سلاح الفصائل العراقية... تهديد دائم بعسكرة الأزمات السياسية

23 يوليو 2023
عناصر "سرايا السلام"، مايو 2016 (أحمد الرباعي/ فرانس برس)
+ الخط -

فتح الاحتكاك الأخير ما بين جماعتَي "سرايا السلام" التي يقودها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، و"عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي، في محافظة البصرة جنوبي العراق، ومن بعدها مهاجمة الصدريين مكاتب حزب "الدعوة"، الباب أمام عودة التساؤلات بشأن تأثير الأجنحة المسلحة على العمل السياسي في العراق.

وقد زاد هذا التأثير من عسكرة الأزمات السياسية في السنوات الست الأخيرة، فضلاً عن زيادة التوتر في الشارع العراقي، مع تماهي الحكومات العراقية مع هذه الفصائل، وعدم تمكّنها من حصر السلاح في يد الدولة، وهو الوعد الذي لطالما وضعته الحكومات في منهاجها، لكن من دون أي تقدّم على أرض الواقع.

وشهدت مدينة البصرة، الاثنين والثلاثاء الماضيَين، تهديدات صدرت عن جماعة "سرايا السلام"، الذراع العسكرية للتيار الصدري، تجاه جماعة "عصائب أهل الحق"، تضمّنت عمليات استعراض مسلح في شوارع ضواحي البصرة الجنوبية والغربية، وتفجير عبوات صوتية وإطلاق رصاص في الهواء على مقار ومكاتب الجانبَين، من دون أي تدخل من قبل القوات الأمنية.

مواجهات سابقة بين الفصائل المسلحة في العراق 

والعام الماضي، إبان ذروة الأزمة السياسية التي سبقت تشكيل الحكومة، اشتبكت "سرايا السلام" مع عدة فصائل مسلحة داخل المنطقة الخضراء (إثر نزول أنصار الصدر إلى الشارع للتعبير عن غضبهم بعد إعلان زعيمهم انسحابه من الحياة السياسية)، واستمر القتال أكثر من 24 ساعة، وتسبب في مقتل نحو 50 عنصراً من الطرفين. وكان ذلك من أكثر المشاهد الملتهبة التي شرحت حالة الخلافات بين الفصائل المسلحة، مرة بسبب التبعية الدينية، وأخرى بسبب التوجهات السياسية والمصالح الاقتصادية وتقاسم النفوذ.

هادي السلامي: قد يُستخدم السلاح ضد القانون والدولة

كما سُجل مطلع العام 2021 مواجهة مسلحة بين مليشيا "عصائب أهل الحق" مع مليشيا "كتائب حزب الله" في منطقة شارع فلسطين شرقي بغداد، جرّاء الخلاف على عائد مساحة أرض تُستخدم موقفاً للسيارات، قُتل فيها عنصر مسلح وجرح آخرون، ولم تتدخل القوات الحكومية في حل الأزمة.

كما يتذكر العراقيون اقتحامات فصائل مسلحة موالية لإيران، قادها رئيس أركان هيئة "الحشد الشعبي" عبد العزيز المحمداوي المعروف باسم "الخال أبو فدك"، حين أقدم على اقتحام المنطقة الخضراء الحكومية في مايو/ أيار 2021. واعتقلت الحكومة حينها القيادي في الحشد قاسم مصلح، المرتبط باغتيال أحد قادة الاحتجاجات المدنية في البلاد (ثورة تشرين) إيهاب الوزني.

خشية من السلاح المنفلت في العراق

ويخشى مراقبون عراقيون ونشطاء في الحراك المدني من استمرار تمادي السلاح المنفلت الذي تملكه الفصائل المسلحة، بحماية سياسية وصمت حكومي غير اعتيادي. فالحكومات العراقية، الحالية أو السابقة، لم تتدخل في أي اشتباك وقع بين الفصائل المسلحة بعد تصعيدٍ سياسي معيّن، حتى إنها لم تذكر ذلك في أي تعليق صحافي أو إعلامي أو بيان رسمي، على الرغم من مدى الخطورة الذي تسببت بها مثل هذه الحوادث، والتي لا يستبعد مراقبون تكرارها.

منار علي: لم يحدث أي تقدّم على مستوى محاسبة مستخدمي السلاح

وفي السياق، قال النائب المستقل في البرلمان العراقي هادي السلامي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "السلاح المنفلت وتعاظم دور المليشيات على مستوى العمل السياسي، بل تحكم السلاح والتأثير على القرارات السياسية، كل هذا هو الخطر الحقيقي الذي تعاني منه العملية السياسية في البلاد". ولفت إلى أن ما وصفه بـ"الاعوجاج" في العملية السياسية لن يجرى تصحيحه إلا بإنهاء انفلات السلاح. وأضاف السلامي أن "تحويل السلاح الذي من المفترض أن يحمي العراقيين إلى أداة لفرض الإرادات والتحديات السياسية، تظهر نتائجه حالياً، وقد يصل الوضع السياسي إلى مراحل صعبة في المستقبل".

واعتبر السلامي أن الأحزاب السياسية المستفيدة من هذا السلاح تمنع جهود الحكومات للحدّ من انفلاته، فيما تجد الأحزاب المتأثرة من هذه الظاهرة نفسها أمام تحديات وعقبات في مسار التقدّم على مستوى الإصلاح والتغيير. وأشار إلى أن استخدام السلاح أداةً للترهيب السياسي وقد يُستخدم ضد القانون والدولة، وهي مرحلة، بحسب السلامي، قد تكون صعبة إذا دخلت فيها البلاد، وستخسر كثيراً حتى تتمكن من الخروج منها.

من جانبه، أوضح عضو حركة "وعي" منار علي، لـ"العربي الجديد"، أن "عسكرة القضايا والخلافات السياسية تعني بلوغ مرحلة متقدمة من العنف واستخدام السلاح في غير أماكن وحالات استخدامه". ولفت إلى أن هذا الأمر "قد حدث بالفعل بين فصائل عدّة، بسبب خلافات على مصالح سياسية أو اقتصادية، وبعضها مشاكل شخصية تطورت إلى اشتباك مسلح بين هذه الأطراف". وأشار علي إلى أن "الطرف الوحيد الذي يشعر بالخطر هو المواطن العراقي، فيما يزداد يوماً بعد يوم ضعف هيبة الدولة العاجزة عن مواجهة هذه الفصائل والمليشيات".

تماهي الحكومات العراقية السابقة والحالية مع الفصائل

وفي وقت أشار فيه علي إلى أن أحزاباً مشاركة في الحكومات تمنع أي توجه لإنهاء مشكلة السلاح المنفلت، قال إن مواجهة هذا السلاح كان من المهمات الأساسية في برامج ومناهج الحكومات العراقية الحالية والسابقة. لكنه أوضح أنه "في الحقيقة لم يحدث أي تقدّم على مستوى محاسبة مستخدمي هذا السلاح، سواء من المواطنين أو العشائر أو الفصائل المسلحة، أو حتى بعض الأطراف الرسمية التي تمارس أدواراً مليشياوية"، معتبراً أن إخفاق الحكومة هو أحد أسباب هذا التمادي.

بدوره، أشار الخبير بالشؤون الأمنية في العراق أحمد الشريفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى "وجود حالة تخادُم واضحة ما بين السلاح والسياسية من جهة، وحالة من الحوار عبر السلاح من جهة ثانية"، وذلك بسبب ضعف الحكومات. وأوضح أن هذا ما جرى بحكومة مصطفى الكاظمي (2020-2022)، حين نشب الخلاف بينه وبين الفصائل المسلحة على خلفية قرارات أمنية وقضائية صدرت بحق منتمين لهذه الفصائل أو قادة في "الحشد الشعبي"، بحسب قوله.

وأضاف الشريفي أن "قوى سياسية في العراق، وأخرى اجتماعية، تستمد قوتها من السلاح وتجده عنصراً من عناصر بقائها وسيطرتها الذي يضر بالدولة بكل الأشكال". ولفت إلى أن السلاح هو أكثر ما يهدد التقدّم في العراق، لذلك فإن أي حكومة لا تتخذ إجراءات بشأنه لن تتمكن من التقدم.

 

المساهمون