيل لم تثمر عن حل نهائي أو توصل إلى اتفاق نهائي بين الأطراف المتنازعة، إلا أنها تعكس العمليات التي ينفذها مقاتلو العشائر بشكل تدريجي ونجاحهم في اختيار الزمان والمكان المناسب لشن هجماتهم ضد أهداف قسد".
وبحسب حوراني، فإنه "منذ اندلاع الانتفاضة العشائرية وحتى اجتماع أربيل، تظهر هذه العمليات العسكرية كجزء من استراتيجية تدريجية تهدف إلى زعزعة استقرار قسد".
وأكد أن "تلك العمليات تتطلب دعماً اجتماعياً للمقاتلين، الذين ينتمون أيضاً إلى "مقاتلي العشائر" ويوجدون في البيئة المحلية" مشيراً إلى أن "هذه البيئة تعاني من التهميش والإقصاء من قبل قوات قسد. بالإضافة إلى الجوانب المادية المتمثلة في قدرة المقاتلين على تحقيق خسائر في صفوف قسد، هناك أيضاً جوانب معنوية مهمة تتمثل في تعاون البيئة المحلية مع هؤلاء المقاتلين ودعمهم".
وأوضح بالقول إنه "بناءً على هذه الجوانب، يصبح من الصعب بشكل كبير استعادة قسد لسيطرتها على المنطقة. هناك سببان رئيسيان لهذا: أولاً، المنطقة كانت تعاني من هشاشة أمنية منذ قبل اندلاع الانتفاضة العشائر، وثانياً، تمتلك مقاتلي العشائر وجوداً وانتشاراً واسعين عبر حدود مفتوحة، مما يسمح لهم بالتعاون مع أطراف أخرى ضد قوات قسد حسب الضرورة والمرحلة الزمنية المناسبة".
وشهدت المنطقة موجتي تصعيد بعد إعلان "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) إيقاف العمليات العسكرية. الموجة الأولى وقعت في 25 سبتمبر/أيلول واستهدفت حواجز قوات قسد في مناطق متعددة في شمال وشرق محافظة دير الزور. أما الموجة الثانية، فبدأت في 11 أكتوبر/تشرين الأول بعد تسجيل صوتي لشيخ قبيلة العكيدات إبراهيم الهفل. استمرت هذه الموجة لمدة يومين، وشهدت استهداف مقاتلي العشائر لـ 10 أهداف منفصلة تابعة لقوات قسد، وفقًا لتحليل مركز "جسور" الذي نشر في 13 أكتوبر.
إلى جانب العمليات العسكرية، تلعب العوامل المالية والعسكرية واللوجستية دورًا حاسمًا في قدرة مقاتلي العشائر على الاستمرار. كما يشمل التوسع في نطاق العمليات وتجميع القبائل والعشائر للمشاركة في هذا الحراك. يقود هذا الحراك أساساً أبناء عشيرة العكيدات. وكانت "قوات سورية الديمقراطية" استخدمت الخيارات الأمنية والعسكرية في التعامل مع هذا الحراك داخل المنطقة. كذلك، تأثرت المنطقة بمفاوضات أجريت في أربيل وتعثرت بسبب تعنت "قوات سوريا الديمقراطية" فيها.
من جهته، أشار الناشط الإعلامي مدين عليان خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المواجهات العسكرية في المنطقة قد تتجدد في أي وقت، بخاصة مع عدم تحقيق صيغة حل مرضية للأطراف المتنازعة، واستمرار تواجد التحالف الدولي في المنطقة". وبحسب عليان، فقد بات يتضح أن "قسد تتبنى سياسة توسع في المنطقة، حتى وإن لم يتم الإعلان علناً عنها، بناءً على التطورات الميدانية".
وأوضح عليان أنه "ينبغي على مقاتلي العشائر أولاً أن يسعوا إلى تحقيق مكاسب من خلال المفاوضات. يجب عليهم أيضاً تعزيز التعاون مع قسد وتنظيم علاقتهم مع التحالف الدولي بشكل أفضل". وشدد على "عدم اتباع نهج إقصائي كمال تفعل قسد لتعطيل المفاوضات، وهذا الأمر مرهون بمدى قدرة أبناء المنطقة من العشائر على إدارتها بالدرجة الأولى، والمرونة للتعامل بسياسة وحنكة مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من جهة ثانية، إضافة لانتهاج لوي الذراع مع قسد للحصول على هذه المكاسب، لتدار المنطقة بكوادر من أبنائها".
وتشهد بلدات ريف دير الزور الشرقي اضطراباً منذ بداية سبتمبر/أيلول الماضي، بسبب إقالة قائد "مجلس دير الزور العسكري" التابع لـ "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، أحمد الخبيل (المعروف أيضاً بأبو خولة)، وفرض الإقامة الجبرية عليه بسبب اتهامات تتعلق بالفساد وسوء الإدارة و"التنسيق مع جهات خارجية معادية للثورة" في إشارة إلى النظام والمليشيات الإيرانية التي تسيطر على ريف دير الزور جنوب نهر الفرات. وعلى إثر ذلك انتفض مقربون منه ضد قسد، وامتد ذلك ليشكل انتفاضة عشائرية واسعة.
هذه المناطق الواقعة تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" تشهد احتجاجات شعبية نتيجة للوضع الأمني والاقتصادي الصعب، وهناك اتهامات توجه لـ"قسد" من قبل بعض الأطراف بالفساد والتهميش لصالح القيادات الكردية المنتمية لحزب العمال الكردستاني (PKK) على حساب المكون العربي في المنطقة.