سنة على الشغور الرئاسي في لبنان: لا توافق رغم خطورة المرحلة

31 أكتوبر 2023
ميلاد أبو ملهب مواطن لبناني يقدم نفسه مرشحاً رئاسياً، أكتوبر 2022 (حسام شبارو/الأناضول)
+ الخط -

في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022، انتهت ولاية الرئيس اللبناني ميشال عون، لتطوي صفحة ستّ سنواتٍ من عهدٍ "تربّعت" الأزمة الاقتصادية على عرشه، وتصدّرت الصراعات وتصفية الحسابات السياسية والطائفية عناوينه، كما هي قائمة اليوم، وتمنع منذ سنة، ملء الشغور في سدّة الرئاسة الأولى، ولا تزال تحول دون ذلك رغم شبح الحرب الذي يخيم على البلاد.

وعلى الرغم من حدّة الانهيار النقدي وتدهور المستوى المعيشي عند اللبنانيين وارتفاع معدلات الجوع والفقر والبطالة، وتراجع مستوى الخدمات في البلاد، وأخطرها الصحي، إلاّ أن ذلك لم يحرك المسؤولين في لبنان لانتخاب رئيس، ووضع خلافاتهم ومصالحهم الشخصية جانباً، كما لم تدفعهم التحذيرات الخارجية الدولية بعدم تقديم أي مساعدة للنهوض اقتصادياً قبل انتخاب رئيس وتشكيل حكومة جديدة وتنفيذ خطة إصلاحية بالإسراع في حلّ الأزمة الرئاسية.

سلبيات الشغور الرئاسي

وينعكس الشغور الرئاسي تعطيلاً في عمل الحكومة التي يقاطع جلساتها الوزراء المحسوبين على حصة عون، الذي حرص على توقيع مرسوم استقالة حكومة نجيب ميقاتي قبل انتهاء ولايته، إلى جانب انعكاسه بشلّ البرلمان الذي يرفض القسم الأكبر من نوابه انعقاده قبل انتخاب رئيس.

وبالذريعة نفسها، يمنع الشغور الرئاسي إجراء التعيينات الأساسية في البلد، كما حصل بموقعي المدير العام للأمن العام، وحاكم المصرف المركزي، فأصبح العميد الياس البيسري، بالإنابة، خلفاً للواء عباس إبراهيم المنتهية ولايته في الأمن العام. وكذلك بات وسيم منصوري، بالإنابة، حاكماً للمصرف المركزي، بعد انتهاء ولاية رياض سلامة.

وفي ظلّ الشغور أيضاً، يدور خلاف حول التعيينات العسكرية، خصوصاً مع اقتراب انتهاء ولاية قائد الجيش العماد جوزاف عون في يناير/كانون الثاني المقبل.

شهدت الفترة الماضية تحركات قطرية محاولةً إحداث خرق في جدار الأزمة

 

وفي 29 سبتمبر/أيلول 2022، كانت الدعوة الأولى من رئيس البرلمان نبيه بري لانتخاب رئيس للبلاد، وشارك فيها 122 نائباً من أصل 128، فوقع التنافس وقتها بين مرشح القوى المعارضة النائب ميشال معوض (حاز 36 صوتاً) والورقة البيضاء التي اقترع بها نواب "حزب الله" و"حركة أمل" و"التيار الوطني الحر" (يترأسه النائب جبران باسيل)، وحازت 63 صوتاً.

وعانى نواب "قوى التغيير" (انبثقوا عن انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019)، من انقسامات في ما بينهم حالت دون اتفاقهم على رأي أو مرشح واحد، علماً أن غالبيتهم صوتوا لسليم إده، نجل السياسي ميشال إده، بعدما ضمت قائمة اختياراتهم النائب السابق صلاح حنين ووزير الداخلية الأسبق زياد بارود، بيد أن أي اسم لم يؤمن غالبية الثلثين من أصوات النواب، أي ما يعادل 86 نائباً من أصل 128.

ودفع بري لختم الجلسة بعد إسقاط نصاب الدورة الثانية بفعل انسحاب كتلته وحلفه السياسي من القاعة. وقال بري حينها، إن التوافق أساس لانتخاب رئيس للبنان.

12 جلسة فاشلة لانتخاب رئيس للجمهورية

ومنذ ذلك التاريخ، فشل مجلس النواب 12 مرة بانتخاب رئيس، وعلى الرغم من أن السيناريو نفسه كان يتكرّر بافتتاح الجلسة، عبر عقد الدورة الأولى من الاقتراع، ومن ثم تعطيل الدورة الثانية من الفريق ذاته بفعل إفشال نصاب الحضور.

لكن الخيارات السياسية اختلفت لاحقاً، بدءاً من إعلان بري رسمياً في مارس/آذار الماضي، ترشيح رئيس "تيار المردة" الوزير السابق سليمان فرنجية، الرجل الأقرب إلى النظام السوري، لرئاسة الجمهورية، في موقفٍ استبق فيه إعلان الدعم من جانب الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله.

وسام اللحام: جلسات انتخاب الرئيس تُدار بطريقة اعتباطية من قبل بري، الذي يفسّر الدستور حسب مصالحه السياسية

 

وعلى أثر إعلان بري، تبدّل موقف باسيل، بعدما خسر حظوظه الرئاسية، فاختار مواجهة فرنجية، بالتقاطع مع قوى المعارضة المؤلفة بشكل أساسي من "القوات اللبنانية" (يرأسها سمير جعجع)، "الكتائب اللبنانية" (يرأسها النائب سامي الجميل)، "الحزب التقدمي الاشتراكي" (يرأسها النائب تيمور جنبلاط)، وبعض النواب التغييريين والمستقلين، إذ فضّل هذا الفريق البحث في خيار آخر يكون قادراً على مواجهة فرنجية، فكان تأييده لوزير المال السابق، المسؤول في صندوق النقد الدولي، جهاد أزعور، بدلاً من معوض.

وهذه التبدّلات لم تساهم أيضاً في حلّ الأزمة الرئاسية، إذ فشل كل فريق في جلسة 14 يونيو/حزيران الماضي، وهي آخر جلسة اقتراع، بإيصال مرشحه للرئاسة، فحصل أزعور على تأييد 59 صوتاً، بينما حاز فرنجية على 51 صوتاً في الجولة الأولى، قبل تطيير نصاب الدورة الثانية.

وتنصّ المادة 49 من الدستور اللبناني على أن رئيس الجمهورية يُنتخب بالاقتراع السري بغالبية الثلثين (86 من أصل 128 نائباً) من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة (65 نائباً) في دورات الاقتراع التي تلي، في حين أن نصاب انعقاد الجلسة الذي يعتمده بري، يتمثل في 86 نائباً من أصل 128، الأمر الذي يبقيه عرضة للتعطيل من قبل الأفرقاء السياسيين، ويجعل التوافق أو التسوية السياسية شرطاً أساسياً لتأمينه.

ومنذ الشغور الرئاسي، برزت مجموعة من الأسماء المطروحة لرئاسة الجمهورية، إلى جانب فرنجية وأزعور ومعوض، منها، وزير الداخلية الأسبق زياد بارود، النائب نعمة افرام، وقائد الجيش العماد جوزاف عون، علماً أن الاسمين الأخيرين وُضعا في أكثر من مناسبة بقالب المرشح الثالث التوافقي، الذي قد ترضى عنه الدول الخارجية، تحديداً المعنية بالملف اللبناني.

وظهرت خلال هذه السنة مبادرات داخلية بالملف الرئاسي، أبرزها، دعوات الحوار التي أطلقها بري، بيد أنها لاقت رفض "التيار الوطني الحر" والقوى المعارضة لحلف "حزب الله"، بما فيها الدعوة لحوار يستمر سبعة أيام ويليه جلسات متتالية لانتخاب رئيس في شهر سبتمبر/أيلول الماضي.

واعتبر معارضو بري هذه الدعوة بأنها "غير دستورية، وتهدف إلى فرض فرنجية، رئيساً للجمهورية". كذلك، اعتصم النائبان نجاة عون صليبا وملحم خلف في مجلس النواب حتى فتح دورات متتالية وانتخاب رئيس وذلك لأشهر عدة، بيد أن خطوتهما لم تلق آذاناً صاغية.

وكانت سنة الفراغ، حافلة بالمبادرات الخارجية لمساعدة المسؤولين اللبنانيين على حلّ الأزمة الرئاسية، بدءاً بتلك الفرنسية، التي تسّربت إلى الإعلام والأوساط السياسية، وتمثلت بتسوية تقضي بانتخاب فرنجية رئيساً للجمهورية، في مقابل انتخاب الدبلوماسي، نواف سلام رئيساً للحكومة، بيد أنها اصطدمت برفض القوى المعارضة المتمسكة بمنع إيصال مرشح "حزب الله" للرئاسة.

كذلك، برزت مساعي اللجنة الخماسية الدولية المؤلفة من قطر، المملكة العربية السعودية، فرنسا، الولايات المتحدة، ومصر، بيد أنها لم تنجح في كسر التعنّت السياسي، وفي ظل تمسّك "حزب الله" و"حركة أمل" بالدرجة الأولى، بفرنجية، الموعود بخلافة الرئيس السابق ميشال عون، الذي فرضه الحزب رئيساً عام 2016، بعد فراغ استمرّ سنتين ونصف السنة تقريباً.

وعانت أيضاً اللجنة الخماسية من انقسامٍ، خصوصاً لناحية طريقة التعاطي الفرنسي مع الملف اللبناني، والمناورة التي حصلت، وبدت فاضحة في الزيارة الأخيرة للموفد الرئاسي الفرنسي، جان إيف لودريان، الذي زار بيروت ثلاث مرات في إطار مساعي حلّ الأزمة الرئاسية، آخرها في سبتمبر الماضي، فكان أن أعلن صراحة تأييد دعوة بري للحوار، رغم رفضها من قبل أطراف أساسية في السلطة، ومنها المعارضة، التي اعتبرت خطوة لودريان خروجاً عن مسار عمل اللجنة الخماسية، وذلك قبل أن يعود الموفد الفرنسي، ويطرح خيار المرشح الثالث.

تحركات قطرية لحلّ الأزمة

وشهدت الفترة الماضية تحركات قطرية في محاولة لإحداث خرق جدي في جدار الأزمة تخللتها زيارات عدة للموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني إلى بيروت وكان هناك تفاؤل بشأنها، وذلك قبل بدء عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، واندلاع معركة الحدود الجنوبية في لبنان، ما جمّد الملف برمّته.

وقبل التطورات العسكرية، قال السفير القطري لدى لبنان، سعود بن عبد الرحمن آل ثاني، لـ"العربي الجديد"، إن لقاءاته مع القادة السياسيين اللبنانيين كانت "إيجابية"، لافتاً إلى أننا "متفائلون بالوصول إلى حل، إذ لا بدّ للمكونات السياسية في لبنان أن تتعاون لإنهاء الشغور الرئاسي".

وأكد أن "دولة قطر لا ترشح أو تدعم أسماء للرئاسة، بل تحاول تقريب المسافات ووجهات النظر بين القوى السياسية التي ستختار باسم الشعب اللبناني رئيساً للجمهورية"، وذلك في معرض ردّه على سؤال حول صحة ما يُحكى في وسائل الإعلام وبعض الأوساط السياسية اللبنانية عن دعم قطر ترشيح قائد الجيش لرئاسة الجمهورية، أو تأييدها مسار البحث عن اسم ثالث غير فرنجية وأزعور.

كما شدد السفير القطري على أن الدوحة حريصة على مساعدة بيروت لتجاوز الأزمة الاقتصادية والمالية التي تمرّ بها، كما تأمل وتسعى مع شركائها في اللجنة الخماسية بشأن لبنان إلى إيجاد حل للأزمة الرئاسية في أسرع وقت ممكن، كي ينعم لبنان مجددا بالاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي والاجتماعي.


السفير القطري لدى لبنان سعود بن عبد الرحمن آل ثاني لـ"العربي الجديد": متفائلون بالوصول إلى حل
 

ولفت السفير إلى أن "هناك تنسيقاً متواصلاً مع اللجنة الخماسية، ونحن في دولة قطر ندعم جميع الجهود المبذولة، ومنها الجهود الفرنسية لحل الأزمة الرئاسية في لبنان"، معتبراً أن "انتخاب رئيس للجمهورية هو مطلب اللجنة الخماسية والدول الصديقة للبنان، ويتم ذلك عبر التفاهم والحوار وتطبيق الدستور".

تداعيات الفراغ الرئاسي في لبنان

في السياق، رأى الوزير السابق رشيد درباس لـ"العربي الجديد"، أن "أول تداعيات الفراغ الرئاسي هو الخواء العام الاقتصادي والاجتماعي، وركاكة الاستعدادات لمواجهة الأحداث الخطيرة التي ممكن أن تقع في لبنان إبان التطورات الأمنية على الحدود الجنوبية".

واعتبر أن "في هذه اللحظة على النواب أن يخجلوا من أنفسهم ويذهبوا إلى البرلمان لانتخاب رئيس، لأنه من غير المعقول أن تكون هناك دولة على شفا حرب ولا يكون لها رأس".

وشدّد درباس على أن عدم نجاح المساعي لانتخاب رئيس بسبب "كوننا أمام طبقة سياسية ومشهد سياسي عقيم لن ينتج إلا الفشل، أما الأسماء التي تطرح فهي من بوابة اغتيال المرشحين سياسياً قبل أن يصبحوا مرشحين جديين"، مشيراً في الوقت نفسه، إلى أن "المرشح صاحب الحظ الأوفر حالياً هو قائد الجيش العماد جوزاف عون".

دستورياً، أفاد المتخصّص في القانون الدستوري، وسام اللحام، لـ"العربي الجديد"، بأن جلسات انتخاب الرئيس تُدار بطريقة اعتباطية من قبل بري، الذي يفسّر الدستور حسب مصالحه السياسية، فمن جهة أولى، يعقد بري الجلسة بدورتها الأولى التي تتطلب نصاب 86 نائباً لانتخاب رئيس، ومن ثم يرفع الثانية عندما تفقد نصابها، لنعيد المشهد عند كل جلسة، ومن الدورة الأولى".

وأوضح أنه "يجب ألا يرفع الجلسة وألا يعيد الدورة الأولى، وبالتالي، يجب إكمالها، بمعنى أنه بعد عقد الدورة الأولى بنصاب 86 نائباً، بمجرد اكتمالها، نصبح أمام جلسات مفتوحة تكون فيها الغالبية المطلقة لانتخاب رئيس أي 65 صوتاً".

وأضاف اللحام أن "بري يصرّ على أن النصاب هو الثلثان في الدورات كلها أي حضور 86 نائباً في الدورة الأولى وأيضاً الثانية، علماً أنه في الدورة الثانية يمكن اعتماد حضور 65 نائباً، وعلى الرغم من اعتراض العديد من النواب على ذلك، لكنه لا يردّ على مطالبهم، عدا عن أن طريقة احتسابه الأصوات وتحديداً تلك الملغاة، والتي تعبّر عن شعارات لا أسماء، ما يؤثر في تحديد الأصوات التي يحوزها كل فريق".