أشارت وزارة الخزانة البريطانية، يوم الأحد، إلى عدم وجود أموال كافية للشؤون الدفاعية، على الرغم من إدراك الحاجة الملحة لإعادة التسلح في أعقاب الحرب الروسية في أوكرانيا، بحسب ما نقلته شبكة "سكاي نيوز" عن مصادر أمنية في وزارة الدفاع.
وقالت المصادر إن "تحديث" السياسة الدفاعية البريطانية يمكن تأجيله إلى ما بعد ميزانية مارس/آذار، لأن المسودة الأولية لم تراعِ بما فيه الكفاية السياقات الأمنية المتغيرة في أوروبا، خصوصاً الحرب الروسية على أوكرانيا.
جاءت هذه التصريحات بعدما كانت "سكاي نيوز" قد كشفت الأسبوع الماضي، أن جنرالاً أميركياً رفيع المستوى كان قد حذّر بشكل سري، وزير الدفاع البريطاني بن والاس، من أن الجيش البريطاني فقد مكانته كقوة دفاعية من المستوى الأول، وأنه بالكاد يكافح للبقاء في موقعه كقوة من الدرجة الثانية، كما هو حال ألمانيا أو إيطاليا.
من جهته، اعترف والاس، الثلاثاء الماضي، بتلك المخاوف، مؤكّداً أن "الجيش البريطاني تخلّف عن نظرائه" وأنه بحاجة ماسة إلى "إعادة الهيكلة والرسملة والاستثمار".
ومنع ذلك سجالاً محتملاً بين الجانبين الأميركي والبريطاني، حيث لم يجادل أيّ من والاس أو سوناك في صحّة تلك المزاعم، حتى لو أكّدا أن "الحكومة تضمن لقواتنا المسلحة المعدات التي تحتاجها لمواجهة تهديدات المستقبل".
بعد أيام من تصريحات الجنرال الأميركي، تحذر المصادر الدفاعية من أنه لن يكون بوسع بريطانيا تقديم عدد كبير من الجنود مثل ما يتوقعه أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) لقوة رئيسية جديدة يقوم الحلف بتشكيلها لتعزيز دفاعاته. وقالت المصادر إن "هذا لن يتغير إلا إذا سرّع سوناك الخطط لإصلاح تدهور الجيش".
وقال اللورد جورج روبرتسون، آخر أمين عام بريطاني لحلف الناتو، إنه قلق من أن الحكومة لا تقدر بالكامل التهديد الذي تمثله موسكو، داعياً سوناك إلى التصرف "كرئيس وزراء في زمن الحرب".
مضيفاً: "علينا أخذ الدفاع والأمن على محمل الجد أكثر مما يبدو في الوقت الحاضر، وعلينا الاستثمار في النوع المناسب من المعدات والقدرات من أجل الحفاظ على أمن البلاد".
وكانت مصادر في وزارة الدفاع البريطانية قد حثت الحكومة على زيادة ميزانية الدفاع، بما لا يقل عن 3 مليارات جنيه إسترليني سنوياً".
وقال أحد المصادر: "نعلم أن وزارة الخزانة ووزير المالية في الوقت الحالي يلعبان دوراً صعباً (...) إنهما يدركان التهديدات (...) لكن على الرغم من الاعتراف بالتهديدات والضغط، يقولان إنه لا يوجد المزيد من المال".
وبحسب ما نشرته "سكاي نيوز"، فإن الترجيحات تقر بأن ذخيرة الجيش البريطاني ستنفد في غضون أيام قليلة إذا ما تمت دعوته للقتال".
يُذكر أن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، أكمل ما يوصف بأنه "تحديث" لمراجعة 2021 لسياسة الدفاع والأمن البريطانية، بعدما بدأت رئيسة الوزراء السابقة ليزا تراس بالعمل عليها.
وهذه المراجعة كانت قد كُتبت قبل الحرب الروسية على أوكرانيا، وبسبب المخاوف المتزايدة بشأن التهديد الأمني الذي تشكله الصين، وهو ما دفع إلى المطالبة بـ"تحديثها"، نظراً للتحولات في شكل التهديدات.
وعلى عكس سوناك، تعهدت تراس بزيادة الإنفاق الدفاعي للمملكة المتحدة إلى 3٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، بعدما كان يبلغ 2٪، وهو الحد الأدنى للناتو.
وبحسب المصادر، على الرغم من التحولات الكبيرة في التهديدات التي تواجه الأمن الأوروبي، فإن المسودة الأولية لـ"تحديث" سوناك عززت على ما يبدو قرارات المراجعة الأصلية بدلاً من استخلاص استنتاجات جديدة.
وقالت المصادر إن التحديث فشل في تسريع الحاجة إلى معالجة الثغرات الأساسية الأكثر إلحاحاً والتي يواجهها الجيش، على غرار نقص المدفعية وأنظمة الدفاع الجوي والصواريخ بعيدة المدى ومخزونات الذخيرة.
وكان من المقرر نشر "التحديث" في 7 مارس/ آذار، قبل ميزانية الربيع في الـ15 من نفس الشهر، لكن المصادر أشارت إلى أن "هناك اشتباها في أن يتم سحبها أو تأخيرها".
وكان رئيس الأركان في الجيش البريطاني الجنرال باتريك ساندرز قد حذّر، الشهر الماضي، من تداعيات قرار الحكومة إرسال 14 دبابة "تشالنجر 2" إلى أوكرانيا، ما سيضعف القدرة الدفاعية للجيش البريطاني بشكل مؤقّت. لكنه اعتبر، في الوقت ذاته، أن مساعدة أوكرانيا عسكرياً على هزيمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ستجعل المملكة المتحدة أكثر أماناً، مشدّداً على "الحاجة الحيوية" لاستعادة القدرة القتالية لجيشه.
وتعتقد "سكاي نيوز" أن تصريحات ساندرز، التي جاءت في رسالة موجّهة للجيش، ترمي بين سطورها للضغط على وزارة المالية لتقديم مزيد من التمويل والدعم.
ومع أن بريطانيا محمية بمبدأ الدفاع الجماعي كعضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلا أن هذه الخطوة ستؤثر، بحسب ساندرز، في "قدرتنا على تعبئة الجيش ضد التهديد المستمرّ الذي تمثّله روسيا"، لكنه اعتبرها، في الوقت ذاته، فرصة "لتسريع عملية تحديث الجيش".
يُذكر أن نسبة الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي في بريطانيا قد انخفضت إلى النصف منذ ثمانينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى عدد الأفراد، الذي انخفض من 871700 في العام 1952 إلى 149280 العام الماضي، بينهم 76 ألف جندي فقط، ومن المقرر أن تتقلص تلك الأرقام في إطار الخطط الحالية.
وكانت نهاية الحرب الباردة في العام 1991 أدت إلى تقليص نطاق الالتزامات العسكرية الخارجية، فانخفض الإنفاق من 5.5 في المائة من الناتج المحلي عام 1948 إلى 2.2 في المائة في العام 2004. ومنذ ذلك الحين، تراوح الإنفاق بين 2.5 و2.1 في المائة، فيما بلغ 2.3 في المائة في 2020. ولم تخرق المملكة المتحدة، العضو في "الناتو"، تعهّد الـ2 في المائة الخاص بحلف شمال الأطلسي سوى مرتين، بين 2015 و2016 وبين 2017 و2018، عندما لم تنفق ما يزيد عن 1.9 بالمائة.