سادس انتخابات نيابية منذ التعددية السياسية في الجزائر… هل يستعيد برلمان ما بعد الحراك سلطة الرقابة؟
تخوض الجزائر، اليوم السبت، أول انتخابات تجرى تحت إشراف هيئة مستقلة للانتخابات وتاسع انتخابات من نوعها منذ الاستقلال؛ ثلاثة منها جرت خلال حكم الحزب الواحد (جبهة التحرير الوطني)، وست استحقاقات نيابية جرت بعد دخول البلاد عهد التعددية السياسية عام 1989.
وعلى مدى العقود والتجارب النيابية التسع السابقة، لم يكن للبرلمان الجزائري أي دور في إقرار الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد، إذ لم يصدر أي من البرلمانات السابقة أية مبادرة تشريعية أو قانون من تلقاء نفسه، بينما كان ينتظر فقط ورود مشاريع القوانين من الحكومة لتسجيلها والمصادقة عليها، وهو ما جعله يوصف إعلاميا بأنه مجرد "غرفة تسجيل".
ولم يُعرف للبرلمان في السابق دور رقابي أو إنشاء لجان نيابية للتحقيق في ملفات وقضايا، بسبب تغول السلطة التنفيذية وعدم استقلالية البرلمان وتحكم السلطة السياسية والأجهزة في الكتل النيابية للأغلبية الموالية للسلطة، إذ كان يتم إحباط أية محاولة من قوى المعارضة لتقديم مشاريع قوانين أو تعديلات أو إنشاء لجان تحقيق، بما فيها محاولة إصدار قانون لتجريم الاستعمار.
وإذ يتوجه الناخبون اليوم لانتخاب أول برلمان في مرحلة ما بعد الحراك الشعبي، فإن أكبر تحدٍ بالنسبة للبرلمان المقبل ونوابه يتعلق بمحو الصورة المشوشة للبرلمان لدى الجزائريين، واستعادة الهيبة الكاملة للسلطة التشريعية كسلطة مستقلة تمارس دورها التشريعي والرقابي على الحكومة والمؤسسات التنفيذية، باستخدام الوسائل القانونية والصلاحيات الدستورية التي يتمتع بها البرلمان والنواب.
من ضمن التحديات التي سيواجهها البرلمان تعزيز استقلالية البرلمان عن السلطة التنفيذية والحكومة وخضوعها لرقابته
ومن ضمن التحديات التي سيواجهها البرلمان تعزيز استقلاليته عن السلطة التنفيذية والحكومة وخضوعها لرقابته بخلاف ما كان يحدث في السابق، خاصة في ظروف سياسية مغايرة وتوازنات جديدة ستفرزها هذه الانتخابات، سواء في المشهد الحزبي أو في خريطة الكتل والتحالفات داخل البرلمان، وتكريس قيمة مضافة وحقيقية للتعددية السياسية.
ومنذ دخول الجزائر عهد التعددية السياسية، جرت ست انتخابات نيابية، الأولى كان مقرراً أن تتم على دورين، جرى دورها الأول في 26 ديسمبر/ كانون الأول 1991، واكتسح الإسلاميون أغلبية مقاعد البرلمان بحصولهم على 88 مقعداً، فيما حصل حزب السلطة، جبهة التحرير الوطني، على 28 مقعداً فقط، وحصلت جبهة القوى الاشتراكية على 16 مقعداً، لكن الجيش قرر توقيف المسار الانتخابي وإلغاء الدور الثاني الذي كان مقرراً أن يتم في 16 يناير/كانون الأول 1992.
وسداً للفراغ التشريعي، قررت السلطة السياسية إنشاء مجلس انتقالي يقوم مقام البرلمان والتشريع، إلى غاية عودة البلاد إلى المسار الانتخابي بإجراء الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 1995، إذ جرى تنظيم انتخابات نيابية في يونيو/حزيران 1997، في ظروف أزمة أمنية دامية، فاز بها حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي أسسته السلطة قبل الانتخابات بأربعة أشهر.
وفي عام 2002، كان منصب الرئاسة قد آل إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وجرت أول انتخابات نيابية في عهده عام 2002، إذ عادت جبهة التحرير إلى الصدارة مجدداً وتقهقر التجمع الديمقراطي إلى المرتبة الثانية.
وأحدثت حركة الإصلاح الوطني (إسلامي) مفاجأة كبيرة بتقدمها إلى الرتبة الثالثة بدلاً من حركة "مجتمع السلم"، لكن تلك الانتخابات شهدت مقاطعة تامة للانتخابات في منطقة القبائل، ومن حزبي جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، على خلفية أحداث الربيع الأمازيغي التي شهدتها المنطقة بين إبريل/نيسان ويونيو/حزيران 2001، وقُتل فيها 165 شاباً على يد قوات الأمن.
لكن عهدة هذا البرلمان لم تكن هادئة تماماً، بسبب الخلافات التي ظهرت بين الرئيس بوتفليقة ورئيس حكومته علي بن فليس، إذ انشق الأخير عن الرئيس وترشح لمنافسته في انتخابات الرئاسة عام 2004، وحدث انقسام حاد في الكتلة الأغلبية النيابية، واستقال رئيس البرلمان حينها كريم يونس، الذي كان محسوبا على بن فليس.
وفي 17 مايو/أيار 2007، جرى انتخاب برلمان جديد ضم 389 نائبا حتى عام 2012، وفي العاشر من مايو/أيار 2012، جرى انتخاب البرلمان الخامس في عهد التعددية السياسية، وارتفع عدد مقاعد المجلس خلال هذه التشريعيات إلى 462 مقعدا، وشهد هذا البرلمان دخول كتلة هامة من رجال المال والأعمال إلى المؤسسة التشريعية.
وفي الرابع من مايو/أيار 2017، جرت انتخابات نيابية جديدة في ظروف متوترة سياسيا بسبب مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وغموض الأفق السياسي للبلاد، وحدثت توترات كبيرة داخل البرلمان، أدت إلى تداول ثلاثة نواب على رئاسته، قبل أن يندلع الحراك الشعبي في فبراير/شباط 2019.
وبعد استقالة الرئيس بوتفليقة في مارس/آذار 2019، طالب الحراك الشعبي بحل البرلمان، لكن رئيس الدولة عبد القادر بن صالح لم يكن يملك هذه الصلاحية الدستورية، إلى غاية انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون في ديسمبر/كانون الأول 2019، والذي وعد بإجراء انتخابات نيابية مبكرة عاجلة، لكن أزمة وباء كورونا أخرت قرار حل البرلمان إلى فبراير/شباط 2021، وإقرار إجراء انتخابات مبكرة.
وقبل التعددية السياسية، كانت الجزائر قد شهدت تجارب انتخابية مغلقة داخل الحزب الواحد، ففي سبتمبر/ أيلول 1962، تولى المجلس التأسيسي مقاليد السلطة التشريعية في الجزائر مباشرة عقب الاستقلال، وضم المجلس، الذي عُد أول برلمان للجزائر المستقلة، كبار الشخصيات الثورية، وكانت يتشكل من 196 عضواً، وترأس المجلس فرحات عباس ثم الحاج بن علة، قبل أن يتم تعطيل عمل المجلس وإلغاء الحياة النيابية بعد الإطاحة بالرئيس الراحل أحمد بن بلة في انقلاب يونيو/حزيران 1967 بقيادة الرئيس هواري بومدين.
وعقب إقرار دستور جديد للبلاد عام 1976، شهدت الجزائر أول انتخابات نيابية عام 1977 بعضوية 273 نائبا، كانوا كلهم يتبعون حزب جبهة التحرير الوطني، وجرت عام 1982 ثاني انتخابات نيابية، تلتها انتخابات في فبراير/شباط 1987، لكن هذا البرلمان لم ينه عهدته النيابية، إذ تفجرت انتفاضة شعبية في أكتوبر/تشرين الأول 1988، دفعت الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد إلى إقرار إصلاحات سياسية وطرح دستور جديد يتيح التعددية السياسية، وتم حل المجلس في 4 يناير/كانون الثاني 1992.