سلام إثيوبيا: محاولة جديدة

04 نوفمبر 2022
رضوان حسين وغيتاتشو رضا إثر توقيعهما الاتفاق الأربعاء (فيل ماكاغو/فرانس برس)
+ الخط -

شهدت الأزمة الحادة في إثيوبيا، المتمثلة بالحرب الدائرة منذ عامين في إقليم تيغراي شماليّ البلاد، بين القوات الحكومية و"جبهة تحرير تيغراي"، أول من أمس الأربعاء، اختراقاً هاماً، إذ تلوح للمرة الأولى فرصة كبيرة لوقف القتال، وهو ما اتفق عليه الطرفان المتنازعان، إثر محادثات دارت بينهما واستمرت أسبوعاً فقط في بريتوريا في جنوب أفريقيا بوساطة أفريقية.

وتمتلك ديمومة الاتفاق، المسّمى "الاتفاق الدائم لوقف الأعمال العدائية"، نسبة متساوية للنجاح والإخفاق، إذ بينما يعرب جانبا القتال عن رغبتهما في العمل على إنجاحه، يتحدث فريق عن حصوله على كامل شروطه، بينما يتحدث فريق آخر عن تقديمه "تنازلات مؤلمة"، وهو ما أقرّت به "جبهة تحرير تيغراي".

كذلك فإن الأزمات أو المشكلات المتفرعة من النزاع، كتقدم أو مشاركة القوات الإريترية أو مقاتلي إثنية الأمهرة الإثيوبية خصوصاً، في قتال "الجبهة" إلى جانب قوات الحكومة، يتركها الاتفاق إلى مراحل لاحقة، بالإضافة إلى نزع الأسلحة الثقيلة من الإقليم.

ينص الاتفاق على إنشاء إدارة إقليمية انتقالية بعد الحوار

أما القضايا الكبرى التي أطلقت فتيل النزاع، وهي الصراع بين رغبة رئيس الوزراء أبي أحمد في تعزيز المركزية في البلاد، والتي تقابل بـ"تمرد" بعض الإثنيات، ومنها تيغراي القوية، فلم تجد بعد سبيلها إلى الحلّ.

وأكد الاتحاد الأفريقي، الذي أدار المفاوضات، أن الحلّ يبقى في "الحوار"، فيما أشادت الولايات المتحدة بالاتفاق، متعهدة العمل مع حكومة أبي، الذي كان النزاع قد ألحق الضرر بعلاقته بها. وبينما يأخذ الاتحاد الأفريقي كلّ الإشادة العلنية لجهوده باتفاق إثيوبيا، ليس واضحاً بعد الدور الذي لعبه المبعوث الأميركي الخاص لمنطقة القرن الأفريقي مايك هامر في عملية التفاوض، وما إذا كانت هناك مؤشرات على "صفقة" أدّت إلى تسريع الاتفاق.

انتصارات وتنازلات في اتفاق السلام الإثيوبي

وبعد أسبوع من المحادثات في بريتوريا، وفي الذكرى الثانية تقريباً لاندلاع النزاع (أطلق رئيس الوزراء أبي أحمد حملته العسكرية على الإقليم في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2020)، توصل طرفا الحرب في إثيوبيا، التي حصدت آلاف القتلى وموجة نزوح مليونية، ووضعت مئات الآلاف من المواطنين على حافة المجاعة، إلى "اتفاق دائم لوقف الأعمال العدائية"، بالإضافة إلى "نزع الأسلحة بشكل منهجي ومنظم وسلس ومنسق". وجاء الاتفاق بعدما كان طرفا النزاع قد خرقا في أغسطس/آب الماضي، هدنة في تيغراي، دخلت حيّز التنفيذ في مارس/آذار من العام الحالي.

وقالت الحكومة الإثيوبية و"جبهة تحرير تيغراي" في بيان مشترك الأربعاء: "اتفقنا على إسكات المدافع بشكل دائم ووضع حدّ لعامين من النزاع". وجاء في البيان المشترك، أنهما وافقا أيضاً على "تعزيز" التعاون مع وكالات الإغاثة الإنسانية.

وأشاد الطرفان بالاتفاق. وأثنى رئيس الوفد الحكومي، مستشار الأمن القومي لأبي أحمد، رضوان حسين، على "انخراط الجانبين البنّاء في السماح للبلد بوضع فترة النزاع المأساوي هذه خلفنا". من جهته، قال رئيس وفد "جبهة تحرير تيغراي" غيتاتشو رضا، إن مقاتلي الجبهة "على استعداد لتطبيق الاتفاق وتسريعه"، لافتاً إلى أنه "من أجل معالجة مصاعب شعبنا، قدمنا تنازلات لأننا نريد بناء الثقة".

من جهته، أعلن وسيط الاتحاد الأفريقي الخاص، الرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسانجو، أن "حقبة جديدة لإثيوبيا، لمنطقة القرن الأفريقي، ولأفريقيا كلّها، بدأت اليوم". وأوضح أن "طرفي النزاع الإثيوبي اتفقا رسمياً على وقف الأعمال العدائية ونزع الأسلحة بشكل منهجي ومنظم وسلس ومنسق"، وعلى "إرساء القانون والنظام، وإعادة الخدمات والوصول من دون عوائق إلى المواد الإنسانية، وحماية المدنيين من بين مجالات أخرى في الاتفاق". لكنه حذّر من أن "هذه اللحظة ليست نهاية عملية السلام، بل بدايتها"، لافتاً إلى أن "تطبيق اتفاقيات السلام الموقعة مسألة بالغة الأهمية". وأكد أن مراقبة تطبيق الاتفاق ستقع على عاتق لجنة رفيعة المستوى من الاتحاد الأفريقي. وأشاد بالاتفاق الذي وصفه بأنه "حلّ أفريقي لمشكلة أفريقية".

وأكد الاتحاد الأفريقي، في بيان، أنه مستعد لمواصلة متابعة الاتفاق "للوصول إلى أن تكون إثيوبيا جامعة أكثر لمواطنيها، وأكثر ديمقراطية وعدالة، حيث يشارك الشباب، والرجال والنساء، بالكامل في بناء البلاد، وفي سلام". وشدّد الرئيس الكيني السابق، وأحد الوسطاء في الحوار، أوهورو كينياتا، على أن "الحلّ الوحيد الدائم هو الحوار".

نزع السلاح وإدارة انتقالية

وينصّ الاتفاق، بحسب "وثيقة نهائية" نشرت بعض تفاصيلها وكالة "أسوشييتد برس"، وأكدها مسؤولان مقربان من محادثات السلام، على نزع سلاح قوات تيغراي، بدءاً بـ"الأسلحة الخفيفة"، في غضون 30 يوماً من التوقيع، أما الأسلحة الثقيلة، وهي الأولوية، فسيقوم قياديون عسكريون كبار من كلا الطرفين، بالاجتماع خلال خمسة أيام من توقيع الاتفاق لبحث شأنها. وستتولى قوات الأمن الفيدرالية الإثيوبية، بحسب النصّ الذي اطلعت عليه الوكالة، السيطرة الكاملة على "جميع المرافق والمنشآت الفيدرالية والبنية التحتية الرئيسية مثل المطارات والطرق السريعة داخل إقليم تيغراي"، على تُنشأ "إدارة إقليمية انتقالية بعد الحوار بين الطرفين".

وبحسب الوكالة، فإنه لم يُعلَن الاتفاق النهائي المفصل، لكن البيان المشترك الموجز الذي تلاه الطرفان مساء الأربعاء، يشير إلى "برنامج مفصل لنزع السلاح واستعادة النظام الدستوري" في تيغراي. وبينما لم تشارك إريتريا في المفاوضات، ذكر نصّ الاتفاق أن "القوات الإثيوبية ستنتشر على طول الحدود (مع إريتريا)، لضمان ألّا يكون هناك استفزاز أو توغل من جانبي الحدود".

يترك نزع السلاح الثقيل من تيغراي لمفاوضات لاحقة

ولم تتضح على الفور كيفية مراقبة تنفيذ الاتفاق، كذلك لم يأتِ أوباسانجو على ذكر مطالبات "قوات تحرير تيغراي" بانسحاب الجيش الإريتري من ميدان المعارك.

وردّاً على سؤال بشأن إريتريا، اكتفى نائب الرئيس السابق لجنوب أفريقيا بومزيلي ملامبو - نغوكا الذي بذل جهوداً في تسهيل المفاوضات، بحسب ما نقلت عنه "فرانس برس"، بالقول: "لقد أوكلنا إليهما (الحكومة والمتمردين) مسؤولية العودة إلى البلاد للحديث عن الاتفاق، وضمان أن يحظى بتأييد عدد أكبر من الناس".

ويوم أمس الخميس، أكد رئيس الوزراء أبي أحمد في زيارة لجنوب إثيوبيا، أن "مائة في المائة" من اقتراحات حكومته في المحادثات "تمّ قبولها"، وأن الحكومة مستعدة "لفتح قلوبنا" من أجل أن يسود السلام. ولفت إلى أن قضية المناطق المتنازع عليها، لن تحلّ إلا من خلال قانون الأرض والمفاوضات.

وكان أبي قد أبدى الأربعاء، "الامتنان" لأوباسانجو، مؤكداً في بيان نشره على "تويتر"، أن "التزام حكومته السلام يبقى ثابتاً، والتزامنا المساهمة في تطبيق الاتفاق قوي أيضاً". وذكرت "أسوشييتد برس" أن وسائل الإعلام الإثيوبية توقفت أمس، عن استخدام كلمة "إرهابي" للإشارة إلى قوات تيغراي. ونقلت عن "مصدر إنساني" في بلدة شاير داخل تيغراي، عدم تسجيله أمس "صوت إطلاق نار، كما حدث في الأيام القليلة الماضية"، لكنه لفت إلى أنّ "هناك حصاراً لا يزال مفروضاً على حركة الأشخاص والمركبات".

وفور إعلان التوصل إلى الاتفاق، أعربت أكبر منظمة أفريقية صحية، وهي "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" (سي دي سي)، عن أملها في إعادة فريقها إلى منطقة تيغراي "حالما تسمح الظروف، لأن هناك الكثير من المسائل الصحية الطارئة التي يجب التعامل معها"، وذلك بعدما سحبت فريقها من المنطقة لدى اشتداد القتال.

إشادة دولية

وحظي الاتفاق الإثيوبي بإشادة دولية وأممية. وأعربت الولايات المتحدة، أول من أمس، عن أملها بوضع حد لهذا النزاع، وعن انفتاحها على تحسين العلاقات مع أديس أبابا. ورحّب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بيان بـ"الخطوة الهامة التي اتخذت في بريتوريا للدفع قدماً بمبادرة الاتحاد الأفريقي لإسكات المدافع". وأضاف: "نرحب بإيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق وحماية المدنيين، وهما أمران يجب أن ينجما عن تنفيذ هذا الاتفاق".

ورحب بلينكن خصوصاً بتعهد أبي أحمد بتنفيذ الاتفاق، قائلاً إن واشنطن "تشاركه (أبي) رغبته في شراكة معززة لدعم إعادة الإعمار والتنمية لجميع المجتمعات في شمال إثيوبيا المتضررة من هذا النزاع". كذلك أثنى الوزير الأميركي على "الجهود غير العادية" لوسطاء الاتحاد الأفريقي، بما في ذلك جنوب أفريقيا التي استضافت المحادثات التي شارك فيها المبعوث الأميركي لمنطقة القرن الأفريقي مايك هامر.

اعتبر المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، أن الاتفاق يمثل فرصة ثنائية للولايات المتحدة وإثيوبيا

وكان النزاع الدموي، قد دفع إدارة الرئيس جو بايدن الى إنهاء اتفاق تجاري كبير مع حكومة أبي على خلفية مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان. ويتهم طرفا القتال، والقوات الإريترية، بارتكاب جرائم حرب خلال القتال.

وبينما لم يأتِ على ذكر عودة إثيوبيا الى "قانون النمو والفرص الأفريقية"، اعتبر المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، أن الاتفاق "يمثل فرصة، فرصة ثنائية، للولايات المتحدة وإثيوبيا". كذلك أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيار، أن بلادها تبقى ملتزمة دعم عملية السلام التي يقودها الاتحاد الأفريقي في إثيوبيا.

بدوره، رحّب وزير الخارجية البريطاني، جايمس كليفرلي، أمس، بالاتفاق، وبـ"جهود الوساطة للاتحاد الأفريقي وجنوب أفريقيا وكينيا"، مؤكداً استعداد لندن لدعم هذا المسار.

واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، أن الاتفاق "خطوة أولى مرحب بها، من شأنها أن تجلب الراحة لملايين المدنيين الذين عانوا من الصراع".

وفيما رحب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، محمد حمدان دقلو (حميدتي) بتوقيع الاتفاق، أشاد بالروح الإيجابية التي تحلت بها الأطراف، وتغليبها المصلحة العليا، حفاظاً على وحدة الشعب الإثيوبي واستقراره.

من جهته، اعتبر رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي بري أن توقيع الاتفاق خطوة هامة في تعزيز الاستقرار الإقليمي، معرباً عن أمله أن يكون الاتفاق دائماً.

من جهتها، أعربت وزارة الخارجية القطرية عن أمل دولة قطر في التزام الطرفين تنفيذ بنود الاتفاق، وتعاونهما بصورة بناءة في تسهيل وصول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، معتبرة الاتفاق "مثالاً حياً لنجاعة الحلول السلميّة في تسوية النزاعات، وخطوة مهمة نحو تحقيق السلام المستدام في إثيوبيا".

كذلك، أشادت الجزائر بالاتفاق، مشيرة إلى أنه نتيجة جهد أفريقي يؤكد مبدأ الحل الأفريقي الأفريقي للأزمات.

وذكرت وزارة الخارجية الحزائرية، في بيان، اليوم الجمعة، أنها "تراقب عن كثب تطور الأحداث في إثيوبيا وتشيد بالاتفاق المبرم بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير شعب تيغراي لوضع حد نهائي للعداوة بالبلاد".

وعبرت "عن ترحيبها بهذا الحدث المحمود"، مضيفة أنها "تشجع الأطراف الموقعة على التطبيق الفعلي للاتفاق شكلاً ومضموناً".
 

(فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس، العربي الجديد)