سد المنطرة تحت الاحتلال... أطماع إسرائيل تهديد وجودي لسورية

09 يناير 2025
جنود الاحتلال قرب الجولان، 18 ديسمبر 2024 (جلاء مرعي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بعملية عسكرية للسيطرة على سد المنطرة في جنوب سورية، مما يهدد الأمن المائي السوري ويعكس استمرار انتهاك السيادة السورية.
- سد المنطرة يعد حيوياً للاقتصاد الزراعي في القنيطرة، والسيطرة عليه تهدد بفقدان مخزون مائي كبير، مما قد يؤدي إلى تراجع القطاع الزراعي وزيادة الفقر والبطالة ونزوح السكان.
- السيطرة الإسرائيلية على الموارد المائية تُستخدم كأداة حرب، مما يعكس أطماعاً تاريخية، ويتطلب من المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف الانتهاكات.

في تصعيد خطير وغير مسبوق، نفذت قوات الاحتلال الإسرائيلي في الثاني من يناير/ كانون الثاني الحالي عملية عسكرية واسعة النطاق، أسفرت عن سيطرتها على سد المنطرة الذي يعد أحد أهم مصادر المياه في جنوب سورية. وتمثل الخطوة الإسرائيلية تهديداً مباشراً للأمن المائي السوري، وتؤكد استمرار الاحتلال في انتهاك السيادة السورية وتنفيذ مخططات التوسع الاستعماري.

وأكدت مصادر من القنيطرة، لـ"العربي الجديد"، استمرار سيطرة قوات الاحتلال على سد المنطرة. وأشار مصدر من منطقة كودنة في القنيطرة إلى أن قوة إسرائيلية صغيرة احتلت منذ أول أيام توغلها نقطة بالقرب من سد كودنة، فيما أشارت المصادر إلى أن جنود الاحتلال حتى اللحظة لم يمنعوا الأهالي أو يصرحوا بمنعهم من الاقتراب من سدي المنطرة أو كودنة. لكن وفقاً للمصادر نفسها، فإن نية الاحتلال بالسيطرة على السدود واضحة، وهي ترجمة لأحلام إسرائيلية قديمة بالسيطرة على الموارد المائية في جنوبي سورية.

سد المنطرة... شريان الحياة في القنيطرة

علي أبو حسين، وهو أحد ناشطي القنيطرة، شرح لـ"العربي الجديد" أهمية السد، قائلاً إن سد المنطرة الواقع على مجرى وادي الرقاد في حوض اليرموك يغذي العديد من البلدات والقرى في القنيطرة وريف درعا الغربي، كقرى أم باطنة وأم العظام والصمدانية الغربية وبلدات وقرى أخرى، كما يعد شريان الحياة للمئات من سكان المنطقة. وأوضح أن طاقة سد المنطرة الاستيعابية كبيرة، ما يجعله عنصراً حيوياً في الاقتصاد الزراعي بالمنطقة، معتبراً أن السيطرة عليه، لكونه أكبر سدود حوض اليرموك، تشكل خطورة كبيرة، وقد تكون بداية للسيطرة على كامل الحوض، وبالتالي خسارة مخزون يقدر بأكثر من 225 مليون متر مكعب من المياه، تغذي مساحة تقدر بأكثر من 21 ألف هكتار، كما تثير مخاوف من احتلال سدود حوض بردى والأعوج في ريف دمشق، والتي تستوعب نحو 8.282 ملايين متر مكعب من المياه، وتروي ما يزيد عن 17 ألف هكتار من الأراضي في محافظتي دمشق وريفها الجنوبي الغربي، خاصة بعد احتلال القوات الإسرائيلية لأعلى سفوح جبل حرمون (جبل الشيخ). وحذر من أن ذلك سيجعل المستقبل المائي لكامل محافظات الجنوب السوري، وهي درعا والسويداء والقنيطرة ودمشق وريفها، رهن بيد إسرائيل. وأوضح أبو حسين أنه في حال السيطرة على منابع وسدود المنطقة، فإن ذلك سيؤدي إلى تراجع حاد في القطاع الزراعي في المنطقة، وبالتالي ازدياد تأزم الواقع الاقتصادي ومعدلات الفقر والبطالة، كما قد يدفع السكان إلى النزوح والهجرة.

أداة حرب قديمة

رأفت المعدي: السيطرة على الموارد المائية أداة حرب قديمة استخدمتها إسرائيل في سبعينيات القرن الماضي

من جهته، رأى الناشط رأفت المعدي (اسم مستعار لشاب من الجولان المحتل)، الذي تواصل مع "العربي الجديد"، أن السيطرة على الموارد المائية أداة حرب قديمة استخدمتها إسرائيل في سبعينيات القرن الماضي عندما سيطرت على موارد الجولان المائية، كبحيرة طبريا، لفرض وجودها على الأرض، وتهجير السكان، وتقويض أي أمل في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. واعتبر أن ما يجري تكرار لماضٍ ليس ببعيد، فالاحتلال منذ أن زُرِع في هذه المنطقة يعتمد في شن حربه على ثلاثة محاور متزامنة، تتمثل في ضرب البنى التحتية، والحديث عن منطقة عازلة لحماية كيانه من الهجمات لتبرير حربه أمام المجتمع الدولي، والسيطرة على المياه في مناطق توغله. وأشار إلى أن ما جرى أخيراً من احتلال لسد المنطرة "عماد لتوسع إسرائيل منذ بداية استيطانها في المنطقة، خاصة أنها اعترفت منذ نشأتها (في 1948) بأنها تنوي ضم مناطق سورية حتى جبل الشيخ إلى كيانها الاستعماري، باعتبار أن جبل الشيخ أبو المياه كما قالت عدة مرات".

وشدد المعدي على أن ما يحدث اليوم من سيطرة إسرائيل على سدود ومنابع مائية في الجنوب السوري ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الأطماع الصهيونية بالسيطرة على مصادر المياه في المنطقة، معتبراً أن إسرائيل ترى في المياه مفتاح الهيمنة والاستعمار، وقد تجسد ذلك في مخططاتها التي تتحدث عن السيطرة على مناطق تمتد من نهر الفرات إلى نهر النيل. وأشار إلى أنه لا يمكن فهم هذه الأطماع الصهيونية إلا في سياق تاريخي أوسع، حيث تكشف الوثائق والأدلة عن وجود مخططات إسرائيلية أميركية مشتركة للسيطرة على مصادر المياه في المنطقة، لتوجيه مسار الأحداث لصالحهما، مرجحاً اندلاع حرب على المياه قريباً.

وذكّر بأن ديفيد بن غوريون، أحد مؤسسي الحركة الصهيونية، قال في أحد اجتماعات المنظمة الصهيونية في العام 1956 إن إسرائيل يجب أن تخوض ضد العرب حرب مياه، لأن مصيرها متعلق بنصرها في هذه الحرب، وقد أكد كلامه مسؤولون إسرائيليون عدة مرات، والذين قالوا مراراً إن إسرائيل بحاجة إلى خمسة مليارات متر مكعب تعتبرها احتياطي مياه جوفية لضمان بقاءها قوية. ولفت المعدي إلى أنه بناء على ذلك، فإن إسرائيل انتهجت منذ احتلال الجولان (1967)، خطة تستغل من خلالها أكثر من 95% من مياه الجولان الجوفية، ومثلها من المياه السطحية، وحرمت سكان المنطقة الأصليين من الاستفادة إلا من نزر يسير من نهر الأردن وبحيرة طبريا وبحيرة رام، حيث تستغل كميات تزيد عن نصف مليار متر مكعب من المياه من الجولان، من خلال حفر وبناء عشرات التجمعات المائية والسدود والآبار الجوفية وتغذية مستوطناتها منها، إضافة لإنشاء سدود لتحويل بعض مجاري الأنهار الرافدة لوادي الرقاد في الجولان لمنع وصولها إلى القنيطرة. وطالب حكومة تصريف الأعمال السورية بضرورة الإسراع بطرح قضية القنيطرة والجنوب السوري في الأمم المتحدة، لوضع حد للانتهاكات الإسرائيلية وإيقاف أي مسعى لاحتلال موارد البلاد المائية، فالأمر، حسب تعبيره، خطير ولا يحتمل أي تأخير.

فرض واقع مغاير

عهد نصر: إسرائيل ترسم من خلال كل هذا لتقسيم المنطقة

ورأى الناشط الإعلامي والسياسي عهد نصر، وهو من السويداء، أن استيلاء إسرائيل على سد المقارن المشترك كان البداية لواقع غير جيد على المستوى العسكري والاستراتيجي في سورية، باعتبار ذلك سقوطاً عسكرياً واستراتيجياً للجنوب السوري، وسقوط مائي للأردن، وما يعزز هذا الأمر هو احتلال إسرائيل سد المنطرة. واعتبر أن هذا السقوط العسكري طاول دمشق بعد احتلال إسرائيل أعلى قمم في حرمون والتي تمثل أهم نقطة استراتيجية على الحدود مع دولة الاحتلال.

وأعرب نصر عن اعتقاده بأن اسرائيل ترسم من خلال كل هذا لتقسيم المنطقة، وإرساء وتعزيز مفهوم الدويلات والكانتونات الطائفية في سورية من خلال الضغط على أهم الجوانب المصيرية، ومنها المياه، لا سيما أنها بدأت تشعر بالتغييرات السياسية التي بدأت ترتسم في ملامح حكومات الدول الغربية الداعمة لوجودها في المنطقة، وتحول إدارات تلك الدول نحو النهج اليميني القومي الذي سينأى مستقبلاً عن أي صراع في المنطقة، بالإضافة لبقاء أحد أهم جيوش المنطقة العربية، وهو الجيش المصري، تهديداً محتملاً لها. وبرأيه، فإن فرضها حصاراً مائياً سيكون تدبيراً احترازياً مهماً في إبقاء سورية ضعيفة ومقسمة. وشدد على أن سيطرة إسرائيل على سد المنطرة بمثابة جرس إنذار يدق ناقوس الخطر ويوضح خطورة الوضع في المنطقة، ويجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته، وأن يتخذ إجراءات عاجلة لوقف هذا الانتهاك وتوسعه، وإلزام إسرائيل بضمانات لاحترام القانون الدولي وحقوق الشعوب والدول.

المساهمون