تحتفل الولايات المتحدة وفيتنام، العام المقبل، بمرور 10 سنوات على "شراكتهما الشاملة"، التي أطلقها الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في 2013، مع نظيره الفيتنامي آنذاك تروانغ تان سانغ. ويشهد تطبيع العلاقات بين واشنطن وهانوي، الذي بدأ في عهد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، عام 1995، تسارعاً، لكنه يواجه عراقيل أيضاً، في ظلّ الشراكة الاستثنائية بين فيتنام والصين من جهة، وبين هانوي وموسكو من جهة ثانية.
فرغم الغزو الروسي لأوكرانيا، والضغوط التي تتعرض لها هانوي لفكّ علاقاتها الوثيقة بموسكو، أو الخلافات المتصاعدة بينها وبين الصين في بحر الصين الجنوبي، إلا أن أياً من مجالات التعاون التي تتقدم بينها وبين واشنطن، لم تصل بعد إلى المستوى الذي تأمله الأخيرة.
وبينما تتصاعد المطالبات في واشنطن بتطوير هذه العلاقات، تحول دون إمكانية توقيع البلدين في أي وقت قريب "شراكة استراتيجية"، أسباب عدة، لا تتعلق فقط بتوجس هانوي من إغضاب الشريكين الروسي والصيني، بل من الشروط التي قد تفرضها الولايات المتحدة عليها، ومنها الضوابط الحقوقية والتجارية والتسليحية، فضلاً عن التوجسات التاريخية.
تعد روسيا المصدر الأول للسلاح إلى فيتنام، ثم إسرائيل
وأفضل مثال على بطء تقدم العلاقات بين البلدين، مسألة التسليح، حيث تبقى روسيا متصدرة لائحة الدول المصدّرة إلى فيتنام، والتي تغطي 80 في المائة من ترسانة الأسلحة الفيتنامية، في شراكة استثنائية متواصلة منذ عهد الاتحاد السوفييتي. وتستورد فيتنام أسلحة أيضاً من إسرائيل، شريكها الثاني في هذا المجال، والهند، ودول أخرى، فيما تعد الصين شريكها التجاري الأول، تليها الولايات المتحدة، التي عزّزت علاقاتها التجارية مع هانوي، بسبب حربها التجارية مع الصين.
الأسلحة الروسية والأميركية تتنافس في معرض فيتنام
وقدّم معرض السلاح الدولي الأول الذي افتتحته فيتنام الأسبوع الماضي، في هانوي، وشاركت فيه الولايات المتحدة وروسيا، ودول أخرى مثل اليابان، مثالاً آخر على الرغبة الأميركية في ولوج سوق تسليح الجيش الفيتنامي من الباب العريض، إذ يقتصر اليوم على مدّ فيتنام بعتاد غير قتالي.
وذكرت وكالة "رويترز"، أمس الخميس، نقلاً عن مصدرين مطلعين، أن شركات سلاح أميركية مثل "بوينغ" و"تكسترون" و"لوكهيد مارتن" و"رايثون"، ناقشت تزويد فيتنام بالعتاد العسكري، بما فيه طائرات هليكوبتر ومسيّرات. واعتبرت الوكالة هذه المناقشات مؤشراً على إمكانية تقليص فيتنام اعتمادها على السلاح الروسي.
وبحسب مجلس الأعمال الأميركي الآسيوي، الذي نظّم اللقاءات، فقد عقد ممثلون عن هذه الشركات الأميركية، اجتماعات أولية مع مسؤولين فيتناميين قد لا تقود إلى توقيع اتفاقيات، بحسب مصدر لفت رغم ذلك إلى أن هانوي تبحث عن موردين جدد في هذا المجال، فيما يجد قطاع تصنيع السلاح الروسي نفسه تحت الضغط بسبب الغزو. كما أن فيتنام تسعى إلى تجنب العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا. ورأى الخبير العسكري نغوين ذا فونغ، الباحث في جامعة نيو ساوث ويلز، للوكالة، إن هذه المحادثات "تؤشر إلى بداية انفتاح من قبل الجيش الشعبي الفيتنامي للانخراط في علاقات أعمق في مجال الدفاع مع الولايات المتحدة".
وتواجه العلاقات الأميركية الفيتنامية في مجال الدفاع، عراقيل عدة، منها أن واشنطن، لاسيما مع الإدارات الديمقراطية، قد تعيق تصدير أسلحة إلى فيتنام بسبب محاذير تتعلق بملف حقوق الإنسان. كما أن قلقاً يسود في هانوي من تأثير مثل هذه الخطوة على العلاقات المتوترة مع الصين، في بحر الصين الجنوبي، وبسبب الكلفة العالية للأسلحة الأميركية، فضلاً عن التساؤلات حول ما إذا كان من الممكن دمج برامج التسليح الأميركية الحديثة بترسانة السلاح الفيتنامي التقليدي.
وقال مصدر للوكالة، إن شركات التسليح الأميركية عرضت خلال النقاشات التي دارت على هامش المعرض، تزويد فيتنام بالعتاد العسكري، و"وعدت" بنقاشات لتزويدها بمعدات غير هجومية، بما فيها طائرات الهليكوبتر للاستخدام في مجال الأمن الداخلي، والمسيّرات، والرادارات، وبرامج مراقبة جوية وبحرية وبرّية. وقال مصدر مطلع أيضاً إن هذه المباحثات بدأت قبل المعرض، وشملت أسلحة أخرى.
جذب معرض فيتنام العسكري 174 شركة سلاح من 30 دولة
وتظهر هذه المباحثات، الجهود المتزايدة التي تبذلها واشنطن لكسب موطئ نفوذ في فيتنام، بعد حوالي نصف قرن على نهاية حرب فيتنام (1975). ومنذ الرفع الأميركي لحظر السلاح عن فيتنام، في 2016، اقتصرت مبيعات الأسلحة الأميركية لهذا البلد، على سفن الحراسة البحرية، وطائرات التدريب، بينما يغطي السلاح الروسي ما نسبته 80 في المائة من ترسانة فيتنام العسكرية.
وجذب معرض فيتنام العسكري الدولي، 174 شركة سلاح من 30 دولة، تأمل كلّها في الحصول على حصة من الـ2 مليار دولار، التي ينفقها هذا البلد سنوياً، لشراء السلاح، وذلك وسط تزايد التوتر بينه وبين الصين.
وتنافست الأسلحة الروسية والأميركية، في معرض فيتنام الدولي للسلاح، وعرضت شركات من البلدين، أسلحة ونماذج لمقاتلات حربية في المعرض الذي غابت الصين عن المشاركة فيه، رغم الدعوة الفيتنامية التي وجّهت لها للمشاركة. وأظهرت فيتنام أيضاً من خلال المعرض، رغبتها في تصدير أسلحة من صناعتها أيضاً.
وقال السفير الأميركي في فيتنام، مارك نابر، وهو من الأصوات الدبلوماسية الأميركية التي تنادي برفع مستوى الشراكة مع فيتنام، لوكالة "رويترز"، إن "المعرض يشكل مرحلة جديدة من جهود فيتنام، لتنويع وتحديث شراكاتها"، وإن "الولايات المتحدة تريد أن تكون جزءاً من ذلك". من جهته، قال رئيس الوزراء الفيتنامي فام مين شين، في افتتاح المعرض، إن بلاده "تريد تنويع مصادر تسليحها بهدف حماية الأمة والشعب، وسط ارتفاع حدّة التحديات التقليدية وغير التقليدية".
ويأتي ذلك في وقت تزداد فيه وتيرة التحدي الفيتنامي للصين في بحر الصين الجنوبي. وأجرت فيتنام أخيراً، توسعة كبيرة شملت عمليات تجريف وبناء مكبات في عدد من مواقعها المطلة على بحر الصين الجنوبي، خلال النصف الثاني من العام الحالي، بحسب مركز واشنطن للدراسات الاستراتيجية والدولية. وجرت هذه الأعمال في جزر سبارتلي، التي تدعي الصين ودول أخرى مطلة على بحر الصين الجنوبي ملكيتها، وقال المركز إن التوسعة الفيتنامية إشارة إلى عزم فيتنام تعزيز حضورها في المياه المتنازع عليها.
(العربي الجديد، رويترز)