قالت مصادر في وزارة الموارد المائية والري المصرية إنّ اللجنة التنسيقية، المشكلة لمتابعة ملف سد النهضة من رئاسة الجمهورية والمخابرات العامة ووزارتي الخارجية والري وعدد من الخبراء القانونيين والفنيين، تعكف حالياً على دراسة مقترح تقدم به خبراء الاتحاد الأفريقي إلى كل من مصر والسودان وإثيوبيا، ترى جنوب أفريقيا ومفوضية الاتحاد أنه يصلح نواةً لصياغة اتفاق جديد كامل بين الدول الثلاث قبل انقضاء فترة رئاسة جنوب أفريقيا للاتحاد، أي خلال الشهر الحالي. وأوضحت المصادر لـ"العربي الجديد" أنّ المقترح يعتبر خطوة جيدة نوعياً لجميع الأطراف ولمسار المفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي بشكل عام، ولكن القراءة الأولى له توضح أن خبراء الاتحاد تغيب عنهم العديد من العناصر الفنية المهمة، التي تم تضمينها بالفعل في مسودة الاتفاق التي وقعتها مصر منفردة في نهاية مفاوضات واشنطن في فبراير/شباط الماضي، ورفضت كل من إثيوبيا والسودان التوقيع عليها لأسباب مختلفة.
تريد مصر تعهد إثيوبيا بعدم تفريغ أي صياغة يتم الاتفاق عليها من مضمونها
وذكرت المصادر أنه إذا قبلت إثيوبيا والسودان التعامل مع مقترح خبراء الاتحاد الأفريقي فلن تقف مصر عائقاً أمام تطويره والبناء عليه، لكن هناك ثلاثة محددات لموقفها في هذا السياق؛ أولها أن يتم الاعتماد على ذلك المقترح منفرداً بالكامل، من دون الأخذ بمقترحات ومسودات مهمة سبق أن اتفقت عليها أو ناقشتها جميع الأطراف، وعلى رأسها مسودة اتفاق واشنطن. أما المحدد الثاني، فهو ضرورة مشاركة الخبراء الممثلين لمصر في صياغة جميع البنود بما يحقق أهداف التفاوض، فيما يتمثل المحدد الثالث في ضرورة تعهد إثيوبيا بعدم تفريغ أي صياغة يتم الاتفاق عليها مبدئياً من مضمونها بالتظاهر بالموافقة عليها ثمّ محاولة الالتفاف على النصوص كل على حدة، كما حدث في مفاوضات واشنطن.
وأضافت المصادر أنه سيتم عقد اجتماعات ثنائية بين فريق خبراء الاتحاد الأفريقي، وفريق كل دولة لمدة أسبوع بدءاً من اليوم الثلاثاء، أو لحين التوصل إلى صياغة متفق عليها من الجميع، بحيث ترفع نتائج تلك الاجتماعات إلى مفاوضات الوزراء ابتداءً من العاشر من الشهر الحالي.
وعن مدى الاتفاق والاختلاف مع السودان بعد عودة الاجتماعات، قالت المصادر إن "هناك خلافاً جوهرياً بشأن مدى الاعتماد على الخبراء، ولا يمكن التعويل على فريق الاتحاد الأفريقي فقط، خصوصاً إذا ما استمرت أولويات السودان الفنية منحصرة في كميات احتجاز المياه والتدفق الدوري وغيرها من المسائل التي ترى مصر أنها مهمة، ولكنها ليست الأهم والأكثر تطلباً للحسم". وأضافت المصادر أنه "على الرغم من ذلك، فهناك اتفاق بين مصر والسودان على معظم القضايا القانونية في مواجهة إثيوبيا"، موضحةً أن "هناك توافقاً بينهما على إلزامية الاتفاقية التي سيتم توقيعها، وأن هناك أفكاراً مشتركة حول تكوين آلية فض منازعات ستنشأ مستقبلاً بشأن تشغيل السد والملء، بحيث يتم اختيار طرف وسيط من قبل كل دولة من الثلاث، ويجرى التفاوض بين الوسطاء بنظام التحكيم القانوني لحين الوصول إلى قرار. كما تتفق مصر والسودان على معارضة رغبة إثيوبيا في تحويل الاتفاقية إلى اتفاق للمحاصصة في مياه النيل وإلغاء اتفاقية 1959 بين مصر والسودان. وهناك توافق بينهما أيضاً على معارضة رغبة إثيوبيا في انتزاع موافقة مسبقة على إقامتها مشروعات مائية أخرى على مجرى النيل الأزرق، وتطبيق القواعد الاسترشادية الخاصة بسد النهضة عليها".
هناك خلاف جوهري بين مصر والسودان بشأن مدى الاعتماد على الخبراء
لكن على المستوى الفني، تولي مصر اهتماماً كبيراً بفكرة الربط بين السدود وكمية التدفق السنوية ونوعية المياه والتصرفات التي ستجرى عليها، فيما يهتم السودانيون في المقام الأول بضرورة وضع برنامج واضح للملء المستمر والدائم للسد، وبحجم التدفق اليومي من السد. وتختلف الدولتان أيضاً حول فترات الجفاف والجفاف الممتد، إذ تقترح مصر تمرير 37 مليار متر مكعب كرقم وسط بين ما تطالب به إثيوبيا وهو 32 ملياراً، وما كانت تطالب به مصر وهو 40 مليار متر مكعب، على أن يُترك الرقم الخاص بأوقات عدم الملء والرخاء لآلية التنسيق بين الدول الثلاث، لكن السودان يعتبر أن التمسك بالرقم الجديد المقترح من مصر لا يمكن اتفاقه مع جهود إثيوبيا للملء الجاد. كما أنّ هناك خلافاً حول خطة إثيوبيا للاستخدامات الخاصة بالمياه؛ سواء كانت مخصصة لإنتاج الطاقة أو الزراعة أو غيرها.
وسبق أن قالت مصادر مصرية من وزارتي الخارجية والري لـ"العربي الجديد"، إنه بعدما كان السودان هو المتسبب في تعطيل الاجتماعات نظراً لاعتراضه على عدم منح خبراء الاتحاد الأفريقي سلطات أكبر في المفاوضات، فإن كلاً من القاهرة وأديس أبابا "كانتا تتهربان من حضور الاجتماع الذي عقد الأحد الماضي"، ولكن لأسباب خاصة بكل منهما. فمن ناحيتها، ترغب مصر في إهدار ما تبقى من ولاية جنوب أفريقيا على رأس الاتحاد الأفريقي تحضيراً لواقع جديد، تأمل أن يكون إيجابياً لها بصورة أكبر خلال المفاوضات برئاسة الكونغو الديمقراطية، التي باتت تربطها بمصر في الآونة الأخيرة علاقات جيدة بعيدة عن التنافس السياسي والاقتصادي على زعامة القارة، الذي طالما كان عنوان العلاقة بين مصر وجنوب أفريقيا.
وأضافت المصادر أنّ الرؤية المصرية مستقرة على انعدام الأمل في التوصل إلى حل بالطريقة التي أدارت بها جنوب أفريقيا الاجتماعات السابقة، منذ بدء المفاوضات في المسار الأفريقي بعد فشل اللجوء إلى مجلس الأمن في يونيو/حزيران الماضي، وذلك نظراً لعدم ممارسة جنوب أفريقيا أي ضغوط سياسية جادة على إثيوبيا لتغيير مواقفها والقبول بصيغ جديدة للتعامل مع مصر والسودان، وكذلك بسبب الموقف السلبي الذي لعبته جنوب أفريقيا في مجلس الأمن ضد المذكرتين المصرية والسودانية بشأن قضية السد.
هناك اتفاق بين مصر والسودان على معظم القضايا القانونية في مواجهة إثيوبيا
ويصعّب سوء العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإثيوبيا والتصريحات الحادة بينهما في الآونة الأخيرة، عملياً، تحقيق أي إنجاز في المفاوضات الحالية، خصوصاً بعدما وصل التصعيد بينهما إلى حد الدخول في ملفات تعتبرها كل دولة من المحظورات وخرقاً للخطوط الحمراء. فمقابل الحديث الإثيوبي للمرة الأولى عن فض اعتصام رابعة وظروف وفاة الرئيس المعزول الراحل محمد مرسي، نهاية الشهر الماضي، كان الرد المصري هو الأول من نوعه الذي ينتقد التعامل الإثيوبي الرسمي مع القوميات العرقية في تيغراي وأوروميا وبني شنقول، مضافاً إلى انتقادات القاهرة المتكررة لمسؤولية إثيوبيا عن النزاع الحدودي والتوتر الميداني المستمر مع السودان.
واستدعت مصر، الأربعاء الماضي، القائم بالأعمال الإثيوبي في القاهرة لإبلاغه رسمياً برفضها تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي عن الشأن الداخلي المصري، ثم أصدرت بياناً حاداً للرد عليه، معتبرة تصريحاته "خروجاً فجاً عن الالتزامات الواردة في القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، والذي ينص بوضوح في مادته الرابعة على التزام الدول الأعضاء بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى، ويعد خروجاً عن القيم الأفريقية العريقة".
وسبق لمصادر مصرية أن قالت لـ"العربي الجديد"، الأسبوع الماضي، إنّ "مصر ليست قلقة بسبب تأخر التوصل إلى اتفاق طالما استمر مستوى الفيضان على وضعه الحالي، لكنها لن تعتد بأي تفاهم ثنائي بين إثيوبيا والسودان على أجندة الاجتماعات المقبلة"، كاشفةً أنها "رصدت بالفعل تقارباً بين الطرفين حول التركيز على بعض النقاط دون الأخرى، وإهمال القضايا الأساسية التي تهم مصر، وهو ما قد يلقي بظلاله على الاجتماعات المقبلة التي ستعقد تحت رعاية الاتحاد الأفريقي".