سؤال آخر وجواب واحد

22 نوفمبر 2023
دير البلح في غزة، أمس (دعاء الباز/الأناضول)
+ الخط -

تقول إسرائيل إنه ليس لديها لا أرض ولا سماء يمكن أن تتنازل عنهما للفلسطينيين، لا عند حدود ما قبل 1967 ولا بعدها. وحتى عندما يتمسك العرب بخريطة ما قبل يونيو/ حزيران 1967، يعتبر الإسرائيلي أن ذلك ليس شيئاً مذكوراً ولا حتى مسألة قابلة للنقاش.

لا يوجد في إسرائيل كلها من لديه القدرة على التنازل عن شبر من "أرض الميعاد". للحاخامات في ديار العدو سلطتهم الدينية التي تمنع أي قائد في دولة الاحتلال من التنازل، لئلا يكون مصيره الاغتيال مثل إسحق رابين الذي اغتاله متطرفون بسبب تنازله عن غزة وأريحا للفلسطينيين.استعادة ال

تاريخ مسألة ضرورية لفهم كيف تتحول الاستحقاقات وتتغير الوقائع حين يصل التاريخ إلى لحظة يكون فيها الخيار الأخير قائماً بين خط المقاومة والوجود وبين خط الاستسلام والغياب. قبل ستة عقود ونيف كانت فرنسا تقول ما تقوله إسرائيل نفسه. فقد كانت الجزائر بالنسبة لفرنسا كما فلسطين بالنسبة للإسرائيلي تماماً، الجنة الموعودة والأرض التي لا يمكن التنازل عنها.

شعار "الجزائر فرنسية" كان يُعبّر عن ذلك بوضوح لدى غالبية الفرنسيين، وحتى عندما قرر الرئيس شارل ديغول بدء مفاوضات مع جبهة التحرير ثار عليه غلاة المستوطنين بدعم من الكنيسة، وأعلن جنرالات الجيش الاستعماري في الجزائر التمرد العسكري للحفاظ على "الجزائر الفرنسية"، لكن ما الذي حدث لاحقاً؟

الذي حدث هو أنه لا ديغول ولا خصومه بل المقاومة الجزائرية هي التي حددت المآلات، لأنها لم تكن معنية بصراع الإرادات داخل مجتمع الاحتلال، ولم تضع نفسها في أي لحظة وتحت أي ظرف رهينة لهذه المواقف. كانت مستقلة في إرادتها وواقعية في قرارها ومقتنعة بخيارها التحرري، وعلى وعي كامل باستحقاقات ضريبة الدم الواجب دفعها لقاء تحقيق النصر.

وهذا هو تماماً ما تنجزه الآن المقاومة في فلسطين وقبلها في لبنان، عندما بادرت إلى رسم خط أحداث غيّرت الكثير من المسارات وعززت الانحياز الفلسطيني والعربي إلى خيار المقاومة. وهو خط أعاد كلياً إنتاج مفهوم التحرير الكامل، وساعد على إعادة تأهيل خيار المواجهة الشاملة، واستعاد للبندقية الفلسطينية موضعها الصحيح.

الوقائع تتغير فعلاً على الأرض وستقود حتماً إلى يوليو/ تموز فلسطيني على غرار يوليو الجزائري، إنْ لم يكن غداً فبعده، بفعل نجاح المقاومة في توزيع الجهد والمقدرات وإدارة الوقت والمعركة، مع ما في ذلك من كلفة باهظة.

سياسياً، يمكن ملاحظة ذلك وإحدى مظاهره سرعة قفز المواقف الأميركية والإسرائيلية بشأن التعاطي مع غزة، مرة بإعادة السيطرة على القطاع ومرة بوضعه تحت إدارة أممية ومرة بنقله إلى سلطة محمود عباس، وبالانتقال من رفض صفقة التبادل إلى القبول بها.

تخبر وقائع التاريخ السياسي أن التاريخ لا يسير أبداً لصالح الأقوى، لأن القوة بالمعنى السياسي والعسكري غير ثابتة، بل إلى حيث الحق، وفي غزة صراع بين القوة والحق.

المساهمون