ربط المراقبون بين زيارة الوزير في مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس لواشنطن ومطالبة كامالا هاريس نائبة الرئيس جو بايدن "بوقف إطلاق نار فوري" في غزة. وقد تزامنت دعوتها هذه مع وصول الأول إلى واشنطن وبما بدا أنه لم يكن صدفة. وجرى التوقف عند ما قالته لأنها عموماً لا تتعاطى مع هذا الملف. وإذا فعلت فليس بهذه الصيغة الجازمة.
في العادة كانت الإدارة الأميركية تدعو إلى "هدنة". ثم رفعت العيار إلى "وقف نار مؤقت". الآن المطلوب وقف "فوري" ولو لمدة "6 أسابيع على الأقل". كلامها لا يعبّر عن موقف جديد بقدر ما أنه يستبق إعلان اتفاق تبادل أسرى مع هدنة لمثل هذه المدة، يرجّح إعلانه قبل بداية شهر رمضان.
الناطق باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر قال، الاثنين، إن "الصفقة على الطاولة". يعني أن المفاوضات تجاوزت العقد الرئيسية والباقي من العوائق والخلافات قابل للمساومة تحت ضغط أن "الجميع صار بحاجة إلى فسحة لالتقاط الأنفاس"، كلّ لحساباته.
وما يعزز ترجيح ولادة الصفقة، أن الإدارة الأميركية أوفدت المبعوث عاموس هوكشتاين إلى بيروت أمس الاثنين بعد أن كانت زيارته معلّقة حتى إشعار آخر، لمواصلة المساعي "التي كان منخرطاً فيها بغية التوصل إلى حلّ دبلوماسي للوضع" على حدود لبنان، كما قال متحدث الخارجية في رده على سؤال "العربي الجديد". حل يترافق مع الصفقة المتوقعة في غزة.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن زيارة غانتس تبدو متصلة أساساً بمرحلة ما بعد الصفقة التي أثارت الخلافات بين الإدارة الأميركية ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وبالتحديد موضوع حل الدولتين الذي رفضه نتنياهو، وبشيء من التحدي للرئيس بايدن، فضلاً عن إصراره على مواصلة الحرب بعد الهدنة، خلافاً لرغبة البيت الأبيض المنهمك بهموم الحملة الانتخابية.
مجيء الوزير إلى واشنطن خلافاً لرغبة رئيسه الذي أعطى تعليماته إلى السفارة الإسرائيلية كي "لا توفر التسهيلات لزيارة غانتس"، كشف ليس فقط عن تصدّع حكومة نتنياهو من الداخل، بل أيضاً عن تمكن البيت الأبيض من استمالة أحد أركان هذه الحكومة لتوظيف اعتراضه على رئيسها بهدف كبح اندفاعه الحربي وضبطه تحت سقف الحسابات الأميركية الراهنة في المنطقة. بل إن مباحثات غانتس مع مسؤولي الإدارة (الاثنين كانت مع هاريس والمستشار جيك سوليفان واليوم الثلاثاء مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن) لا يستبعد أن تكون قد شملت موضوع الدولتين الذي ما زال -أي غانتس- "غامضاً بشأنه". فاستيضاحه في هذا الخصوص إذا صحّ، يكون إشارة واضحة إلى طرح احتمال وضعه على طريق تولي رئاسة الحكومة بعد تفجير هذه الأخيرة من داخلها بعد الصفقة.
منذ فترة، وخصوصاً بعد التمادي في حرب الإبادة والتجويع، تزايدت الضغوط على الرئيس بايدن لردع نتنياهو ووقف المجزرة، أو على الأقل مخاطبة الإسرائيليين مباشرة من فوق رئيس الحكومة كوسيلة ضغط لإرغامه على مسايرة الإدارة والاقلاع عن المشاكسة. لكن البيت الأبيض لم تكن لدية القابلية لأي من الخيارين. بالنهاية، استقرت إدارة بايدن على ما بدا أنه نسخ للخطوة التي قام بها نتنياهو في 2015، عندما تجاوز هذا الأخير البيت الأبيض وجاء إلى واشنطن بالتواطؤ مع الجمهوريين وألقى خطاباً أمام مجلسي الكونغرس لتحريضه على الاتفاق النووي مع إيران. تقريباً السيناريو نفسه الآن، حيث جاء غانتس ضد رغبة رئيسه ليخاطب الإدارة ونسج خطة معها حول الفترة القادمة من الحرب على غزة. مراهنة المتفائلين أن شعبية نتنياهو هابطة وحظوظ غانتس "جيدة" بالمقارنة، لكن مع ذلك لا يستهين هؤلاء بقدرة نتنياهو على المناورة، خصوصاً في ظل مناخ التشنج المعادي الذي يتحكم به اليمين المتطرف في إسرائيل.
المؤكد أن زيارة الوزير لم تأتِ لغرض "توطيد العلاقات مع واشنطن وتعزيز دعمها لحرب إسرائيل على غزة والعمل لإطلاق سراح الرهائن"، كما رددت أوساط حكومية إسرائيلية، فهذه الأمور محسومة ومضمونة، وبالتالي ليست بحاجة إلى زيارة من هذا النوع، خصوصاً أنها جاءت رغماً عن إرادة رئيس الحكومة.