قالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إن القاهرة تلقت خلال الأيام الخمسة الماضية العديد من الرسائل الشفهية من وسطاء مختلفين في قضية سد النهضة، عرب وغربيين، تركزت جميعها على ضرورة استبعاد الحل العسكري من مستقبل حسم النزاع. وأوضحت أن الوسطاء أكدوا عدم قبول أي طرف بوقوع ضرر "من أي نوع على مصر"، في ظل ورود معلومات جديدة من إثيوبيا تشير إلى أن عملية الملء الثاني ربما تشهد صعوبات فنية إضافية على ما كانت قد رصدته مصر سابقاً، تتعلق بنقص حاد في عدد الأيدي العاملة على خلفية التوترات التي يشهدها إقليم بني شنقول-قمز الذي يقام على أرضه مشروع السد.
حاول مسؤولون مصريون إقناع نظرائهم الأميركيين بضرورة الحزم بقضية سد النهضة
وأوضحت المصادر أن الموقف الأميركي، الذي يبقى الأكثر أهمية بالنسبة للقيادة المصرية، ما زال، رغم سوء العلاقات بين واشنطن وأديس أبابا، متردداً في إطار التلويح بعقوبات صريحة على إثيوبيا بسبب قضية السد، لأسباب تتعلق في المقام الأول بالصراع الأميركي الصيني في شرق أفريقيا، ورؤية واشنطن بأن انحيازها بشكل واضح للقاهرة لن ينتج عنه إلا مزيد من التعنت الإثيوبي، وربما تعمد إيقاع الأضرار بالسودان ومصر على المدى القريب.
وفي هذا السياق، ذكرت المصادر أن قياديين بالمخابرات العامة ودبلوماسيين مصريين عقدوا في واشنطن ثلاثة اجتماعات الأسبوع الماضي مع قيادات في الحزب الديمقراطي وعدد من النواب الجمهوريين، بحضور ممثلي شركة "براونستين هيات فاربر شريك" للعلاقات العامة والضغط السياسي، للنقاش حول عدد من المواضيع المشتركة، ومن بينها قضية سد النهضة، وجهود تحسين العلاقات بين النظام المصري والإدارة الأميركية الجديدة. وحاول المسؤولون المصريون إقناع نظرائهم بضرورة تطوير الموقف الأميركي ليكون أكثر حزماً، في قضية سد النهضة تحديداً، لكن النواب الأميركيين شرحوا العديد من النقاط التي تجعل هذا الأمر صعباً في الوقت الحالي، على رأسها تعقد ملف العنف الأهلي وموقف إدارة الرئيس جو بايدن المساندة لقومية تيغراي، وهي مسألة تعتبر ذات أولوية بالنسبة لجميع قيادات الحزب الديمقراطي من أصول أفريقية.
وبحسب المصادر فإن الحديث الأميركي لم يخلُ من الطمأنة بعدم إيقاع أي ضرر بمصر، فضلاً عن تقديم المعلومات السابق الإشارة لها بشأن صعوبات إتمام الملء الثاني مبكراً، رغم توافر الشروط المناخية الطبيعية لذلك، إلى جانب مشاكل فنية تتعلق بالتعلية الوسطى في السد تحديداً، والتي سبق أن رصدها الخبراء الفنيون المصريون. وذكرت المصادر أن بعض أعضاء الفريق المؤيد للتدخل الأميركي الفعال في قضية سد النهضة اقترحوا على المسؤولين المصريين تقديم تطمينات لواشنطن في ملفات أخرى، خاصة قضايا حقوق الإنسان، تتمثل في الإفراج عن عدد من المعتقلين ذوي الأسماء البارزة، والذين سبق أن طالب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بالإفراج عنهم تحديداً. ويطالب هذا الفريق في واشنطن بضرورة أداء دور أكبر لحماية مصالحها في المنطقة ككل من التدخلات الصينية والروسية، وأن يجدد البيت الأبيض دعوة الأطراف إلى جولة تفاوض جديدة في واشنطن، حتى دون أن يلعب دور وساطة مباشرا كما حدث سابقاً في عهد دونالد ترامب. ويعتبر أنه من الممكن قصر دوره على التسهيل وطرح البدائل، ما يساهم في تخفيف حدة المخاوف التي كانت قائمة في البيت الأبيض عند دراسة آلية الرباعية الدولية المقترحة من مصر والسودان، والتي لم تكن واشنطن قد حسمت موقفها منها وبدا عليها اتجاه لإبقاء الوضع على ما هو عليه، واقتصار جهودها على منع تطور القضية إلى مواجهة عسكرية بين مصر وإثيوبيا. لكن هذه المقترحات باتت أقل فعالية حالياً بعد توقيع عقوبات على شخصيات في الحكومة الإثيوبية ومنعها من دخول أميركا.
جددت مفوضية الاتحاد الأوروبي عرضها بالمساعدة الفنية، التي قدرها الجانب المصري ورفضتها إثيوبيا من قبل
وبالتوازي مع تلك الاتصالات في واشنطن، دارت مناقشات أخرى على المستوى الدبلوماسي بين مصر ومفوضية الاتحاد الأوروبي ركزت أيضاً على ضرورة استبعاد الحل العسكري، والانخراط في مفاوضات "معقولة" حتى لو "بعيداً عن الاتحاد الأفريقي"، مع تجديد المفوضية عرضها بالمساعدة الفنية، التي قدرها الجانب المصري ورفضتها إثيوبيا من قبل.
وسبق أن حصلت "العربي الجديد" على تقرير فني مصري أوضح أن جميع المؤشرات المناخية مواتية لبدء عملية الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي خلال مايو/أيار الحالي، ما يعني وقف عملية تصريف المياه من بحيرة السد لمجرى النيل الأزرق، والبدء في التخزين، استعداداً لتنفيذ التعلية المطلوبة في جسم السد من جهة، وحجز كمية قد تصل إلى 13 مليار متر مكعب من المياه. وجاء في التقرير الفني أن التوقعات المناخية المستجدة عن فيضان الصيف، الذي يعتبر أنه بدأ فعلياً بصورة مبكرة في شرق القارة الأفريقية هذا العام، تشير إلى زيادة كمية المياه التي ستهطل على هضبة الحبشة بنسبة تتراوح بين 400 و600 في المائة، عن المتوسط المعتاد في نفس الفترة من العام الماضي، ما يعني أن الفيضان سيكون أكبر من العام الماضي.
وعلى الرغم مما في هذه المعلومات من عناصر طمأنة للجانب المصري، خصوصاً وزارة الموارد المائية والري، بشأن عدم وقوع ضرر كبير في كميات المياه التي ستتدفق إلى مصر، وعدم قدرة إثيوبيا على المناورة بصورة مضرة لدولتي المصب، وكذلك عدم قدرتها على التلاعب في كميات المياه المحتجزة، خاصة إذا اكتملت قدرتها على حجز المياه مبكراً عن الموعد الذي حددته سلفاً بنهاية يوليو/تموز المقبل، إلا أن هذه المؤشرات ربما تمكن إثيوبيا للمرة الثانية على التوالي من الملء دون الاضطرار لتوقيع اتفاق على قواعد الملء والتشغيل، سواء كان مؤقتاً أو دائماً وشاملاً، الأمر الذي قد يؤدي لتأجيل عملية التفاوض لفترة أطول. وجاء في التقرير أن هناك عناصر فنية عدة ستحكم مدى قدرة إثيوبيا على الملء المبكر، على ضوء حقيقة أن الملء قد يستغرق أقل من ربع الوقت المحدد سلفاً على ضوء المستجدات المناخية. ومن هذه العناصر مدى كفاءة عملية تصريف المياه الجارية حالياً إلى بحيرة سد الروصيرص جنوب السودان، والكفاءة الفنية لسد السرج الاحتياطي، والبرنامج الزمني المحدد لإنجاز التعلية الوسطى للسد بناء على الكمية الجديدة المخزنة، بحيث تمكن إطالة فترة التخزين أو اختصارها بناء على توافر متطلبات التعلية مبكراً.