كشفت مصادر في وزارة الموارد المائية والري المصرية أن مفوضية الاتحاد الأفريقي، وجنوب أفريقيا، الرئيس الحالي للاتحاد، اقترحتا خلال الساعات الماضية، عقد جلسات مشتركة مع الوفود الدبلوماسية والفنية لكل من مصر وإثيوبيا والسودان، كل على حدة. ويهدف ذلك لبحث وجهات نظر كل منها حول مفاوضات سد النهضة، بعيداً عن الاجتماعات الثلاثية والسداسية والمراقبين والخبراء، وذلك للحفاظ على المسار الأفريقي للمفاوضات، والتأكيد على حرص المفوضية والدولة الرئيس على إحداث تقدم ملموس قبل تولي الكونغو الديمقراطية رئاسة الاتحاد.
سيتم ترك الجوانب الفنية للوفود والخبراء المحليين المختارين من كل دولة
وقالت المصادر، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إن المفوضية عرضت عقد تلك الاجتماعات بصورة سرية، نظراً لما بات يمثله الإعلان من عبء على جميع الأطراف المشاركة في المفاوضات، بسبب وضوح الاختلاف الكبير في وجهات النظر، وانعكاس تداول البيانات في وسائل الإعلام بالسلب على العلاقات بين الدول الثلاث وجنوب أفريقيا. لكن ما زالت الدول الثلاث - وتحديداً مصر والسودان - تشكك في أن تثمر تلك اللقاءات عن أي نتائج إيجابية. وأضافت المصادر أن مصر عارضت إشراك خبراء الاتحاد الأفريقي في أي مناقشات ثنائية بسبب عدم الوثوق بهم من ناحية، وعدم تمتعهم بالإلمام الكافي بطبيعة المشاكل العالقة بين القاهرة وأديس أبابا، ومتطلبات الخرطوم، من ناحية أخرى. وبناء على ذلك، فإن المناقشات المقرر إجراؤها ستنحصر في مسألتين فقط، أولاهما طبيعة الاجتماعات السداسية والثلاثية التي يمكن لجميع الأطراف قبول الاشتراك بها، وثانيتهما طبيعة الاتفاق المنشود من المنظورين السياسي والقانوني فقط، على أن تترك الجوانب الفنية للوفود الفنية والخبراء المحليين المختارين من كل دولة.
وأوضحت المصادر أن الحراك الأفريقي الحالي، الذي ربما لن ينتج أي أثر، حتى تسليم جنوب أفريقيا رئاسة الاتحاد، يأتي كرد فعل على الاتجاه المصري والسوداني لتدويل القضية مرة أخرى، خاصة في ظل التصعيد السياسي القائم بينهما وبين إثيوبيا، على خلفية النزاع الحدودي بين أديس أبابا والخرطوم، والذي يتخذ منحى تصعيدياً باضطراد، بلغ أمس، قيام رئيس المجلس السيادي السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان بزيارة ولاية القضارف لتفقد القوات على الحدود، وإعلان الخرطوم أنها سترد على الاعتداءات الإثيوبية بعد انتشار أنباء عن سقوط طائرة سودانية في المنطقة.
وقللت المصادر من أهمية الحراك المقترح في ظل التوتر السياسي القائم. وكشفت، في الوقت نفسه، تلقي تعليمات من مكتب مدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل، المسؤول التنسيقي عن التحرك المصري في الأزمة، لتجهيز البيانات الفنية الجديدة اللازمة لدعم أي خطوة تتخذها القاهرة على الصعيد الدولي، بما في ذلك تقديم شكوى رسمية لمجلس الأمن. وذكرت المصادر أن الوضع الفني لسد النهضة وإشكالياته اختلفت بعض الشيء عما كانت عليه في الصيف الماضي، عندما لجأت مصر للمرة الأولى إلى مجلس الأمن، حيث تبين بالدليل القاطع عدم التزام إثيوبيا بروح أو نص اتفاق المبادئ الموقع في مارس/ آذار 2015، بعد إنجازها الملء الأول للسد دون إخطار مصر أو السودان. كما أن الوضع المأساوي الذي شهدته معظم مناطق السودان خلال فترة الفيضان الماضي، بالتزامن مع ملء السد، أكد الخطورة الجسيمة التي يمكن أن يشكلها السد في حال عدم التنسيق في فترات انحسار الفيضان والجفاف المتوسط والحاد والممتد، نظراً لضعف السدود السودانية ومحدودية بنيتها التحتية وسوء حالة مرافقها. وشددت المصادر على أن اتفاق المبادئ لم يبق منه شيء تقريباً قيد التنفيذ.
الحراك الأفريقي رد فعل على الاتجاه المصري والسوداني لتدويل القضية
وسبق أن قال وزير الطاقة والمياه الإثيوبي سيليشي بيكيلي إن بلاده تنفذ المبدأ الخامس من الاتفاق "بالحرف الواحد"، وأنها أطلعت دولتي المصب على جميع الاحتمالات خلال مفاوضات واشنطن، العام الماضي، وأن حالة الجفاف تحديداً يقدر احتمال حصولها بأقل من أربعة في المائة خلال أول عامين، وفقاً لأكثر التحليلات تشاؤماً، وأنها تلتزم بعدم الإضرار بالدولتين في تلك الحالة. وأشار إلى أن الإخطار المسبق الوحيد الذي تُكلف به إثيوبيا ضمن الاتفاق هو إخطار دولتي المصب بأي ظروف، غير منظورة أو طارئة، تستدعي إعادة الضبط لعملية تشغيل السد. ويتضمن هذا المبدأ بنداً آخر تفسره أديس أبابا لصالحها فقط، هو "الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد التشغيل السنوي لسد النهضة، والتي يجوز لمالك السد ضبطها من وقت لآخر". وعليه، ترى إثيوبيا أن مصر اعترفت، بتوقيعها على هذا البند، بالسيادة المطلقة لها على السد، وترفض مشاركة القاهرة والخرطوم في تحديد قواعد التشغيل طويلة الأمد، إلا في حدود التأكد من "عدم الإضرار" باعتباره مبدأ منصوصاً عليه في الاتفاق ذاته. وبالتالي فإن القراءة الإثيوبية لهذه العبارات المطاطة وحمالة الأوجه، التي وقعت عليها مصر والسودان قبل 5 سنوات، تسمح بتملص إثيوبيا من واجباتها الطبيعية وفقاً لقواعد مشاركة الأنهار والقوانين والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.