أعلنت الحكومة العراقية في 19 مارس/آذار الحالي، توقيع محضر تعاون وتنسيق أمني مع إيران، وذلك خلال زيارة أجراها أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني إلى بغداد، على رأس وفد حكومي إيراني، بحث فيها جملة من الملفات المشتركة بين البلدين.
وبحسب البيان العراقي الرسمي الذي صدر عقب اللقاء الذي جرى بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وشمخاني في المنطقة الخضراء وسط بغداد، فإن اللقاء شهد التباحث "في الأوضاع الأمنية والسياسية". وكان من المقرر أن يقوم رئيس حكومة إقليم كردستان العراق مسرور البارزاني بزيارة إلى بغداد للقاء شمخاني، والتباحث في جملة من الملفات، من بينها تأمين الشريط الحدودي مع إيران من جهة إقليم كردستان، فضلاً عن إنهاء وجود الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة داخل الإقليم، إلا أن الزيارة لم تحصل.
تحفظ إيراني على لقاء "الديمقراطي الكردستاني"
وكشفت مصادر في وزارة الخارجية العراقية ببغداد، أمس الثلاثاء، لـ"العربي الجديد"، أن طهران لا تزال متحفظة على أي لقاءات مع قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في الإقليم، وتعتقد بأن هذا الحزب يقف بالسر إلى جانب الأحزاب الإيرانية الكردية المعارضة الموجودة في الإقليم، والتي وجهت إليها طهران سلسلة ضربات جوية وصاروخية في فترات متقطعة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ونجمت عنها خسائر بشرية ومادية عدة.
تعتقد إيران بأن الحزب الديمقراطي الكردستاني يقف بالسرّ إلى جانب الأحزاب الإيرانية الكردية المعارضة الموجودة في الإقليم
وهذا التحفظ الإيراني نتج عنه إلغاء زيارة البارزاني إلى بغداد لعقد لقاء مع شمخاني، لو حدث فسيكون الأول من نوعه منذ الهجمات الإيرانية على الإقليم. كما أكدت المصادر ذاتها أن شمخاني لم تكن من ضمن أجندته زيارة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، وهو الأمر الذي اعتاد عليه جميع المسؤولين الأجانب الذين يزورون العراق، بأن يضعوا أربيل ضمن جدول أعمال زيارتهم.
ووفقاً للمصادر ذاتها، فإن العراق تعهد بموجب الاتفاق الأخير مواصلة عمليات ضبط الحدود عند النقطة صفر من جهة إقليم كردستان، والانتهاء من تشكيل القوات الخاصة التي ستنتشر على طول الشريط الحدودي. كما ستكون لبغداد مساع مع الأمم المتحدة من أجل ضمان مكان ثالث لجماعات المعارضة الكردية الإيرانية، على غرار برنامج مماثل تمّ من خلاله إجلاء المئات من عائلات جماعة "مجاهدي خلق" الإيرانية المعارضة من ديالى وبغداد إلى دول مختلفة، أغلبها أوروبية، إبان حكومة نوري المالكي الثانية (2010 – 2014).
في الأثناء، أكد الخبير في الشأن الأمني بإقليم كردستان، آرام جباري، لـ"العربي الجديد"، تخفيف إيران من مستوى وجودها العسكري على الحدود مع العراق، إلى ما كان عليه قبل شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، خصوصاً في مناطق هورامان ومريوان المحاذية لبلدة بنجوين في محافظة السليمانية بإقليم كردستان.
ولفت جباري إلى أن "الحكومة العراقية أرسلت تعزيزات عسكرية إلى الشريط الحدودي مع كل من تركيا وإيران، وهنالك عدة ألوية من قوات حرس الحدود تمسك الشريط من زاخو في محافظة دهوك، وصولاً إلى بلدة خانقين في محافظة ديالى، لكن المنطقة الحدودية كبيرة وتحتاج إلى قوات أخرى".
وأضاف جباري أن "الأشخاص الذين فتحت لهم وزارة الداخلية العراقية باب التطوع في قوات حرس الحدود وعددهم ثلاثة آلاف عنصر، لم يباشروا عملهم حتى الآن، كون أمر تعيينهم لم يصدر من الحكومة العراقية حتى الآن".
وكانت وزارة الداخلية العراقية قد فتحت في وقت سابق باب الانتساب إلى قوات حرس الحدود، بهدف الإمساك بالشريط الحدودي، ومنع تحرك الأحزاب الإيرانية الكردية والتركية أيضاً، وذلك نتيجة لتكرار القصف الإيراني على مناطق كويسنجق وبنجوين ورانيا في محافظة السليمانية.
وتتهم السلطات الإيرانية، الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني المعارض وحزب الكومله، وأحزاباً أخرى معارضة، بمسؤوليتها عن تأجيج الأوضاع وتغذية الاحتجاجات في المدن الإيرانية.
وفي هذا السياق، أبلغ الأمين العام لوزارة البشمركة، اللواء الركن بختيار محمد صديق، "العربي الجديد"، بأن "هناك مناطق حدودية مع إيران ما زالت تخلو من قوات حرس الحدود أو أي قوات أمنية عراقية". ولفت إلى أن "هناك قراراً يقضي بأن تكون قوات حرس الحدود العراقية في نقطة التماس على الحدود مع تركيا وإيران، لكن حتى الآن فإن الانتشار ما زال في بدايته وهناك مناطق تخلو من أي قوة أمنية، وهذا يزيد من نسبة المخاطر، وقد يسمح لجماعات مسلحة بالتجاوز على دول الجوار"، وفق رأيه.
وبيّن صديق أن "الانتشار العسكري في مناطق التماس على الشريط الحدودي يحتاج إلى موارد بشرية وأجهزة تصوير وتوثيق وطائرات استطلاع، كون الموارد لدى قوات حرس الحدود لا تكفي لسد الثغرات، بسبب طول الشريط الحدودي مع إيران وتركيا".
اتفاق على التهدئة
من جهته، أكد القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني غياث سورجي، أن جميع الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة أوقفت نشاطها المسلّح في الوقت الحالي.
تعتقد إيران بأن الحزب الديمقراطي الكردستاني يقف بالسرّ إلى جانب الأحزاب الإيرانية الكردية المعارضة الموجودة في الإقليم
ولفت سورجي في حديث خصّ به "العربي الجديد"، إلى أن "أفراد تلك الأحزاب وعوائلهم والبالغ عددهم حوالي 10 آلاف شخص ينتشرون في كويسنجق وبنجوين ومناطق أخرى من محافظة السليمانية، وجميع تلك المناطق، هي تحت نفوذ الاتحاد الوطني الكردستاني".
وأوضح القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني أن "الاتحاد الوطني دعم في وقت سابق اتفاقاً يقضي بأن يقتصر نشاط هذه الأحزاب على النشاط المدني والسياسي، كما أن تلك الأحزاب لا تمتلك الأسلحة الثقيلة والمتوسطة إطلاقاً".
وأشار سورجي إلى أن "الاتحاد الوطني يرفض أن يكون لدى تلك الأحزاب سلاح يستخدم ضد إيران، كوننا نتمتع بعلاقات طويلة ممتدة لسنوات مع السلطات الإيرانية التي قدمت لنا الدعم في العقود السابقة، وبالتالي هنالك حملات تفتيش ورقابة صارمة على مقار الأحزاب الكردية المعارضة، لضمان عدم امتلاكها الأسلحة".
ولفت سورجي إلى أن زيارة شمخاني "تدعم الاستقرار في المنطقة، وبالتالي نعتقد بأنه لا حل لاستقرار الشريط الحدودي، إلا بالتعاون الثلاثي المشترك بين طهران وبغداد وإقليم كردستان".
وأوضح القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني أن "القوات الموجودة على الشريط الحدودي لا تكفي، والحل هو في الإسراع بإرسال تعزيزات جديدة، وتحديداً من الذين قامت الحكومة العراقية بفتح باب الانتساب لهم، كون أغلب من قدموا للتعيين، هم من أهالي المناطق القريبة من إيران، ولديهم إطلاع واسع على الطبيعة الجغرافية لتلك المناطق".
هذا الواقع أكده الناشط السياسي الكردي في محافظة دهوك، دلشاد عقراوي، الذي أشار إلى أن المعلومات المتوفرة لديه هي "تجميد أغلب أنشطة الجماعات الكردية الإيرانية في الإقليم، بضغط من بغداد والاتحاد الوطني الكردستاني، بعد تهديد جدي باجتياح إيراني برّي لمناطق تواجدهم داخل الإقليم صدر من مسؤولين عديدين في الفترة الماضية".
وأضاف عقراوي أن زيارة شمخاني "كانت تأكيداً على استمرار بغداد في مساعي نشر القوات، وأيضاً ضبط أنشطة تلك الجماعات، والتحرك نحو إنهاء وجودها كتكتلات بشرية على مقربة من الحدود مع إيران".
(شارك بالتقرير من بغداد: محمد علي)