سلطات بروكسل ترفع الحظر عن قوميي أوروبا: العين على برلمان القارة

17 ابريل 2024
عانى منظمو الحشد في إيجاد فنادق تستقبل اجتماعهم، بروكسل 17 إبريل 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بروكسل تسمح لليمين القومي المحافظ بتنظيم أعمالهم استعدادًا لانتخابات البرلمان الأوروبي، رغم الجدل الناتج عن حظر اجتماعهم في بلجيكا، مع تأكيد رئيس الوزراء البلجيكي على حقوق حرية التعبير والتجمع.
- الاجتماع "المحافظين الوطنيين" يجمع شخصيات بارزة من اليمين القومي المتشدد، مثل فيكتور أوربان ونايجل فاراج، مما يعكس نفوذهم المتزايد واستغلالهم قضايا مثل الهجرة والتحول الأخضر للتقدم في الانتخابات.
- الجدل حول منع الاجتماع والتوتر الناتج يبرز الاستقطاب السياسي في أوروبا، مع تركيز اليمين القومي المتشدد على معارضة الهجرة والتشكيك في الاتحاد الأوروبي، مما ينذر بتحديات للأحزاب التقليدية والمؤسسات الأوروبية.

سمحت بروكسل، اليوم الأربعاء، لأقطاب اليمين القومي المحافظ بالمضي في أعمالهم التنسيقية تحضيراً لانتخابات البرلمان الأوروبي المقررة في يونيو/ حزيران القادم، وذلك بعد 24 ساعة على حظر رئيس بلدية في عاصمة الاتحاد الأوروبي اجتماعاً للمعسكر المتشدد على مستوى القارة. وتدخل رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو، منتقداً خطوة حظر تجمع اليمين المتشدد، وخصوصاً تصرف عمدة منطقة سان جوسيه تين نود في العاصمة البلجيكية بالزج بالشرطة بحجة "أسباب تتعلق بالسلامة العامة".

دي كرو اعتبر تدخل الشرطة "أمراً غير مقبول"، مشدداً على أن "الاستقلال البلدي هو حجر الزاوية في ديمقراطيتنا، لكنه لا يمكن أبداً أن ينقض الدستور البلجيكي الذي يضمن حرية التعبير والتجمع السلمي منذ عام 1830". وذلك في رد مباشر على قول عمدة سان جوسيه، أمير كير (وهو منتخب وليس معيناً)، بأنه "لا مكان لليمين المتطرف في مدينتنا (بروكسل)". في المقابل شدد دي كرو - على الرغم من الأسى الذي عبّر عنه قبل أيام عن وجود علاقة مزعومة لبعض أعضاء معسكر التشدد القومي بأموال روسية للتأثير على نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي - على أن "منع الاجتماعات السياسية أمر غير دستوري".

وهذه بالطبع ليست المرة الأولى التي يجتمع فيها أطراف من المعسكر القومي المحافظ، والذي يصنف بأنه متشدد، على مستوى القارة. واللقاء المقرر له الاستمرار حتى يوم غد الخميس من المرتقب أن ينضم إليه شخصيات بارزة على مستوى القوميين المتشددين في أوروبا، مثل رئيس حكومة المجر فيكتور أوربان والبريطاني نايجل فاراج والمرشح اليميني المتطرف الفرنسي إريك زيمور، ورئيس الوزراء البولندي السابق ماتيوس مورافيتسكي، ووزيرة الداخلية البريطانية السابقة سويلا برافرمان، وغيرهم على مستوى بلجيكا وبقية أنحاء أوروبا. ويعقد المؤتمر تحت اسم "المحافظين الوطنيين" (NatCon) ويستمر ليومين في بروكسل، وعانى منظموه من أجل تأمين مكان مناسب لاستضافتهم في بروكسل لرمزيتها كعاصمة لمقرات الاتحاد الأوروبي.

التشنج الذي تسبب فيه منع الشرطة عقد اللقاء أمس لم يمنع الشعبوي البريطاني نايجل فاراج الذي تحمل أيضاً وزر إقناع البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء 2016، من استغلال الموقف ليخطب في الحي الذي منع عقد الاجتماع فيه. ما يجري في اجتماع القوميين المحافظين على مستوى أوروبا يتزامن مع الاستطلاعات التي تمنح معسكرهم تقدماً على مستوى البرلمان الأوروبي القادم بعد الصيف، استناداً إلى مواقف تتعلق برفضهم انخراط القارة في جهود مساندة أوكرانيا واعتبار الدعم الأوروبي لكييف يأتي على حساب جيوب الأوروبيين العاديين.

واستغل أقطاب هذا المعسكر من شمال إلى جنوب القارة أزمة الفلاحين في مختلف دول الاتحاد الأوروبي لصب الزيت على نار الخطاب الذي يحمل الاتحاد مسؤولية تدهور أوضاع طبقات اجتماعية تعاني نتيجة ما يصفونها بيروقراطية وديكتاتورية ساسة بروكسل (أي قرارات الاتحاد الأوروبي) المتعلقة بالتحول الأخضر وتفضيلات قدمت للقطاع الزراعي الأوكراني على حساب فلاحي شرق وغرب أوروبا.

ولا يغيب عن الصورة أن هذا التجمع المتشدد، الذي يعادي اليسار ويعتبر نفسه أكثر وطنية وحرصا على قارة أوروبا من يمين ويسار الوسط، رفع لواء الدفاع عن مجتمعاته بوجه ما يصفها "غزو المهاجرين". فأغلب أقطابه، بمن فيهم المجري أوربان الذي يعيش حالة توتر في العلاقة بينه وبين بقية قادة أوروبا، يعتبرون الهجرة أحد أهم معاول هدم القيم المسيحية والأسرية المحافظة في أوروبا.

وليس غريباً أن يضم تحالف هذا المعسكر القومي المحافظ في صفوفه من يشككون أصلاً بجدوى مشروع الاتحاد الأوروبي وبقائه مستقبلاً، ويلعبون على وتر وجود "مؤامرة" لاستبدال مواطني القارة الأوروبيين بمجموعات مهاجرة من دول الجنوب، وخصوصاً أفريقيا والعالم الإسلامي.

أحد منظمي المؤتمر أو الحشد، هو مركز "أم سي سي" في بروكسل، وهو مؤسسة بحثية ممولة من فيكتور أوربان. وعانى القائمون على هذا المركز البحثي للحصول على قبول من فنادق وقاعات في بروكسل لاستضافتهم فيها. وهو ما عُبر عنه في تنبيه عمدة حي إتيربيك، فينسنت دي وولف  لفندق سوفيتيل، قبل ساعات من الموعد المقرر لإقامة الحدث أمس، بشأن هوية المتحدثين وطبيعة التجمع، ما أدى إلى اتخاذ قرار في اللحظة الأخيرة بفسخ العقد بين الطرفين.

وهو ما يؤشر إلى حالة التشنج التي بدأت تلوح في أفق انتخابات البرلمان الأوروبي القادمة. فيما يطلق هذا اللقاء صفارة البداية نحو شوط من تحقيق تكتل وازن في برلمان القارة القادم بعد التاسع من يونيو/حزيران القادم، في مواجهة الهيمنة السابقة ليمين الوسط والمحافظين التقليديين، الذين تتحدر من معسكرهم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، التي ستجد نفسها في مرمى اليمين القومي المحافظ وعدم رغبته في التصويت مجدداً لها.

وبغض النظر ما إذا كان بالفعل سيحضر اليوم وغداً نحو 600 شخص، بحسب عضو البرلمان الأوروبي السابق والرئيس الفخري لحزب الإصلاح في بريطانيا فاراج، فإن حدة الاستقطاب على مستوى الخطابة لعبة تروق لمعسكر اليمين القومي المتشدد، الذي يقدم نفسه على أنه شهيد ديكتاتورية الاتحاد الأوروبي. وذلك غير بعيد إطلاقاً عن منح الاستطلاعات الأوروبية ارتفاعا في نسبة المصوتين لمعسكرهم على مستوى القارة، وفقا على الأقل لبعض التقارير والتحليلات، ومن بينها المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ومراكز بحثية أوروبية أخرى، تتوقع تقدم مناهضي بروكسل في تسع من دول القارة؛ النمسا وسلوفاكيا وهولندا وفرنسا، إضافة إلى بعض دول إسكندنافيا وألمانيا وبولندا ودول البلطيق، دون إغفال تأثير الحرب الأوكرانية وتحميل القارة مسؤولية تدهور العلاقة بروسيا على شعبية هذا المعسكر، الذي تعالت الأصوات التي تتهم بعض أطرافه بتنسيق مزعوم لجهوده مع مقربين من الكرملين، من أجل تعزيز سردية معارضة الحرب وتبعات التدخل الغربي في أوكرانيا. وبالطبع دون القفز عن بقية القضايا التي تهم معسكرهم على مستويات السياسة والاجتماع، بما في ذلك التحول الأخضر والهجرة والمسلمون والضرائب والتضخم والمثلية الجنسية التي يعارضونها بقوة.

المساهمون