- التوترات تصاعدت في المنطقة بعد الزيارة، مع تقارير عن تفويض عراقي لتركيا لشن عمليات عسكرية ضد مسلحي "العمال الكردستاني"، وانتهاكات ضد المجلس الوطني الكردي من قبل "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية".
- سياسيون كرد سوريون يرون في الزيارة أبعادًا اقتصادية وسياسية بجانب الأمنية، مؤكدين على أهمية استغلال العلاقات الإيجابية لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، مع التحذير من أن الحلول العسكرية ستزيد التعقيدات.
تطرح زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق في 22 إبريل/نيسان الحالي، ولا سيما مباحثاته في إقليم كردستان العراق حيث التقى رئيس الإقليم نجيرفان البارزاني ورئيس حكومة الإقليم مسرور البارزاني، أسئلة حول الملفات التي بحثها هناك، لا سيما حول الوضع في شمال سورية وشرقها، إذ تصر أنقرة على إبعاد المجموعات الكردية عن حدودها، لاسيما حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) اللذين يشكلان هاجساً أمنياً لتركيا على حدودها، سواء شمال سورية أو العراق. وفي أعقاب زيارة أردوغان إلى العراق والمباحثات التي أجراها في كل من بغداد وأربيل، قال إنه يعتقد أن العراق يدرك ضرورة القضاء على "العمال الكردستاني" وإن لديه رغبة في القيام بذلك، مشيراً إلى تطلع بلاده إلى مساعدة من بغداد في تلك المعركة. وبعد يوم من انتهاء الزيارة، ذكر وزير الدفاع التركي يشار غولر، أن تركيا والعراق اتفقا على تشكيل مركز للعمليات العسكرية المشتركة، وهي مسألة يناقشها الجانبان منذ فترة طويلة بسبب الغارات التي تشنها أنقرة عبر الحدود، وأضاف أن أنقرة وبغداد ستعملان معاً على "ما يمكننا القيام به".
وكانت مصادر عراقية في بغداد وأربيل، قد ذكرت في حديث إلى "العربي الجديد"، أن أردوغان عاد إلى أنقرة بتفويض عراقي لشنّ عملية عسكرية ضد مسلحي "العمال الكردستاني" داخل العراق ضمن مناطق وجوده. وتعتبر أنقرة أن "قسد" هي الذراع السورية لـ"العمال"، وشنت ضدها عمليتين عسكريتين بمشاركة المعارضة السورية، بالإضافة إلى شن ضربات مستمرة على أهداف وقيادات "قسد".
تصاعدت انتهاكات أجهزة "الإدارة الذاتية" ضد المجلس الوطني الكردي الحليف لأربيل
وبعد الزيارة، تصاعدت انتهاكات أجهزة "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية"، ضد المجلس الوطني الكردي الحليف لأربيل والذي ليست لديه مشاكل مع تركيا، إذ اختطف مسلحون من حزب الاتحاد الديمقراطي، المكون الرئيسي للإدارة، ناصر جارو العضو في حزب يكيتي الكردستاني. كما اعتقل عناصر "الاتحاد الديمقراطي" نشطاء وصحافيين في المنطقة، بالإضافة إلى لجوء عناصر "الشبيبة الثورية" التابعة للحزب لإحراق ثلاثة مكاتب لأحزاب المجلس الوطني. كما شنت صفحات ومواقع مقربة من "الإدارة الذاتية" و"قسد"، حملة على وسائل التواصل الاجتماعي، ضد حكومة إقليم كردستان لاستقبالها أردوغان.
لكن شلال كدو، سكرتير الحزب اليساري الديمقراطي الكردي في سورية، وممثل المجلس الوطني الكردي في الائتلاف الوطني السوري المعارض، رأى أن ردود فعل "الإدارة الذاتية" على الزيارة "غير منطقية وغير واقعية، وليست لها أيّ قيمة". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد" أن "ردود الفعل تجاه أحزاب المجلس الوطني الكردي أمر ليس بجديد، فمسلسل إحراق مكاتب أحزاب المجلس واعتقال كوادره، بالإضافة إلى اعتقال النشطاء والقاصرين والقاصرات، أمر مستمر منذ تأسيس الإدارة".
من جهته، أعرب السياسي الكردي السوري حسن شيخو، عن اعتقاده بأن زيارة أردوغان للعراق كانت لها أهداف اقتصادية وسياسية أكثر منها أمنية، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "أردوغان إذا كان يفكر في القيام بعملية عسكرية ضد حزب العمال أو قسد في مناطق الإدارة الذاتية شمال وشرق سورية، فلن يحظى بموافقة إقليم كردستان أو حتى الحكومة العراقية في بغداد". وطالب شيخو المجموعات الكردية بأن تستغل علاقة أردوغان بإقليم كردستان، و"إعطاء الزعيم الكردستاني مسعود البارزاني دوراً لإنهاء الحرب عبر الوساطة والتفاوض"، لافتاً إلى أنه من "المهم أن يكون عند حزب العمال، أو حزب الاتحاد الديمقراطي، عقلية منفتحة للاستفادة من هذا الدور"، مشيراً إلى أن "لا أعداء للأبد". لكن شيخو أشار في الوقت نفسه إلى أن "تركيا ترى أن حزب الاتحاد الديمقراطي وقسد، جزء من العمال الكردستاني، لذلك تجد أن محاربة مناطق سيطرة قسد في شمال وشرق سورية والهجوم عليها أكثر أهمية من محاربة حزب العمال في جبال قنديل شمال العراق، لأنها تجد الخطر في شرق وشمال سورية أكثر جدية وله دوافع عملية على الأرض".
من جهته، رأى أكرم حسين، وهو رئيس الهيئة التنفيذية لـ"تيار مستقبل كردستان سورية"، وعضو الأمانة العامة لـ"المجلس الوطني الكردي في سورية"، أن زيارة أردوغان إلى كردستان يمكن وصفها بـ"الإيجابية"، نظراً لما يمكن أن تقوم به أربيل من دور وسيط بين تركيا وحزب العمال، و"إعادة احياء مشروع السلام من جديد، الذي من شأنه أن يوقف التهديدات التركية ويؤدي إلى الانفتاح والاستقرار والتنمية سواء في العراق أو شمال وشرق سورية". في موازاة ذلك، فإن لهجة أنقرة طوال السنوات السابقة من تمدد المجموعات الكردية، لا سيما "قسد" شمال وشرق سورية، لا يرشح عنها إلا الحلول العسكرية.
العبد الله: في حال قيام تركيا بعملية في العراق من المحتمل انتقال بعض زعامات قنديل إلى شمال شرق سورية
وأشار الباحث في مركز حرمون للدراسات سمير العبد الله، إلى أن الاتفاق التركي ـ العراقي الأمني "ينص على التنسيق في محاربة حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وليس في سورية، ولكن في حال قيام تركيا بتلك العملية هناك فمن المحتمل انتقال بعض زعامات قنديل إلى شمال شرق سورية، وهذا سيعطي تركيا الذريعة للقيام بعملية عسكرية في سورية أيضاً". وأضاف العبد الله لـ"العربي الجديد" أن "طريق التنمية الذي تم التوقيع عليه قد يكون له تأثير من خلال قطع طرق التواصل بين إقليم كردستان وشمال شرق سورية، إذ من المخطط أن يمر من منطقة فيشخابور وصولاً إلى الحدود التركية ويكون بإشراف الحكومة العراقية، وهذا يؤثر على تحركات قيادات قنديل بين سورية والعراق".
ولفت الباحث إلى أن "هناك حالياً حالة انقسام في العراق حول العملية العسكرية التركية فيه، فالحكومة العراقية ترغب في القيام بهكذا عملية بالتنسيق معها لتضغط من خلالها على حكومة إقليم كردستان، وتحاول تركيا إقناع الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البارزاني بالموافقة عليها، لافتاً إلى أن "المعضلة تبقى موقف حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وزعيمه بافل طالباني، خصوصاً أن علاقة جيدة تربطه بقيادات حزب العمال في المنطقة، وما زال يرفض تصنيف هذا الحزب منظمة إرهابية". وتابع: "هناك تعويل من تركيا على المفاوضات الجارية بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان حول العديد من الملفات، مثل قانون النفط والغاز والرواتب ومسألة وجود حزب العمال، بأن تصل إلى نتيجة مُرضية لتركيا، خصوصاً أن الاتفاقات التي تم توقيعها خلال زيارة أردوغان تم وضعها في سلة واحدة، وكلها يرتبط بعضها ببعض".