استمع إلى الملخص
- **خطوات سموتريتش نحو الضم الفعلي**: تفاخر سموتريتش بأن خطوات إدارية قد تؤدي إلى الضم الفعلي للضفة الغربية، مستغلاً حالة الطوارئ في إسرائيل وضعف نتنياهو السياسي، بهدف تثبيت الاستيطان وزيادة عدد المستوطنين.
- **مصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات**: أعلنت الإدارة المدنية تحويل 12700 دونم في غور الأردن إلى أراضي دولة، ومصادرة آلاف الدونمات الأخرى، وتسويق 6016 وحدة سكنية جديدة في المستوطنات، مما يعزز سياسات الضم والاستيطان.
استغلت الحكومة الإسرائيلية حرب إبادة غزة والتوتر في الضفة الغربية المحتلة، والتصعيد على الجبهة الشمالية مع لبنان، بغية تنفيذ سياسات تغيّر جغرافية وديمغرافية الضفة الغربية جوهرياً، ومنها تطبيق أجزاء من خطة الحسم في الضفة الغربية التي أعلنها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في عام 2017. وباتت الحكومة الإسرائيلية أكثر وضوحاً وإصراراً، مقارنة بجبهات أخرى، لتنفيذ خطوات جوهرية عديدة في الضفة الغربية، في سعيها إلى حسم حالة الضفة الغربية ومكانتها. وانتهجت الحكومة الحالية منذ تشكيلها، وقبل عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سياسة مبنية على مبدأ محاولة حسم الصراع مع الفلسطينيين، ومحاولة فرض الأمر الواقع، بديلاً لمقاربة "تقليص الصراع" أو "إدارة الصراع" اللتين عملت بهما الحكومات السابقة، ولو بشكل غير رسمي ومن دون الإعلان عن ذلك.
خطة الحسم في الضفة الغربية
تمحورت مقاربة تقليص الصراع من فرضية مفادها بأن احتلال المناطق الفلسطينية عام 1967 هو بمثابة مصيدة، وأن لا قدرة لإسرائيل على ضمها بشكل كامل خشية من اختلال التوازن الديمغرافي، وكذلك فإن لا قدرة لها على الانسحاب منها خشية على أمنها، وفقاً للمفاهيم الإسرائيلية. لذلك لا يمكن تبنّي أحد الحلول، ومن هنا لا بد من العمل على "تقليص الصراع" بدلاً من السعي العقيم لحله، وفقاً لصاحب المقاربة الكاتب والمختص في الفكر اليهودي، ميخا غودمان. غودمان طرح هذه الأفكار في مقال نشر في عام 2017، بعد أشهر من إصدار كتابه "مصيدة 67". الأدوات الضرورية لذلك، وفق غودمان، هي تخفيض حجم السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين، وتقليص حضور الاحتلال اليومي والانسحاب الإسرائيلي المباشر من الحياة اليومية للسكان الفلسطينيين، ورفع القيود عن حرية الحركة والتنقل، وتحسين الأحوال الاقتصادية بدلاً من حرب إبادة غزة المستمرة منذ السابع من أكتوبر الماضي. تم تبني مقاربة "تقليص الصراع" بشكل جزئي وغير معلن من قبل عدد من القيادات الإسرائيلية، ومنهم يئير لبيد رئيس الحكومة الأسبق ورئيس المعارضة الحالي والوزير السابق جدعون ساعر، وإلى حد ما رئيس الوزراء الأسبق نفتالي بنيت. إلا أن الحكومة الحالية ونتيجة لتركيبتها اليمينية المتطرفة، انتقلت إلى محاولة تنفيذ خطة الحسم في الضفة الغربية وبالتالي القضية الفلسطينية. وللخطوات الإسرائيلية الحالية في الضفة الغربية آثار على المدى البعيد في واقع الاحتلال، مما سيغير طبيعة الاحتلال وطبيعة النضال ضد الاحتلال.
تفاخر سموتريتش في اجتماع لحزبه بأن خطوات حكومية قد تؤدي إلى الضم الفعلي للضفة
وتفاخر سموتريتش في اجتماع لحزب الصهيونية الدينية، عقد في التاسع من يونيو/حزيران الماضي في البؤرة الاستيطانية "مزرعة شاحريت"، بأن سلسلة من الخطوات الإدارية للحكومة، قد تؤدي إلى الضم الفعلي للضفة الغربية، ونقل إدارة جميع المواضيع المتعلقة بالمستوطنات والبناء من أيدي الجيش إلى مسؤولين في الحكومة، والمقصود مسؤوليته هو كونه وزيرا ثانيا في وزارة الأمن والمسؤول عن الإدارة المدنية، بخلاف القانون الدولي. سموتريتش رأى أن الوقت متاح لتنفيذ خطة الحسم في الضفة الغربية التي اقترحها في عام 2017. وقد جاء في خطة الحسم في الضفة الغربية التي نشرت في مجلة "هشيلوح"، أن "الإرهاب ينبع من الأمل في إضعافنا"، وبالتالي "أي حل يجب أن يقوم على بتر الطموح لتحقيق الحلم الوطني العربي بين الأردن والبحر... هذا الأمر سيستغرق وقتاً، لأننا عززنا بحماقتنا الوهم لدى العرب بأنهم سيتمكنون من إقامة دولة لهم هنا". قبل ذلك قال سموتريتش في خطاب ألقاه أمام الهيئة العامة للكنيست عام 2015: "توجد هنا دولة واحدة فقط، دولة يهودية، ولن تقوم إلى جانبها أبداً دولة فلسطينية. من يريد العيش معنا أهلاً وسهلاً، أما من لا يريد فإما أن يرحل أو سنراه في المهداف (مهداف البنادق)". وباشر سموتريتش أخيراً محاولة ترجمة هذه التصريحات والقناعات على أرض الواقع، مستغلاً حالة الطوارئ في إسرائيل، وتركيز الاهتمام الإعلامي المحلي والدولي على حرب إبادة غزة والتطورات في الجبهة الشمالية وإمكانية توسع الجبهة إلى حرب واسعة، وكذلك نتيجة ضعف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السياسي وتعلق مصيره السياسي بالكامل بدعم حزب الصهيونية الدينية بقيادة سموتريتش وحزب القوة اليهودية بقيادة إيتمار بن غفير. كما أن تأثير تراجع حزب الصهيونية الدينية في استطلاعات الرأي العامة، تحديداً تلك التي توقعت عدم عبور حزبه لنسبة الحسم في الانتخابات المقبلة، مما حفزه للاستعجال على تنفيذ هذه الخطوات لرغبته في تثبيت الاستيطان وزيادة عدد المستوطنين، بما هي قناعات أيديولوجية، وتحويلها إلى أمر واقع. وأيضاً بهدف استغلالها لتحسين مكانته السياسية والانتخابية وكسب دعم قواعد اليمين المتطرف والديني، التي تحوّل قسم منها إلى دعم حزب بن غفير. وعنى ذلك أن مصالح سياسية وقناعات عقائدية واستغلالا للحالة السياسية دفعت باتجاه تنفيذ سياسات فرض الضم على أرض الواقع.
ضمّ أراض في غور الأردن
ومن أبرز سياسات سموتريتش ضمن خطة الحسم في الضفة الغربية والتي تُرجمت بعدة قرارات للحكومة الإسرائيلية، إعلان الإدارة المدنية تحويل 12700 دونم في غور الأردن إلى أراضي دولة، أي مصادرتها عملياً، وذلك بتاريخ الثالث من يوليو/تموز 2024. ووفقاً لحركة السلام الآن الإسرائيلية فإنه "يُضاف هذا الإعلان إلى إعلان عن 2600 دونم أراضي دولة بتاريخ 29 فبراير/شباط الماضي، تقع بين مستوطنتي معاليه أدوميم وكيدار، وإلى إعلان 8000 دونم بتاريخ 24 يونيو/حزيران 2020 في منطقة الأغوار، وإعلان 170 دونماً في منطقة هيروديون في الرابع من يناير/كانون الثاني 2024. وتعد مجمل المساحة المخصصة للإعلان عنها أراي دولة هي الأكبر التي تم الإعلان عنها دفعة واحدة منذ اتفاقات أوسلو، ويعتبر عام 2024 عاماً قياسياً في نطاق الإعلانات على أراضي دولة، إذ تم إعلان ما مجموعه 23700 دونم من أراضي الضفة الغربية أراضي دولة، منذ بداية عام 2024. تسعى الحكومة عبر الإعلان عن أراض فلسطينية أراضي دولة إلى خلق تواصل جغرافي بين المستوطنات في منطقة الأغوار وسفح الجبل ومنع توسع أي وجود فلسطيني هناك".
كذلك فإنه بتاريخ الثاني من يوليو 2024، أقرت الحكومة تسويق 6016 وحدة سكنية جديدة في عشرات المستوطنات في مختلف أنحاء الضفة الغربية. ووفقاً لحركة السلام الآن، فإن القرار متعلق بخطط توسيع مستوطنات مقامة في عمق الضفة الغربية، ومن ضمنها، إضافة أكثر من ألف وحدة سكنية في مستوطنة "جفاعوت"، وهي مستوطنة صغيرة فيها حوالي 60 وحدة سكنية حالياً. بالإضافة إلى ذلك، من المخطط إنشاء حي جديد في مستوطنة "ياكير". كما شملت الخطط الموافقة على إنشاء 315 وحدة في البؤرة الاستيطانية "كيديم عرافا" الواقعة على بعد حوالي 1.5 كيلومتر جنوبي مستوطنة "بيت حجلة"، مما حوّلها إلى مستوطنة قانونية. وفي 30 يونيو الماضي، قرر مجلس الوزراء المصغر، إنشاء خمس مستوطنات جديدة في عمق الضفة الغربية، عبر شرعنة بؤر استيطانية، وهي جفعات أساف، أدوريم، سدي أفرايم، أفيتار، حالتس.
حركة السلام الآن: ضُمّ 23700 دونم من الضفة في العام الحالي
وفقاً لموقع حركة السلام الآن، فإن البؤر الاستيطانية الخمس واقعة في مناطق معزولة في عمق الضفة الغربية، بعيداً عن خط الاستيطان، وبالقرب من بلدات فلسطينية في نابلس ورام الله وبيت لحم والخليل. وجميع الأراضي مملوكة تقريباً للفلسطينيين، وفيها مشكلات ملكية صعبة تطلّبت إجراءات قانونية كبيرة لتحويلها إلى "أراضي دولة" وتأهيلها للمستوطنات. غالبية مناطق البؤر الاستيطانية هي مناطق ذات أهمية استراتيجية، جغرافياً وديمغرافياً. ومنذ تولي وزير المالية بتسلئيل سموتريتش منصبه وزيراً في وزارة الأمن، تم التصديق بالمجمل على إقامة 21700 وحدة استيطانية في الضفة الغربية، بالإضافة إلى المصادقة على تسويق 2600 وحدة. وسبق ذلك، بتاريخ 28 يونيو الماضي، قرار للحكومة الإسرائيلية سحب صلاحيات الإنفاذ من السلطة الفلسطينية في صحراء القدس (وهي في منطقة ب) والشروع بإجراءات هدم "البناء الفلسطيني المتنامي" هناك. ووفقاً للباحث وليد حباس (المشهد الإسرائيلي، مركز مدار، الأول من يوليو 2024)، يعتبر هذا قراراً آخر، لكنه الأهم، في سياق سحب الصلاحيات من السلطة الفلسطينية و"استعادة" تدريجية للسيادة الإسرائيلية على مناطق تم نقلها إلى الحكم الذاتي الفلسطيني في سياق اتفاقيات أوسلو. الخطوات الأخرى التي قامت بها الحكومة لغاية الآن لفرض واقع مختلف في المناطق المحتلة، كانت نقل السلطة القضائية من الجيش والإدارة المدنية إلى سموتريتش، وتعيين مسؤول من قبله في ملف البناء في الضفة الغربية، وزيادة ميزانية وزارة الاستيطان تحت إمرة الوزيرة أوريت ستروك (حزب الصهيونية الدينية) بغية رفع الميزانيات الحكومية للمستوطنات، توسيعها وزيادة عدد المستوطنين، وتقديم الحماية للمستوطنين في هجماتهم واعتداءاتهم على القرى الفلسطينية. مراجعة قرارات وسياسات الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، خصوصاً منذ السابع من أكتوبر الماضي وبداية حرب إبادة غزة، أوضحت أن الحكومة، خصوصاً سموتريتش، تسعى إلى استغلال حالة الحرب وانشغال المجتمع الإسرائيلي والفلسطيني، بل والعالمي في الحرب على غزة، لتنفيذ سياسات انتقامية تجاه الشعب الفلسطيني وتنفيذ خطة الحسم في الضفة الغربية وتحقيق أهداف المحو والاستبدال للسكان الفلسطينيين ولهوية المكان، في محاولة لتطبيق خطة "الحسم" التي اقترحها سموتريتش عام 2017. سياسات مشابهة لخطوات قام بها المشروع الصهيوني قبل النكبة عام 1948، بغية تغيير الميزان الديمغرافي وتثبيت الاستعمار الإسرائيلي، مع استمرار إسرائيل في حرب إبادة غزة وفي سياسات التهجير.