سباق الانتخابات الرئاسية الجزائرية ينطلق اليوم: 3 أشهر من المنافسة المحسومة

08 يونيو 2024
من عملية التصويت بانتخابات الرئاسة الجزائرية 2019 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقبلة تشهد تحديات تنافسية مع إعلان خمسة مرشحين ترشحهم ضد الرئيس تبون، الذي يسعى لولاية ثانية، في ظل إجراءات جديدة لضمان نزاهة العملية الانتخابية وفق الدستور وقانون الانتخابات الجديد.
- تعهدات بإجراء الانتخابات الأكثر نزاهة في تاريخ الجزائر، مع تمكين المرشحين من حق التمثيل في مكاتب الاقتراع والحصول الفوري على محاضر الفرز، تعكس جهود الشفافية والعدالة.
- زخم من المرشحين يعكس تنوع التوجهات السياسية قد يسهم في زيادة المشاركة الشعبية، رغم توقعات بفوز تبون بولاية ثانية. المشاركة الواسعة قد تعزز الشرعية الانتخابية وتسهم في تحقيق توازن سياسي.

يبدأ سباق الانتخابات الرئاسية المقبلة في الجزائر رسمياً عقب توقيع الرئيس عبد المجيد تبون اليوم السبت على المرسوم الرئاسي المتضمن استدعاء الهيئة الناخبة لاستحقاق الانتخابات الرئاسية المقررة في السابع من سبتمبر/ أيلول المقبل. ويسمح المرسوم ببدء المراجعة الاستثنائية للقوائم الانتخابية، لتسجيل الناخبين بين 12 و27 يونيو/حزيران الحالي. وأعلن خمسة مرشحين حتى الآن ترشحهم للمنافسة في سباق الانتخابات الرئاسية الجزائرية بوجه تبون، المرشح للظفر بولاية رئاسية ثانية، ما يفقد هذه الانتخابات حيويتها التنافسية والشعبية، على الرغم من مؤشرات تفيد بأنها ستحقق نسبة مشاركة أكبر من سابقتها التي جرت في عام 2019.

وبداية من يوم غد الأحد، تفتح الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الباب أمام المرشحين في سباق الانتخابات الرئاسية الجزائرية لإيداع نوايا الترشح وسحب استمارات التواقيع التي ستكون أول حاجز يتعين على المرشحين اجتيازه. وسيكون على كل مرشح للرئاسة جمع 50 ألف توقيع من الناخبين، يتعين أن تكون موزعة على 29 ولاية كحد أدنى من مجموع 58 ولاية في البلاد، وبحد أدنى لا يقل عن 1200 توقيع من كل ولاية، فيما يمكن للمرشحين تقديم 500 توقيع فقط من المنتخبين الأعضاء في البرلمان والمجالس المحلية والولائية، وهو أمر يبدو سهلاً، خصوصاً بالنسبة للمرشحين من قادة الأحزاب التي تملك عدداً كبيراً من المنتخبين. ووفقاً للآجال القانونية التي يحددها قانون الانتخابات الساري المفعول، فإن آخر أجل لإيداع ملفات المرشحين سيكون 17 يوليو/ تموز المقبل، على أن تبدأ الحملة الانتخابية لمدة 23 يوماً من 14 أغسطس/ آب حتى الثالث من سبتمبر المقبل.

سباق الانتخابات الرئاسية الجزائرية: مرشحون كُثر 

وتعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في الجزائر أول انتخابات رئاسية تتم في البلاد وفقاً للدستور الجديد الذي أعد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، ووفقاً لقانون الانتخابات الجديد الذي تم إصداره في مارس/ آذار 2021، والذي يتضمن تكريس الهيئة المستقلة للانتخابات، وينظم صلاحياتها، ويحدد شروط الترشح في سباق الانتخابات الرئاسية الجزائرية وتفاصيل جمع التواقيع وتنظيم الحملة الانتخابية لصالح المرشحين. ويعزّز القانون التدابير التي تسمح بمراقبة الانتخابات ويتيح لكل مرشح حق التمثيل في كل مكتب اقتراع وحق الحصول الفوري لمحاضر الفرز الآنية دون تأخير، لمنع أي تلاعب بالنتائج. وتعهد رئيس الهيئة محمد شرفي في تصريحات صحافية أطلقها الأسبوع الماضي، أن يكون سباق الانتخابات الرئاسية الجزائرية عام 2024 الأكثر نزاهة في تاريخ الاستحقاقات الجزائرية.

جمال بعلول: الانتخابات ستكون مؤشراً مهماً على مدى الرضا الشعبي عن السياسات التي ينتهجها تبون منذ 2020

وفي انتظار إعلان الرئيس عبد المجيد تبون ترشحه لولاية رئاسية ثانية، تبرز خمسة أسماء أعلنت عن ترشحها حتى الآن، وهم: رئيس حركة مجتمع السلم، أكبر الأحزاب الإسلامية والمعارضة، عبد العالي حساني، حيث تقدم الحركة مرشحاً عنها للمرة الأولى منذ انتخابات 1995. ويدعم حساني تحالفٌ من القوى الإسلامية.

كما أعلنت عن ترشحها الأمينة العامة لحزب العمال (يساري) لويزة حنون، التي تخوض السباق الرئاسي للمرة الرابعة بعد مشاركتها في رئاسيات 2004 و2009 و2014، إلى  جانب رئيس حزب التحالف الجمهوري ومساعد وزير الخارجية بلقاسم ساحلي (تقدمي) الذي أعلن ترشحه مدعوماً بتحالف يضمّ سبعة أحزاب فتية، على أمل أن ينجح في جمع التواقيع المطلوبة، بعدما كان قد أخفق في ذلك في انتخابات عام 2019.

وبالإضافة إلى الشخصيات الثلاث السابقة، التي أعلنت أنها ستخوض سباق الانتخابات الرئاسية الجزائرية هذا العام، فإن ما يميز لائحة المرشحين، وهي الثانية التي تتم بعد الحراك الشعبي الذي اندلع في عام 2019، هو إعلان جبهة القوى الاشتراكية، أقدم أحزاب المعارضة الجزائرية (أنشئ عام 1963)، عن تقديم مرشح عنها، حيث صوّت المؤتمر العام للجبهة يوم السبت الماضي، على ترشيح السكرتير الأول للحزب يوسف أوشيش كمرشح للرئاسة، وهو تحول جذري في مواقف الحزب، والمرة الأولى التي ينتقل فيها من موقف مقاطعة الانتخابات إلى المشاركة فيها. وبرّر الحزب ذلك بتضحية من أجل الوطن والديمقراطية وللمساهمة في تقديم بديل ديمقراطي وصدّ التهديدات الموجهة ضد البلاد. كما كان لافتاً أن أبرز الشخصيات السياسية التي كانت لها مواقف راديكالية ضد المسار الانتخابي منذ عام 2019، وهي زبيدة عسول، رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي، كانت أول من أعلنت ترشحها، مع احتمال ضئيل من تمكنها من جمع لائحة التواقيع المطلوبة.

زخم ترشيحات بلا حماسة

ويوفر هذا الزخم من المرشحين وتنوعهم من حيث التوجهات السياسية، حيث كل التيارات ممثلة، الإسلامي والوطني والديمقراطي واليساري، برأي الكثير من المراقبين للانتخابات الرئاسية المقبلة، ظروفاً مختلفة وأكثر إيجابية، مقارنة بالاستحقاق الرئاسي الأخير عام 2019. وبرأي هؤلاء، تبدو المؤشرات في صالح حضور أكبر للناخبين وتحقيق نسبة مشاركة أكبر من سابقتها التي جرت في ظروف توتر وتظاهرات الحراك الرافضة للانتخابات، خصوصاً مع نجاح السلطة في تطويع وضبط منطقة القبائل (ذات الغالبية من الأمازيغ).

حكيم بوغرارة: العديد من الأحزاب دخلت سباق الانتخابات الرئاسية فقط للتحضير للانتخابات النيابية والمحلية المقبلة

لكن سباق الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقبل، يبقى برأي المحلل السياسي والأستاذ في جامعة المدية قرب العاصمة الجزائرية، حكيم بوغرارة، "يفتقد بشدة إلى التنافسية التي تغيب على صعيد السباق نحو الرئاسة بخلاف انتخابات عام 2019، لأنه من الواضح أن الرئيس عبد المجيد تبون سيفوز به بحكم حجم الحزام السياسي الواسع المؤيد له". واعتبر بوغرارة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الانتخابات ستجرى في ظلّ مشاركة عدد من أحزاب المعارضة التي لم تكن تقدم مرشحين عنها في الاستحقاقات السابقة، على غرار جبهة القوى الاشتراكية وحركة مجتمع السلم، وهذه المشاركة ستحصن بالتأكيد من المؤشر الانتخابي في ما يخص نسبة التصويت، على الرغم من أن الشخصيات التي ترشحت لمنافسة الرئيس تبون لا يظهر عليها الحماس الكبير للفوز بالانتخابات أو منافسة تبون". وبرأيه، فإن "العديد من الأحزاب دخلت سباق الانتخابات الرئاسية الجزائرية فقط للتحضير للانتخابات النيابية والمحلية المقبلة، خصوصاً مع الحديث عن إمكانية أن يتم تقديم هذه الانتخابات عن موعدها"، إضافة إلى ما يصفه "بوجود خطاب سياسي طاغٍ يتعلق بأن المشاركة في الانتخابات هي إسهام لدفع الضغوط التي تواجهها البلاد في سياق إقليمي متوتر".

يُحيل المعنى السياسي الأخير إلى السياق الذي يجرى فيه سباق الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقبلة، وهي الثانية بعد الحراك الشعبي، وهو سياق إقليمي قلق ساعد السلطة على مضاعفة خطاب سياسي يُركز بشكل كبير على جملة تهديدات وتحديات تواجه البلاد، وإعطاء الانطباع بوجود استهداف مباشر لها من أكثر من طرف، نتيجة مواقفها، وخصوصاً المتعلقة بالتطورات في فلسطين. وهو خطاب بدا مكرساً أيضاً في قناعات فردية وجماعية ومتبنى في خطاب الأحزاب والقوى السياسية، بما فيها القوى المعارضة التي كانت ترفض في السابق منطق المؤامرة الذي كانت تستند إليه السلطة في تبرير سياسات الإغلاق الداخلي. 

لكن الناشط السياسي جمال بعلول رأى، على خلاف ذلك، أن أول مجسّ يمكن من خلاله قياس مستوى التجاوب الشعبي مع سباق الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقبلة، سيكون من خلال مدى تجاوب الناخبين مع عملية جمع التواقيع لصالح المرشحين. وقال بعلول، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الانتخابات ستكون مؤشراً مهماً على مدى الرضا الشعبي عن السياسات التي ينتهجها تبون منذ عام 2020". لكنها برأيه أيضاً "قد تتيح فرصة ظرفية بانفتاح سياسي وإعلامي لكون السلطة مضطرة إجرائياً وسياسياً لفتح المجال للمرشحين والأحزاب الداعمة لهم للتعبير عن مواقفهم وتصوراتهم السياسية لمعالجة المشكلات القائمة، وفرصة لعودة الخطاب الناقد لسياسات السلطة، خصوصاً من قبل مرشحي التيار الديمقراطي واليساري الأكثر تعرضاً لسياسات السلطة". ولفت إلى أن "هناك هامشاً مهماً في الانتخابات الرئاسية المقبلة يتوجب أن يتم استغلاله لإعادة التوازن للساحة السياسية في البلاد، بعد فترة طغى عليها خطاب السلطة الذي يعدّد الإنجازات وبتجاهل المشكلات الجدية، والعودة إلى وضع طبيعي فيه هامش أكبر للصوت المغاير غيّبه استخدام السلطة لفائض التضييق على الرأي الآخر".

المساهمون