سد النهضة: تردد أوروبي أميركي في قبول الوساطة

20 مارس 2021
تريد القاهرة الاتفاق على حجم التدفق المائي (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

قالت مصادر دبلوماسية مصرية إن الاتصالات التي جرت خلال الأيام الأخيرة بالأطراف الأربعة، التي تمثل آلية الرباعية الدولية المقترحة لتولي جهود الوساطة في قضية سد النهضة، عكست "تردداً وقلقاً من كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة" بشأن انتهاء عمل الآلية من دون تحقيق تقدّم، بسبب التعنّت الإثيوبي من جانب، واتساع الخلاف الفني والقانوني بين كل من مصر والسودان وإثيوبيا من جانب آخر.

تقترح مصر والسودان أن تظل الآلية الرباعية هي مرجعية فض المنازعات وليس الاتحاد الأفريقي فقط

وأوضحت المصادر، لـ"العربي الجديد"، أن تلك الاتصالات أجرتها الخارجية المصرية والسودانية بصيغة مشتركة أحياناً، وكل على حدة في أحيان أخرى، وتم التركيز على منح الآلية الرباعية سلطات أوسع في عدد من بنود المفاوضات، وذلك في خمسة ملفات رئيسية. الملف الأول، هو صياغة اتفاق نهائي لقواعد الملء والتشغيل، بحيث ترعى الآلية صياغة نهائية وموحدة لجميع البنود التي شهدت المفاوضات السابقة خلافات واسعة بشأنها، ومنها وضع برنامج واضح ومسبق ومتفق عليه للملء المستمر والدائم للسد، والاتفاق على حجم التدفق اليومي من السد، والذي سيصل إلى سد الروصيرص في السودان حتى لا تتأثر السلامة الإنشائية للأخير وباقي السدود السودانية. والاتفاق على حجم التدفق العام في فترات الجفاف والجفاف الممتد، والذي تقترح مصر أن يكون 37 مليار متر مكعب كرقم وسط بين ما تطالب به إثيوبيا وهو 32 مليارا وما كانت تطالب به مصر وهو 40 مليار متر مكعب، على أن يُترك الرقم الخاص بأوقات عدم الملء والرخاء لآلية التنسيق بين الدول الثلاث. والاتفاق على معايير قياس امتلاء سد النهضة، وسد السرج الاحتياطي المجاور مجتمعين، والربط بينه وبين سد الروصيرص والسد العالي، وهي مسألة تراها مصر ضرورية، في حين تراها إثيوبيا مدخلاً للربط بين السدود وهو ما ترفضه.

والملف الثاني، هو ضمان سياسي وتفاوضي لتقديم إثيوبيا خطتها طويلة الأمد للاستخدامات الخاصة بالمياه، سواء كانت مخصصة لإنتاج الطاقة أو الزراعة أو غيرها، تحقيقاً لمبدأ عدم الإضرار بدولتي المصب.
والملف الثالث، هو حسم المواضيع القانونية العالقة، والتي من بينها التوافق على آلية فض المنازعات التي ستنشأ مستقبلاً حول تشغيل السد والملء، والبت في اقتراح مصري سوداني بأن تظل الآلية الرباعية هي مرجعية فض المنازعات وليس الاتحاد الأفريقي فقط. والملف الرابع هو القيام بضمانة سياسية في المقام الأول لالتزام إثيوبيا بتنفيذ الاتفاق، واعتباره ملزماً بشكل نهائي، وعدم التراجع فيه، أو الالتفاف عليه.

أما الملف الخامس فهو رعاية وضع أسس تفاوضية لأي اتفاق مستقبلي بشأن التطورات التي ستطرأ على حوض النيل الأزرق، مثل السدود والمشاريع والبحيرات الصناعية. وهو الملف الذي يسوده خلاف كبير بين القاهرة وأديس أبابا، لرغبة الأولى في توسيعه ليأخذ بعين الاعتبار الوضع المائي الحالي لجميع دول حوض النيل، وبالتالي اعتبار إثيوبيا محتكرة للمياه الدولية، وفي المقابل ترغب إثيوبيا في تحويله إلى اتفاق جديد لمحاصصة مياه النيل وإلغاء الاتفاقيات السابقة، ومنها معاهدتا 1902 و1959.

وأضافت المصادر أن تفويض آلية الرباعية الدولية برعاية الاتفاق على هذه الملفات الخمسة يحمل توسيعاً لسلطات مكونات الآلية وصلاحياتها. وعلى الرغم من أن بعض الأطراف، كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لديهما رؤى فنية يمكن البناء عليها في جميع هذه الملفات على خلفية مشاركتهما السابقة كمراقبين، إلا أنهما متخوفان من أن يفضي كل هذا العمل إلى لا شيء، وهو ما يدفعهما للتردد، انتظاراً لنداء جماعي بالمشاركة، أو اتفاق برعاية الاتحاد الأفريقي على استدعاء الأطراف الدولية للمشاركة في هذه الآلية الوسيطة.

وحول موقف الاتحاد الأفريقي باعتبار أن هذه الآلية تعتبر بديلاً له، وما إذا كانت هناك دوائر في المنظمة القارية تعارض ذلك، قالت المصادر إن بعض مسؤولي مفوضية الاتحاد يعارضون المقترح بشدة، ويعتبرونه تدويلاً للقضية، من دون سلك القنوات الطبيعية لذلك، لكن في الوقت نفسه هناك تعاطف من رئاسة الاتحاد الحالية (دولة الكونغو الديمقراطية) مع المقترح لأسباب عدة، منها أن الآلية ستقلل من المسؤولية المفترضة عليها، وستجعلها تتلافى حرج المواجهة مع مصر وإثيوبيا بشكل خاص، أخذاً في الاعتبار الحساسيات القائمة بين كينشاسا وأديس أبابا حالياً بسبب ما تصفه الأخيرة بميلها للقاهرة.

بعض مسؤولي مفوضية الاتحاد الأفريقي يعارضون المقترح بشدة ويعتبرونه تدويلاً للقضية

وفي السياق ذاته، على المستوى الميداني، قال مصدر إثيوبي، لـ"العربي الجديد"، إن رئيس الوزراء آبي أحمد ووزير الري سيليشي بيكيلي اتفقا على بدء حملة جديدة لتشغيل الذكور على مستوى البلاد في المشاريع المرتبطة بالسد، ومنها تطهير البحيرات وتجفيف المستنقعات وتقليل المساحات الخضراء، نظراً لقرب إتمام الملء الثاني والعمل على توليد الكهرباء تجريبياً. وقد أخطرت الحكومة الفيدرالية الحكومات الإقليمية في ولايات بني شنقول وأمهرة وأوروميا بالحاجة لأكثر من أربعين ألف عامل.

وأعلنت إثيوبيا، هذا الأسبوع، أنها أنجزت نحو ثمانين في المائة من إنشاءات وتجهيزات سد النهضة. وكان آخر المكونات المهمة التي أضيفت ما كشفه مصدر إثيوبي لـ"العربي الجديد" في الثامن من الشهر الحالي بإتمام تركيب أول أنبوبين ضخمين من الأنابيب المخصصة لنقل المياه من بحيرة التخزين الرئيسية إلى المحطة الكهرومائية لإنتاج الطاقة، وذلك بالتعاون مع شركتين، إيطالية وفرنسية، متخصصتين في هذا النشاط. ومن المقرر تركيب أربعة أنابيب أخرى بين الصيف والخريف على أساس بدء التشغيل التجريبي لإنتاج الكهرباء عقب الملء الثاني مباشرة. وأوضح المصدر أن العمل في السد منفصل تماماً عن الخلاف السياسي والقانوني حول المفاوضات والاتفاق المنشود.

وعلى الرغم من أن لجنة الخبراء الدولية، وكذا تقريري المكتبين الاستشاريين اللذين تمت الاستعانة بهما في بداية المفاوضات، كانت قد أكدت الآثار السلبية الاجتماعية والاقتصادية التي ستلحق بمصر جراء المشروع، إلا أن اتفاق المبادئ، المبرم بين الدول الثلاث في مارس/آذار 2015، يوفر حماية للتصرفات الإثيوبية. فالمبدأ الخامس من الاتفاق، والذي يتحدث عن التعاون في الملء الأول وإدارة السد، يكتفي بالنص على التشارك في وضع "الخطوط الإرشادية والقواعد" من دون تفاصيل التشغيل، ويجيز لإثيوبيا إعادة ضبط سياسة التشغيل من وقت لآخر، بشرط "إخطار" وليس أخذ رأي أو استئذان مصر والسودان. بينما تستند إثيوبيا للبند الثاني من هذا المبدأ لتبرر لنفسها وللعالم أن القواعد التي يجب الاتفاق عليها لا يمكن اعتبارها ملزمة بأي حال، لأنها موصوفة في الاتفاق بأنها "استرشادية"، فضلاً عن كونها غير مقتصرة على خطة واحدة يجب اتباعها، فهي بحسب النص "ستشمل كافة السيناريوهات المختلفة، بالتوازي مع عملية بناء السد".

المساهمون