أفادت مصادر مصرية خاصة بأن خطة دوائر قريبة من مؤسسة الرئاسة والرئيس عبد الفتاح السيسي، للتأثير السلبي على جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة "الإخوان المسلمين"، لدى الدوائر السياسية في بريطانيا، أصيبت بانتكاسة شديدة، بسبب النتائج العكسية التي أحدثتها زيارة مفتي الجمهورية شوقي علام إلى لندن، خلال الأسبوع الماضي.
فقد نتجت عنها إثارة قضية أحكام الإعدامات على مستويات رسمية وإعلامية، خصوصاً مع إعلان عمدة المدينة صادق خان رفضه استقبال المفتي بسبب تصديقه على هذا العدد غير المسبوق من الأحكام.
وأشارت المصادر، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، إلى أنه ضمن النتائج المحبطة كذلك بالنسبة لدوائر السيسي، أن فكرة الترويج لإيجاد بديل يمكن أن يحل في منصب شيخ الأزهر أحمد الطيب باءت هي الأخرى بضربة جديدة، بسبب ما وصفته بـ"الزيارة الفاشلة" التي قام بها علام.
وقالت إن علام يبحث عن دور جديد ومساحة يشغلها على المستوى الدولي، وهذا ما تجسد في الزيارة التي قام بها إلى لندن الأسبوع الماضي، وحرص خلالها على زيارة مجلسَي العموم واللوردات البريطانيين، وإلقاء محاضرة في جامعة أكسفورد، ولقاء عدد من رجال الدولة في بريطانيا، والتأكيد أنه "المتحدث باسم الإسلام الصحيح".
خطاب شوقي علام في لندن
وركز علام في خطابه أثناء وجوده في بريطانيا، وخصوصاً خلال محاضرته في جامعة أكسفورد التي حملت عنوان "من له الحق في التحدث باسم الإسلام؟"، على الفكرة التي يروجها النظام المصري دائماً، وهي "مكافحة التطرف والإرهاب".
وقال: "من الخطأ في حق وطننا وديننا أن نترك للمتطرفين الساحة الدولية فارغة يشوهون فيها صورة الإسلام والوطن". وأضاف أن "الإسلام الصحيح قادر على أن يُسكت الأقلية المتطرفة، وأن الإرهابيين يتعبّدون بسفك الدماء المحرّمة ويجاهدون بالقتل والإرهاب".
واعتبر أنه "على وسائل الإعلام وحكومات العالم أن تكون أكثر تدقيقاً عند تعاملها مع علماء الدين، حتى يتغلّب صوت الاعتدال على الأقلية المتطرفة".
رفض عمدة لندن استقبال علام بسبب تصديقه على احكام إعدام
وقالت مصادر من دار الإفتاء ومن مشيخة الأزهر إن "المفتي علام، بمعاونة مستشاره الخاص إبراهيم نجم، يحاول أن يقوم بالدور الذي أحجم شيخ الأزهر عن القيام به، وهو ترديد الحديث عن ضرورة مكافحة الإرهاب، والهجوم على جماعات الإسلام السياسي، وما إلى ذلك من حديث يخدم فقط سياسة النظام من دون فهم حقيقي".
وأوضحت أن شيخ الأزهر أحمد الطيب "حرص في أكثر من مناسبة على رفض واستنكار إصرار بعض المسؤولين في دول غربية على استخدام مصطلح (الإرهاب الإسلامي)، وهو عكس ما فعله المفتي علام، الذي ربط بين التطرف والإرهاب والدين الإسلامي".
ولفتت المصادر إلى أن علام "يعد أكبر شخصية دينية بعد شيخ الأزهر، ومنصبه يعادل منصب وزير في الحكومة، بينما منصب شيخ الأزهر يعادل رئيس وزراء، ولذلك، فإن علام يستغل مكانته الدينية البارزة في التوجه إلى الغرب برسائل سياسية مصبوغة بتوجهات النظام المصري دون غيره، وذلك في محاولة لمنافسة حضور الشيخ الطيب في المحافل الدولية، وفي الوقت نفسه، يحاول إثبات نفسه داخلياً أمام النظام".
وقال مصدر في مشيخة الأزهر إن "خطاب الإمام الأكبر الدائم في المحافل الدولية يتمحور حول الدفاع عن الدين الإسلامي ضد هجمات المتطرفين من جميع الأجناس، سواء من المسلمين أنفسهم أو من اليمين الغربي، وهو غالباً ما يكون محل ترحيب دولي على الرغم من ذلك. والدليل هو علاقته الممتازة برأس الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس، وغيره من قادة الدول الغربية، والاستقبال الحافل الذي يلقاه عند وجوده في أي من الدول الغربية".
ولفت المصدر إلى أن زيارة علام إلى بريطانيا "لم تلق النجاح المطلوب، على الرغم من خطابه الذي يلقى قبولاً عند اليمين الغربي، ويتركز على أسطورة الإرهاب الإسلامي".
وقال المصدر إنه "على الرغم من محاولة الإفتاء والصحافيين والمواقع المصرية التي حاولت جاهدة الترويج للزيارة وإثبات نجاحها، إلا أن الواقع يؤكد عكس ذلك، إذ إن وجود المفتي في العاصمة البريطانية أثار الحديث في الأوساط الحقوقية هناك حول أحكام الإعدام المفرطة التي تنفذ في مصر بحق معارضين سياسيين، والتي يجب أن يوافق عليها المفتي حسب ما ينص القانون، وهو الأمر الذي جعل عمدة لندن يرفض مقابلته".
ربط علام بين "التطرّف" و"الإرهاب الإسلامي" متناغماً مع المصطلحات الغربية
وقالت مصادر مصرية إن من رتب للزيارة هو مؤسس "المجموعة البريطانية المصرية" سمير تكلا، ورئيس "اتحاد الكيانات المصرية" في لندن مصطفى رجب، وهو صاحب مقهى مصري شهير في العاصمة البريطانية، ومعروف بأنه متخصص في الترتيب لزيارات المسؤولين المصريين إلى لندن منذ عهد الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك، مروراً بعهد الرئيس محمد مرسي، وصولاً إلى السيسي.
واصطحب علام خلال زيارته إلى لندن، التي استمرت مدة أسبوع، مستشاره الخاص، الرجل القوي في دار الإفتاء إبراهيم نجم، والصحافي المحسوب على الأجهزة الأمنية حمدي رزق، والصحافي مصباح قطب.
وعلى الرغم من محاولة المفتي ومرافقيه من دار الإفتاء، وحتى الصحافيين، استغلال زيارته إلى لندن في الترويج لسياسة النظام المصري وحديثه المتواصل عن "مكافحة الإرهاب"، إلا أن ذلك لم يلق النجاح المطلوب في لندن، مع رفض رئيس بلدية لندن صادق خان لقاء مفتي الديار المصرية خلال زيارة البرلمان. ونفى عمدة لندن أنه سيلتقي المفتي المصري "المعروف بموافقته على تنفيذ مئات الإعدامات" خلال زيارته العاصمة البريطانية.
نتائج سياسية محبطة لزيارة شوقي علام
وقبل مغادرة مصر إلى بريطانيا، التي وصل إليها في 15 مايو/أيار الحالي، قال علام إنه سيلقي خطاباً أمام مجلس العموم ومجلس اللوردات، وسيجتمع مع عدد من كبار السياسيين في بريطانيا، بما في ذلك صادق خان. كما أعلن أنه سيلقي محاضرات وندوات في عدد من المنتديات ومراكز البحث البريطانية.
وبعد أن أطلق نشطاء ومنظمات بريطانية مسلمة حملة تحث خان على عدم لقاء علام، قال المتحدث باسم رئيس البلدية إنه لا توجد خطط لعقد لقاء بين الرجلين.
وشارك مسلمو بريطانيا في التوقيع على رسالة مفتوحة إلى خان أشارت إلى "سجل علام السيئ في مجال حقوق الإنسان"، بما في ذلك موافقته على عمليات الإعدام منذ تعيينه مفتياً قبل نحو عقد.
وجاء في الرسالة أنه "منذ توليه منصب المفتي في 2013، وافق شوقي علام على مئات الإعدامات، والعديد منها لسجناء سياسيين ومعارضين للحكومة، في محاكمات جائرة من دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، في تجاهل صارخ لحياة الإنسان وحقوق الإنسان".
من جهته، قال مستشار مفتي الجمهورية إبراهيم نجم إن "حالة من التخبط والسعار أصابت المنابر الإعلامية التابعة لتنظيم الإخوان الإرهابي بسبب نجاح زيارة مفتي الجمهورية لبريطانيا".
وفي أغسطس/ آب من العام الماضي، أصدر السيسي قراراً بتمديد خدمة علام مدة عام بعدما وصل إلى السن القانونية، وفي مقابل ذلك، تعهد المفتي بـ"العمل على استكمال مسيره في (تجديد الخطاب الإفتائي)، وتحقيق الريادة الإفتائية، ليس في مصر فحسب، بل في العالم أجمع".