سقوط مقترح تبكير الانتخابات في البيرو: اليسار يريد مؤتمراً دستورياً

سقوط مقترح تبكير موعد الانتخابات في البيرو: اليسار يريد مؤتمراً دستورياً

29 يناير 2023
تظاهرة ضد بولوارتي في بيسكاكوشو، الخميس (بول غامبين/رويترز)
+ الخط -

تتواصل الأزمات السياسية والدستورية في البيرو، بعد أكثر من شهر ونيّف من إطاحة الرئيس بيدرو كاستيو في 7 ديسمبر/كانون الأول الماضي، لمحاولته حلّ الكونغرس (البرلمان).

وعلى الرغم من محاولة خليفته الرئيسة الموقتة دينا بولوارتي الخروج من الأزمة عبر طلبها تقريب موعد الانتخابات العامة، إلا أن مساعيها اصطدمت برفض البرلمان اقتراحها تنظيم الانتخابات في ديسمبر المقبل، بدلاً من إبريل/ نيسان 2024، الموعد الذي حدده البرلمان في 20 ديسمبر الماضي. مع العلم أن الموعد الأساسي للانتخابات المقبلة في البيرو كان مقرراً في عام 2026.

ورفض برلمان البيرو مساء أول من أمس الجمعة طلباً من بولوارتي لتقريب موعد الانتخابات. ونال المقترح خلال جلسة برلمانية استمرت سبع ساعات 45 صوتاً مؤيداً في مقابل 65 صوتاً معارضاً فيما امتنع نائبان عن التصويت. وشارك في الجلسة 112 نائباً من أصل 130.

تصويت جديد غداً

وقال رئيس البرلمان خوسيه ويليامز إنه تم تقديم طلب لإعادة النظر بالاقتراح، على أن يتمّ ذلك غداً الاثنين، وهو ما يعني عملياً إجراء تصويت جديد. ويحتاج الاقتراح إلى 87 صوتاً من أصل 130 لتمريره، لأنه تعديل دستوري، غير أن النسبة المتدنية التي حصل عليها في جلسة الجمعة، وهي 45 صوتاً مؤيداً، تبقى أقلّ بكثير حتى من الـ66 صوتاً مطلوباً لإجراء استفتاء ما.

وهو ما يطرح التساؤلات حول إمكانية تمرير اقتراح بولوارتي الإثنين. ووفقاً لموقع "لا برينسا لاتينا" المختص بشؤون أميركا الجنوبية، فقد طالب رئيس اللجنة الدستورية هيرناندو غيرا ـ غارسيا، المنتمي إلى حزب "القوة الشعبية" اليميني، بتقديم موعد الانتخابات، وهو "ضروري لإغاثة البلاد وشعبها".

اقترح رئيس اللجنة الدستورية وضع السلطة بحالة انتقالية
 

ونقل الموقع عنه اقتراحه بـ"الموافقة على انتظام السلطة وفقاً لأحكام انتقالية خاصة، على أن يتم إجراء الانتخابات العامة في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، ويتولى الكونغرس الجديد مهامه في 31 ديسمبر المقبل، وتبدأ الحكومة الجديدة عملها في 1 يناير/ كانون الثاني المقبل".

غير أن عرقلة أي مسار انتخابي تعود عملياً إلى إحجام الأحزاب اليسارية المؤثرة في البرلمان، وعلى رأسها حزب "البيرو الحرة"، حزب كاستيو، عن دعم اقتراح تقديم موعد الانتخابات.

وطالبت هذه الأحزاب بالاتفاق على سلة تشمل تحديد موعد جديد للانتخابات في مقابل الالتزام بعقد مؤتمر دستوري. وهو مطلب المحتجين الذين يتظاهرون منذ إطاحة كاستيو، ويقطعون الطرق في البلاد. ويدعو المحتجون إلى إجراء انتخابات فورية، وإقالة بولوارتي، وحلّ الكونغرس، ووضع دستور جديد.

وطلبت بولوارتي، الرئيسة المؤقتة لبيرو، مساء أول من أمس الخميس، تقريب موعد الانتخابات لإخراج البلاد "من المستنقع الذي نحن فيه"، مشيرة إلى أن حكومتها تدعم مبادرة المعارضة لتقريب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية إلى ديسمبر المقبل. وجاء تصريحاتها من مطار ليما خلال عملية إرسال أدوية ومعدات طبية إلى جنوب البلاد، حيث يسود شلل سبّبته حواجز الطرق.

وقالت بولوارتي: "وعلى الرغم من ذلك، تستمرّ الاحتجاجات، وثمة مزيد من الحواجز والعنف". وتعهدت بأن تنظم السلطة التنفيذية "على الفور" الانتخابات في حال وافق البرلمان على تقريب موعدها.

وأكدت بولوارتي أن "لا أحد لديه مصلحة في التمسك بالسلطة ولا مصلحة في البقاء في الرئاسة. إذا كنتُ أنا هنا، فذلك لأنني توليت مسؤوليتي الدستورية وسنظل هنا حتى يدعو البرلمان إلى إجراء انتخابات".

وتقود الرئيسة الموقّتة البيرو منذ أن عزل البرلمان كاستيو، وهو ما أدى إلى خروج تظاهرات عنيفة أودت بحياة 46 مدنياً وشرطياً. ويخشى أن يؤدي طول أمد الأزمة السياسية وتداعياتها إلى مفاقمة الضغوط الاقتصادية، خصوصاً مع تراجع القطاع السياحي.

وعلى سبيل المثال، أصبحت مدينة كوسكو خالية من السياح الذين اعتادوا زيارة موقع ماتشو بيتشو (القلعة الضائعة). وتُشكّل المدينة نموذجاً عن قطع الطرق مع إقامة نحو 88 حاجزاً من أصل 25 منطقة في البيرو، خصوصاً في جنوب البلاد. وهو ما دفع وزارتي الداخلية والدفاع للإعلان أن "الشرطة الوطنية في البيرو ستعمد إلى فتح الطرق بمساندة القوات المسلحة".

والطريق السريع المركزي الذي يربط جبال الأنديز، والضروري لاستيراد المواد الغذائية نحو ليما، مغلق. وأبدت وزارة الخارجية الأميركية بلسان المتحدث باسمها فيدانت باتيل، مساء الجمعة، تأييدها "الجهود المستمرة" توصلاً إلى "سبل للحوار". وكرّرت دعواتها إلى "الهدوء وتحلّي جميع الأطراف بضبط النفس واللاعنف"، معبّرة عن "قلقها بشأن التظاهرات العنيفة".

انتقادات إقليمية لبولوارتي

ولم تحصل بولوارتي على دعم نظرائها في القمة السابعة لمجموعة دول أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي "سيلاك"، التي عُقدت في الأرجنتين أخيراً، بل تعرضت لانتقادات قاسية من رئيس تشيلي غابريال بوريك، الذي أشار في كلمته أمام القمة إلى "أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في تظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم".

طالبت الأحزاب اليسارية بالاتفاق على سلة تشمل تحديد موعد جديد للانتخابات في مقابل الالتزام بعقد مؤتمر دستوري

 

وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بـ"التصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما"، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوشيه (1973 ـ 1990)، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.

وبعد أن عرض بوريك استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال: "نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة".

وكذلك نقلت "راديو هافانا كوبا"، مساء الخميس، عن الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، شجبه "امتناع منظمة الدول الأميركية عن التحدث علانية ضد الانقلاب في البيرو".

(العربي الجديد، فرانس برس)

المساهمون