- الزيارة تأكيد على الشراكة الاستراتيجية بين البلدين كمفتاح لاستقرار الشرق الأوسط، مع التركيز على تجديد الشراكة لتشمل مجالات تتجاوز الأمن والعسكرية، وتشكيل لجنة عسكرية لتقييم التهديدات ووضع خريطة طريق للعلاقات المستقبلية.
- الزيارة تعتبر فرصة لتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني بين العراق والولايات المتحدة، مع مناقشات تركز على الاقتصاد، التعليم، البيئة، والدعم الأميركي للتنمية في العراق، بالإضافة إلى ملفات حساسة مثل العقوبات والوجود العسكري الأميركي.
توجه رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إلى العاصمة الأميركية واشنطن، اليوم السبت، في زيارة هي الأولى له منذ توليه رئاسة الحكومة العراقية، في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2022. وسيلتقي السوداني الرئيس الأميركي جو بايدن، بالبيت الأبيض، وفقاً لبيان رسمي عراقي أكد أن الزيارة تأتي لبحث جملة من الملفات المهمة. وأشار المكتب الإعلامي للسوداني، إلى أنه "غادر العاصمة بغداد متوجهاً إلى الولايات المتحدة الأميركية، على رأس وفد حكومي ونيابي وممثلين عن القطاع الخاص، في مستهلّ زيارة رسمية بدعوة من الرئيس الأميركي جو بايدن".
وتحدث مسؤولان عراقيان في وزارة الخارجية ببغداد، لـ"العربي الجديد"، عن أبرز الملفات التي ينوي السوداني مناقشتها مع بايدن خلال زيارته المرتقبة، وسط استبعاد أي تغييرات جذرية قد تفرزها على العلاقة بين بغداد وواشنطن.
مرحلة جديدة من العلاقة بين بغداد وواشنطن
يأتي ذلك في وقت اعتبر فيه السوداني، في مقال له بمجلة فورين أفيرز الأميركية، أول من أمس الخميس، أن العلاقة العراقية الأميركية "مفتاح استقرار الشرق الأوسط". وأوضح في المقال الذي نشرته وكالة الأنباء العراقية واع، أن البلدين هزما "الإرهاب معاً"، وأن التعاون الأمني سمح بـ"إعادة بناء الجيش العراقي وقوات الأمن الفعالة". كما شدّد على الحاجة إلى "حماية شراكتنا (بغداد وواشنطن) الاستراتيجية من خلال إدخالها في مرحلة جديدة"، وذلك بما يدعم سيادة العراق و"دون التخلي عن التعاون المثمر بين بغداد وواشنطن".
وتطرّق السوداني إلى تشكيل اللجنة العسكرية العليا، أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي، "المؤلفة من كبار المسؤولين العسكريين من كل من العراق والولايات المتحدة، لتقييم التهديد المستمر لما يسمى تنظيم داعش"، إلى جانب "قدرات الأجهزة الأمنية العراقية والظروف التشغيلية في جميع أنحاء البلاد". وقال إن ذلك أدى إلى "اتفاق بين جميع الشركاء لإنهاء التحالف الدولي وفقاً لجدول زمني متفق عليه"، موضحاً أن "اللجنة ستضع خريطة طريق للعلاقات المستقبلية، بما في ذلك وجود مستشارين أميركيين".
وأضاف أن هذه التحركات ستسمح "بالانتقال إلى مرحلة جديدة من الشراكة، على أساس التعاون الذي يتجاوز مجرد الشؤون الأمنية والعسكرية". وأوضح السوداني أنه "عندما يزور واشنطن ويلتقي بايدن، "ستكون فرصة لوضع الشراكة الأميركية العراقية على أساس جديد أكثر استدامة". ولفت إلى أن المناقشات ستؤكد على "الأهمية المستمرة لعلاقتنا الاقتصادية، والتعاون في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، واستخدام الأدوات السياسية والدبلوماسية لنزع فتيل التوترات الإقليمية".
وفي السياق كان مسؤول بوزارة الخارجية الأميركية، قد رجّح في حديث لصحافيين أول من أمس، طالباً عدم نشر اسمه، أن الشراكة الأمنية والدفاعية بين الولايات المتحدة والعراق ستكون جزءاً مهماً في محادثات السوداني بواشنطن، لكنها لن تكون محور الزيارة الرئيسي. ولفت إلى أن الزيارة ستركز بدلاً من ذلك على الاقتصاد وقضايا من بينها التعليم والبيئة والدعم الأميركي للتنمية. وتوقّع المسؤول الأميركي، أن تؤدي تلك المحادثات إلى حوار ثان للتعاون الأمني المشترك، (بعد اتفاقية الإطار الاستراتيجي ابين البلدين عام 2008)، في وقت لاحق من العام الحالي.
لا تأثير لزيارة السوداني على العلاقة بين بغداد وواشنطن
في موازاة ذلك أكد مسؤول بوزارة الخارجية العراقية ببغداد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الزيارة "لن تشهد أي تغييرات جذرية في العلاقة بين بغداد وواشنطن"، لكنه استدرك أن الزيارة ستتخللها "مناقشة ملف قوات التحالف (الدولي لمحاربة داعش) والوجود الأميركي في العراق، وملف العقوبات الأميركية المالية على المصارف والبنوك العراقية الأهلية، والتعاون في مجالات أمنية واقتصادية مختلفة". يُذكر أن عقوبات أميركية طاولت أخيراً، 28 مصرفاً، لتعاملها، وفق واشنطن، مع إيران، وسط اتهامات بتورطها في تهريب الدولار.
وتجري بغداد وواشنطن جولات من المحادثات المشتركة لإخراج قوات التحالف الدولي من العراق، إذ عُقدت الجولة الأولى، في 27 يناير الماضي. وأفضت الجولة الأولى إلى اتفاق على تشكيل لجنة عسكرية مشتركة لمراجعة مهمة التحالف وإنهائها، إلى جانب الانتقال إلى علاقات أمنية ثنائية. وقد بدأت اللجنة أعمالها في 11 فبراير/ شباط الماضي. وبيّن المسؤول نفسه أن "السوداني سيكون على رأس وفد وزاري وعسكري كبير" إلى واشنطن، فيما "سيصار إلى الإعلان عن اتفاقية شراكة ثنائية" بين البلدين. كما سيتم "الاتفاق على مراجعة دورية للوجود الأميركي العسكري، وكذلك قوات التحالف، من خلال جولات حوار يعقدها مسؤولون من كلا البلدين".
من جهته، استبعد المسؤول الثاني في الخارجية العراقية، في حديث لـ"العربي الجديد"، وجود أي "تغيير كبير في شكل العلاقة الحالية" بين العراق والولايات المتحدة. وعزا ذلك إلى "الوضع في الشرق الأوسط، وكذلك الانتخابات الرئاسية الأميركية القريبة" في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
التركيز على ملف الاقتصاد
وفي السياق قال عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي مختار الموسوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "السوداني سيركز، خلال زيارته واشنطن، على ملف الاقتصاد وإمكانية دعم الاقتصاد العراقي". ويتمثل هذا الدعم "من خلال رفع العقوبات عن بعض المصارف العراقية، وكذلك توفير وفرة كافية من الدولار الأميركي من قبل (البنك) الفيدرالي الأميركي".
الموسوي: ستكون الزيارة زيارة دعم للسوداني من الناحية الإعلامية أكثر من الناحية الواقعية
وبيّن الموسوي أن "الجانب الأميركي لا يريد خلال زيارة السوداني حسم أي من الملفات بشكل حقيقي، وإنما جعل الزيارة بروتوكولية لا اتفاقات حقيقية فيها". واعتبر أن الزيارة "ستكون زيارة دعم للسوداني من الناحية الإعلامية أكثر من الناحية الواقعية". أما عن ملف الانسحاب الأميركي، فلا يعتقد الموسوي أنه سيكون مطروحاً بشكل حقيقي، "وربما يتم طرحه بشكل هامشي، خلال حوارات السوداني في البيت الأبيض". وأضاف أن "السوداني يواجه ضغوطاً سياسية، وكذلك من قبل الفصائل (العراقية المسلحة الحليفة لإيران) بشأن ملف الانسحاب الأميركي من العراق". ويرى أنه لا يوجد جدية لهذا الانسحاب من قبل واشنطن، ما "قد يدخل السوداني وحكومته بمشاكل كثيرة خلال المرحلة المقبلة". كما قال إن "هذا الأمر قد يعيد عمليات الفصائل" ضد المصالح والقوات الأميركية في العراق.
علماً أن فصائل تنضوي في ما يُسمى بالمقاومة الإسلامية في العراق، قد أعلنت مطلع فبراير الماضي، وقف عملياتها العسكرية ضد المصالح والقواعد الأميركية، والتي كانت تنفذها دعماً لقطاع غزة. وكان من أبرز أسباب تعليق العمليات، منح حكومة السوداني الفرصة للتفاوض على إخراج قوات التحالف الدولي من العراق، إذ طالبت الفصائل والجهات السياسية المرتبطة بها، بإخراج تلك القوات إثر تنفيذ واشنطن ضربات انتقامية في العراق، أسفرت عن اغتيال قيادات بارزة في تلك الفصائل.
وختم الموسوي أن "جدول زيارة السوداني إلى البيت الأبيض، ما زال غير واضح وغير معلن، ولم نطلع عليه بشكل رسمي". وشدّد على أنه "بعد عودته (السوداني) من واشنطن سنعمل على استضافته في البرلمان لمعرفة تفاصيل الزيارة، وما تمت مناقشته مع الجانب الأميركي".
بدوره قال المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي، في حديث مقتضب لـ"العربي الجديد"، إن زيارة السوداني إلى البيت الأبيض "سوف تركز على مناقشة (وزارة) الخزانة الأميركية بملف الدولار (العقوبات على المصارف وحرمانها من التعامل بالدولار)". واعتبر أن هذا الحوار "قد يكون له تأثير حول سعر الدولار في السوق المحلي العراقي، إذ إن الملف له جوانب سياسية ومالية". مع العلم أن الدولار الأميركي يعادل 1320 ديناراً بحسب السعر الرسمي و1480 بحسب السوق السوداء. وأمل العوادي بعد زيارة السوداني إلى واشنطن "بأن يكون وضع الدينار العراقي المستقبلي أفضل في مقابل الدولار"، معتبراً أن "الدينار أقوى، خصوصاً مع وجود الخطوات الإصلاحية التي ينتهجها رئيس الوزراء". وأضاف أن "هناك اهتماما كبيرا بالملف الاقتصادي والمالي لما له من انعكاسات على باقي الملفات الأخرى السياسية والاجتماعية وغيرها".
الشريفي: إدارة بايدن لا تنوي اتخاذ أي قرار بشأن الانسحاب من العراق
بالمقابل رأى المحلل السياسي العراقي، أحمد الشريفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "زيارة السوداني للبيت الأبيض ستكون زيارة ذات بعد اقتصادي أكثر مما هي زيارة سياسية أو عسكرية". يأتي ذلك خصوصاً لأن "إدارة بايدن لا تنوي اتخاذ أي قرار بشأن الانسحاب من العراق، كما أن هناك رغبة عراقية من أطراف مختلفة بضرورة البقاء الأميركي". وبيّن الشريفي أن "الكل يدرك وجود خطورة أمنية، وكذلك سياسية، وحتى اقتصادية، في حال تم الانسحاب الأميركي من العراق، ولهذا فالكل يريد تسويف هذا الملف والإبقاء على الحوار والتفاوض لفترة طويلة". واعتبر أن زيارة السوداني لن تتضمن أي حوار حقيقي بهذا الملف، بل ستركز على حصوله على الدعم بالملف الاقتصادي والمالي". وشدّد على أن "السوداني قد يعمل على نقل رسائل من الجانب الإيراني إلى الجانب الأميركي، خلال زيارته البيت الأبيض". وأوضح أن "العراق دائماً ما يعمل على نقل الرسائل ما بين طهران وواشنطن، خصوصاً أن السوداني وحكومته يدركان خطورة أي تصعيد إقليمي أو دولي، لما له من خطورة على الساحة العراقية، وجعلها ساحة لتصفية الحسابات".
إلى ذلك، علّق وزير الخارجية العراقي الأسبق هوشيار زيباري على الزيارة، معتبراً في منشور عبر موقع "إكس"، أن الزيارة "تجري في ظروف عصيبة جداً، على خلفية التصعيد غير المسبوق بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وإسرائيل، وإذا اندلعت شرارة المواجهة قبل إجراء الزيارة، فستلقي بظلالها السلبية عليها"، مؤكداً أنه "من مصلحتنا أن تتم زيارة ناجحة، إلا أن الوضع المستجد خطير".